البقاء بالمنزل فرصة للتقارب ومتابعة الأبناء بعد أن أصبح ( البقاء بالمنزل )، خيارا «إجباريا» فرضته «كورونا» على معظم سكان الأرض، للنجاة من هذا الوباء المستجد، بات على جميع أفراد الأسرة الذين قل أن تجمعهم مائدة واحدة، إلا فى المناسبات أن يقبعوا فى بيوتهم أياما، وربما أسابيع متواصلة، ولا يغادروها ولو حتى للصلاة! وحتى لا يكون هذا الوقت عبئا على البيوت بكثرة الخلاف، أو إساءة استخدامه فيما لا يفيد، سلط علماء الدين الضوء على بعض الأمور المهمة لاغتنام هذه الفترة الاستثنائية واعتبروها فرصة للتضرع إلى الله، وتحقيق التقارب والتماسك بين جميع أفراد الأسرة، واستدراك الآباء والأمهات ما كانوا يفتقدونه فى حياتهم بسبب كثرة الأشغال وروتين الحياة الذى لا ينتهي. فى البداية يشير الدكتور محمد نجيب عوضين أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة إلى أن من أثمن ما خلقه الله سبحانه وتعالى وطلب من الإنسان أن يحافظ عليه هو الوقت، لذا فإدارة الوقت، لاسيما فى أثناء الأزمات، من الأمور المهمة جدا فى حياة الأمم، لأنه ليس معنى أن هناك ظروفا معينة تطرأ على البلاد أن نكون سلبيين، ولا نلقى بالا بالوقت. لذا فعلى الأسرة إذا طلب منها ان تستقر فى المنزل تفاديا للعدوى والوباء، أن يعلم الجميع أن هذا القرار فرضته المصلحة العامة، وأنه أمر جد لا هزل فيه، ومن ثم بات على الجميع الالتزام به وعدم مخالفته، وفى ذلك عبادة لله عز وجل. وهنا يمكننا استثمار الانعزال فى البيت فى أمور كثيرة، من أهمها: تقوية الصبر لدى الانسان لأن الله يبتلى الانسان ليعلم من يستطيع ان يصبر ومن يخاف أو يجزع، وهذا ما جاء فى قوله تعالى «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ»، وأن يعلم كل إنسان مغرور حجمه وقدره الطبيعي، فكم هو ضعيف هذا الإنسان، ففيروس دقيق لا تدركه العين المجردة يحار فيه كبار الأطباء والباحثين، ويهدد كبريات الدول والشعوب بالفناء. إنها قدرة الله. فالله سبحانه هو النافع وهو الضار وكل شيء عنده بمقدار. وفى هذا البلاء أيضا تذكرة للإنسان وأن تكون له وقفة مع نفسه، وأن يعلم أن أجله أقرب إليه من شراك نعله، كما أخبرنا بذلك النبى صلى الله عليه وسلم، وإذا الأمر كذلك، فمتى نستعد له بصلاح العمل والقرب من الله؟ ويضيف عوضين: وينبغى استثمار الوقت فى هذه الظروف بعودة التقارب والترابط بين افراد الأسرة وكسر الروتين اليومى الذى اعتادته الأسر سنوات وسنوات من غير أن يشعروا، ففى الظروف العادية لا حظ للرجل من بيته وأسرته سوى النذر القليل، فحال كثير من الأزواج إما نائما وإما يستعد للخروج للعمل وإما قادما من العمل لا يطيق من حوله، فهو ينتقل من عمل إلى عمل حتى يوفى بمطالب أبنائه، ولا طاقة له على الاستماع لأولاده والتفاعل الإيجابى معهم، وهذا بلا شك خطأ يقع فيع الكثيرون إلا من رحم الله، باسم العمل والسعى على المعاش.. وفى المقابل نجد الأبناء، كل واحد منهم ينعزل فى عالمه الافتراضي، وهكذا.. أما الآن فالجميع فى إجازة إحبارية، ليست للهو ومشاهدة التلفاز والطعام والشراب وفقط، بل هى فرصة سانحة للقاء والنقاش والالتقاء الأسرى الدائم على الطاعة والعبادة، وأن يتسع صدر الجميع لبعضهم البعض، وأن يسمع رب الأسرة لمشاكل أسرته ويضع الحلول لها فتعود الى الأسرة طابعها وتماسكها. وهذا الظرف العصيب أيضا نتعلم فيه ترشيد الاستهلاك والقضاء على الإسراف والتبذير، والالتزام بالآداب والأخلاق الحميدة، فهذه ظروف تبعث على الرهبة والفزع فيعود الإنسان إلى خالقه، طالبا منه العون والمساعدة. وطالب عوضين باستدعاء روح التعاون والمشاركة وأن تسود المحبة وحرص الناس كل منهم على الاخر وألأخذ بيد الكبير والضعيف، لتحقيق التكافل الاجتماعى والتراحم بين المجتمع، فكم من أسر قطعت أرزاقها أو تعطلت بسبب هذه الظروف، ويا ليت كل منا ينظر فيمن حوله وأن نتعاون معا، يعطى الغنى الفقير، ويكفل القادرون المحتاجين، ويمدون لهم يد العون من دون أن يسألوهم، وهذا واجب على القادرين تجاه إخوانهم وتجاه وطنهم. وبذلك نكون قد استفدنا من المحنة وقللنا من الاضرار الناجمة عن هذا البلاء. ويدعو الدكتور حامد ابو طالب العميد الاسبق لكليه الشريعة والقانون الأسر لاستغلال هذه الفترة فيما يفيد جميع أفرادها، وذلك باغتنام اوقات الفراغ وان يتفرغ الأب والأم لشرح الدروس لأبنائهما وتحفيظ الأطفال بعض السور من القرآن، وتعليمهم القراءة السليمة ما أمكن، والنقاش المفيد المثمر، سواء النقاش فى أمور الدين أو أمور الدنيا بما يعينهم على حسن التعامل مع الآخرين وتبصيرهم بواجب الوقت من التعامل الأمثل مع البلاء، وبيان الجهود التى تبذلها الدولة وأهمية الالتزام بالإجراءات الوقائية، وتجنب الانسياق وراء الشائعات والأفكار المغرضة سواء فى هذه المحنة أو غيرها. كما ينبغى إذكاء روح التعاون بين الأطفال ومنحهم فرصا لتعليم الرسم والتلوين وتنمية المهارات وقراءة القصص المفيدة، لكسر الملل لديهم، والاستفادة فى ذلك من كم المعلومات الهائل على شبكة الانترنت مع بيان الجوانب السلبية والإيجابية، وبالتالى نحقق فوائد متعددة بحيث لا يمل الأطفال ويتعودو التعامل الحسن مع الانترنت بما يتناسب مع مستواهم السني. وهذه الفترة أيضا فرصة ذهبية للأمهات، خاصة العاملات فى إعادة ترتيب بيتها وتقوية أواصر العلاقة بينها وبين زوجها، وبينها وبين أولادها ومن حولها. ويمكنها أيضا اغتنام هذه الفرصة فى تعليم ابنتها فنون ومهارات الطبخ، وأسلوب إدارة المنزل، فهذا أمر يستغرق وقتا ويحتاج التجربة والتدريب. وعلى الآباء والامهات خلال هذه الفترة، أن يكونوا قدوة لأبنائهم، فى الاحتواء والتفاهم والحرص على أداء الصلوات فى وقتها، وأداء النوافل والاستغفار والانشغال بالذكر والتسبيح و قراءة القرآن وان يضع كل منهم لنفسه وردا يوميا من الذكر والقرآن، والتقرب إلى الله حتى يفرج الله هذه الغمة، وففى أوقات الشدائد ما أحرانا لأن نجتهد بالتضرع والعمل الصالح وأن نرى الله من أنفسنا خيرا. ودعت الدكتورة إلهام محمد شاهين أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر كل رب أسرة إلى تدارك ما فاته من مسئولياته تجاه أبنائه، وذلك بالاقتراب منهم وإرشادهم والقيام بدوره فى تعليمهم أمور دينهم، وأن يكون قدوة لهم فى ذلك، ويبين لهم ما غاب عنهم أو جهلوه من أحكام الصلاة وغيرها من العبادات، وان يتحمل مسئولية الأسرة وان يقوم برعايه أمه وأخواته وليحرص على إمامة أسرته فى الصلاة وفى هذا إشارة إلى أنه هو المسئول الأول عن أسرته، وعليه القيام بالأشياء التى كان يؤجلها فى المنزل لظروف عمله وأن يقترب من من زوجته وأولاده ولا مانع من أن يعاون زوجته فيما شق عليها من شئون البيت، ويصاحب أبناءه خلال هذه الفترة ويقترب منهم ولا يشعرهم بالرهبة والفزع، ولا بالضيق من وجوده بينهم، بل يحتويهم عسى أن يجبر دوره المنقوص الذى طالما قصر فيه بسبب انشغاله الدائم بالعمل. وعلى الزوجة أن تعلم بناتها الحياكة والطبخ، وتحاول أن تعقد حلقات ذكر ودعاء مع أولادها واستثمار الوقت فى شيء نافع ومفيد لهم فى اى مجال عملى او عمل يدوى او حتى لإصلاح ما يفسد فى المنزل. وتختتم د. إلهام شاهين قائلة: على الرغم من اننا نرى أن هذه الأيام صعبة، لكنها جمعتنا جميعا على عمل الخير، لذا فينبغى بعد انتهاء الأزمة الحالية أن تتوحد الأسرة جميعا مع بعضهم البعض، ونتعلم من هذه المحنة. دور التكنولوجيا و البقاء بالمنزل كما يوضح الدكتور ناصر وهدان أستاذ الدرسات الإسلامية بجامعة العريش يبرز الدور الإيجابى للتكنولوجيا، التى تمت الاستعانة بها فى إنجاز العديد من الأعمال لتخفيف عدد الموظفين بكل قطاعات الدولة، بعد ما فرضت «كورونا» عزلة واغترابا على الجميع، وهنا علينا أن ندرك أهمية العلم، ممثلا فى هذا الاكتشاف العجيب (التكنولوجيا) الذى اختزل المسافات والأزمنة، وجعل العالم كله قرية صغيرة. فالعزل المنزلى الإجبارى فى ظل التطور التكنولوجى لم يجعل الانسان عاجزا عن العطاء والنفع لنفسه ولغيره، كما أن تعدد مواقع التواصل الاجتماعى عزز التقارب عبر الإنترنت بصور مغايرة، لذا فالبقاء فى المنزل مخافة الوباء والعدوى ليس معناه الاستسلام والإحباط والانكفاء على الذات والانقطاع عن الآخرين، كما لا يبررأيضا التقصير فى حق الأهل والأصدقاء والأرحام، بل صار الأمر (التواصل والسؤال) أكثر إلحاحا فى ظل وجود خطر يتهدد الجميع،من اجل الاطمئنان تارة والإرشاد، ونشر الوعى بين الجميع تارة أخرى، ويمكن أن يتم التواصل لحظيا بالصوت والصورة والرسائل المباشرة عن طريق الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعى المختلفة وهكذا. وهنا يتوجب علينا نشر التوعية بين محيط التواصل مع تجنب الشائعات والانسياق وراء الأخبار غير الموثقة... فهذه فرصة لاغتنام الوجه الإيجابى للتكنولوجيا، والتعاطى معه دائما فى أثناء الأزمة وما بعدها. نقلا عن: الأهرام اليومي