يكتب: عندما طمأن الرئيس عبدالفتاح السيسي جموع المصريين بقوله: "إن مصر قوية وقادرة على مواجهة فيروس كورونا "، لدى تفقده المعدات والأطقم الطبية التابعة للقوات المسلحة، فإنه كان يتحدث بلغة واثقة تبعث على الارتياح والطمأنينة. ثقة الرئيس السيسي الشديدة لم تأت من فراغ، لكنها كانت مرتكزة ومنطلقة من حقائق ووقائع ملموسة وماثلة من حولنا، ولا يمكن للعين المبصرة المدققة أن تخطئها، أو تشكك فيها، أو تنكرها. العين المبصرة سترى أن خطاب الرئيس الواثق كان ناشئًا من أن أجهزة الدولة قاطبة كانت على قلب رجل واحد، وبرهنت عمليًا على أنها كانت على قدر المسئولية أمام حدث ضخم ورهيب وغير معهود، مثل كورونا الذي يفتك - بلا رحمة وبشراسة - بشعوب العالم، ولم يظهر أي ارتباك في أداء الحكومة، مثلما رأينا ببعض الدول التي استشرى فيها الفيروس، ووقفت حكوماتها عاجزة لا تدري ماذا تفعل؟ فأجهزة الحكومة المصرية أعدت عدتها وعتادها في مواجهة كورونا مبكرًا، وفي خضم استعداداتها وضعت كل السيناريوهات المتوقعة في حساباتها وتوقعاتها، وناقشت تفصيلًا ما يتعين عليها فعله تبعًا لتطورات وتصاعد الأحداث، حتى نعبر المحنة الراهنة بسلام وبأقل الخسائر الممكنة. ويُحسب لحكومة الدكتور مصطفى مدبولي أنها لم تترك ثغرة - تقريبًا - إلا وتنبهت إليها، لا سيما ما يخُص منها الاحتياطي من السلع والمواد الإستراتيجية الكافية لاستهلاكنا لأشهر مقبلة، وفي تحركاتها ومواقفها التزمت الحكومة بمبدأ الصراحة وكشف الحقيقة، فليس لديها ما تخجل منه، أو تخفيه في التعاطي مع أزمة ذات بعد دولي، وهبطت علينا من حيث لا نعلم. ولم تدع الحكومة الفضاء خاليًا لغربان الشائعات والأكاذيب يمرحون فيه، وفندت أكاذيبهم أولا بأول وردت عليها بالأرقام والمعلومات الصحيحة الموثقة، وبدا للعيان مدى انحطاط جماعة الإخوان الإرهابية؛ التي سعت لاستغلال جائحة كورونا بتعمدها ترويج شائعات عبر وسائط التواصل الاجتماعي؛ لإثارة الرأي العام المصري، والتشكيك في القيادة السياسية وقراراتها، وصدرت دعوات من عناصرها الشيطانية تحث المصابين بكورونا على الأخذ بثأرهم ونشره بين الناس؛ في تصرف خسيس يوضح نوازعها الشريرة، وخلوها من احترام أبسط قواعد الإنسانية. لذلك حرص الرئيس السيسي في حديثه على لفت الأنظار إلى أن معركتنا مع أرباب وأهل الشر لم تنته بعد، وأنها سوف تستمر وقد تطول؛ لأن الجماعة الإرهابية تحركها النزعة الانتقامية من الشعب المصري الذي لفظها وأزاحها غير مأسوف عليها من كرسي الحكم، وأنه يتوجب علينا التحلي بالنفس الطويل والوعي في هذه المعركة المصيرية. ووعي المصريين كان حاضرًا ويقظًا في أزمة كورونا، وبدت الحكومة والمواطنون ككيان واحد متماسك، فالمواطن اعتبر نفسه شريكًا مع الحكومة في المواجهة، والتزمت قطاعات عريضة من المواطنين بالإجراءات الاحترازية المعلنة، والاستثناء انحصر في فئات قليلة، فالمصريون يدركون خطورة ما يحيق بهم، ويودون العبور سالمين من الجائحة الراهنة التي سيكون لها تأثيراتها الفادحة على أجيال قادمة، بسبب ما أحدثته من أضرار وكوارث اقتصادية واجتماعية ونفسية عميقة. الثقة كذلك كانت نابعة من أن قواتنا المسلحة العظيمة تعد وتدًا وسندًا قويًا وقت الشدة، وشاهدنا جانبًا من تجهيزاتها لدعم القطاع المدني في مكافحة انتشار الفيروس، وما يتوافر لديها من معدات للتعقيم والتطهير والمستشفيات الميدانية، والأطقم الطبية المدربة وصاحبة الكفاءة العالية، ودورها الوطني المشهود في توفير السلع والمستلزمات التي تحتاجها الأسرة المصرية بأسعار مناسبة في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد. ما قدمته وتقدمه القوات المسلحة المصرية يُخرس كل الألسنة الحاقدة والكريهة التي خاضت سابقًا في سيرتها العطرة، وغمزت ولمزت بشأن دورها الرائد في مساندة جهود التنمية والاقتصاد الوطني، والعمل على الارتقاء بهذا الوطن، وما يقوم به ولا يزال الجيش يؤكد للمرة المليون أنه مؤسسة وطنية خالصة لا تهدف سوى لرفعة البلد وحماية مقدراته من عبث العابثين ومكائد المتآمرين والحاقدين، وأنه صخرة تتحطم عليها رأس كل من يفكر فى الإضرار بالأمن القومي لبلادنا. والثقة ممتدة أيضًا لشرطتنا المدنية التي تؤدي دورها على أكمل وجه حفاظًا على الأمن القومي وأمن المواطن، وتحملت - عن جدارة - المهمة الشاقة في تنفيذ حظر التجوال الجزئي في محافظاتنا، ولم تكف في الوقت نفسه عن ملاحقة المخالفين والمستغلين والمتاجرين بقوت الشعب. وأيضًا الثقة في صحة وسلامة توجهات وكفاءة الدولة المصرية بإصرارها على تطبيق الإصلاحات المالية والاقتصادية التي أعطت الاقتصاد الوطني دفعة قوية للأمام، وبفضل تلك الإصلاحات المؤلمة وثمارها امتلك اقتصادنا القدرة على تحمل تبعات كورونا، وضخ مليارات الجنيهات من خزينة الدولة لدعم العمالة غير المنتظمة، وقطاع السياحة، والقطاع الخاص، وغيرها من القطاعات، وأدركنا الآن جدوى تلك الإصلاحات التي ربما لم يفهم مغزاها البعض حين الإعلان عنها قبل سنوات. وبالتأكيد فإن الشعب الذي واجه تحديات مصيرية خلال الأعوام الستة الماضية - واجتازها ببراعة تتسق مع تاريخه العريق - قادر على تخطي محنة كورونا، شريطة التزامه بالحذر والحيطة، وأن يستعد لتعويض ما فاته جراء الفيروس القاتل الذي سيحدث تغييرات وتحولات غير مسبوقة في النظام العالمي خلال السنوات المقبلة.