خلال السنوات التي تلت ما سمى بالربيع العربي، كانت حظوظ حزب العدالة والتنمية الحاكم في الشارع التركي، تتعدى نسبة ال 40%، وفي أحيان ليست بالقليلة اقتربت من ال 50%، الآن الوضع مختلف جدا، فمنحنى التراجع مستمر بالهبوط وبإصرار، وبدأت إرهاصاته بالظهور في أعقاب مزاعم الانقلاب الفاشل منتصف العام 2016، لكن المفاجأة المثيرة والتي تزامنت مع العام الجديد، هي أن الحزب الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، يبدو أنه أصيب بطعنة نجلاء. ففي آخر استطلاع للرأي، والذي أجراه أحد المراكز البحثية المشهود لها بالحيادية، كسر تدهور شعبيته سقف ال 30%، بعد أن كان يلعب في منطقة الثلاثينيات طوال السنة الماضية، ليقف عند 28%، وبطبيعة الحال يصب هذا التقهقر في صالح المعارضة، فرغم الحصار المفروض عليها، إلا أن شعبيتها في تصاعد متواصل. مراقبون اعتبروا الأمر منطقيا، في ظل تخبط السياسات الأردوغانية، على المستويين الخارجي والداخلي معًا، ومازالت الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ سنتين تثقل كاهل المواطنين، فيكفي أن معدل التضخم، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، الذي كان مدعاة فخر وإعزاز للحكومة لبلوغة خانة الآحاد بفضل نجاعة خطط وزير الخازانة والمالية، والذي هو أيضًا صهر الرئيس يعود مجددا إلى رقمين مفتتحا يناير بنحو 11.54%. والسؤال الذي طرحه محللون، كيف تتحقق نجاحات والفساد يتغلغل في أركان الدولة مع تنامي النزعات السلطوية لرئيس يتغنى بالماضي، تاركا حاضرا يعاني انعدام الرؤية، ومظاهر الفقر تدق أعناق الملايين، وعلى أحد الأرصفة بمنطقة فاتح الشعبية وسط أسطنبول يكتشف بعض المارة رجلًا مات متجمدًا متدثرًا بأوراق الصحف، تزامنًا مع الطقس البارد وفيه تتحول الحدائق والمباني الأثرية والمخازن المهجورة إلى مأوى للمشردين. وها هو عام 2020 تأتي بداياته بموجات جديدة من ارتفاع الأسعار زحفت على السلع الأساسية التي لا غنى عنها في مقدمتها الخبز الذي ارتفع ثمنه 20% في حين كانت آخر زيادة قبل أربعة أشهو فقط ومع الزيادة الأخيرة يكون سعره قد قفز بنحو 50% خلال عام. وخدميا فرضت السلطات زيادات على رسوم عبور جسري "يافوز سلطان سليم" بمدينة كوجالي، و"عثمان الغازي" الرابط بين إسطنبول وإزمير، بنحو 14% بدون ضريبة القيمة المضافة، وفي ظل عدم تحقيق الجسور الحد الأدنى من الأرباح التي تعهدت بها في الماضي الحكومة للشركات المشغلة، ترفع الدولة رسوم العبور، ليتحمل المواطن الفارق من جيبه. ووفقًا لأرقام رسمية أعدها ديوان المحاسبة، تبين أن المؤسسات الاقتصادية الحكومية وعددها 28 مؤسسة، والتي تأسست بموجب قرارات المؤتمر الاقتصادي الذي عٌقد بمدينة إزمير المطلة على بحر ايجة مستهل العام 2015، سجلت خسائر تاريخية بنهاية عا8، م 201بلغت 91 في المائة بقيمة وصلت إلى أكثر من 11 مليار ليرة أي مليار 850 مليون دولار. وفي عام 2016 سجلت خسائر بقيمة 3.8 مليار ليرة (650 مليون دولار، لترتفع في عام 2017 بنحو 48.9% لتسجل 5.7 مليار ليرة (مليار دولار تقريبًا)، وبدورها ارتفع عدد المؤسسات المتضررة مقارنة بالعام السابق، ففي عام 2017 كان العدد 16، غير أنه في عام 2018 ارتفعت هذه النسبة إلى 18 مؤسسة. وسجلت الإدارة العامة لأعمال المناجم 3.3 مليار ليرة ( 620 مليون دولار ) لتأتي بعدها هيئة خطوط سكة الحديد أعلى خسائر بقيمة بلغت 2.5 مليار ليرة ( 450 مليون دولار)، تلتها خطوط أنابيب النفط بخسائر بلغت 2.4 مليار ليرة ( 440 مليون دولار )، ثم شركة توليد الكهرباء 1.6 مليار ليرة ( 300 مليون دولار).