تساءلت في المقال السابق عن كيفية تحديد الأولويات ومسئول فلترتها ووضعها أمام صانع القرار. والحقيقة أن عملية تحديد الأولويات ليست عملية سهلة وقد تكون معقدة، نتيجة تعددها أو غموضها أو عدم التوازن بين المطالب والموارد، ومن ثم يجب التفاوض بشأنها ويمثل طرفيها الجماعة السياسية ومسئولو الاتصال السياسي في السلطة. وتستغرق عملية التفاوض وقتاً بسبب البحث عن الإمكانات مع وكالات وأجهزة التخطيط والتمويل والتشريع، فتنفيذ المطالب يحتاج إلى قرارات وتشريعات وتخطيط وتمويل، وبعد ذلك تصل عملية التفاوض إلى نهايتها، فنصبح أمام واقع التنفيذ أو التأجيل، كل ذلك حسب الأثر الناتج عن تنفيذ المطلب وتكلفته وحجم الاستفادة منه. وتتجلى أهمية التفاوض في القدرة على إقناع قنوات نقل المطالب سواء كانوا شيوخ قبائل أو قادة أحزاب أو نواب ممثلين عن الشعب لأن بدورهم سيرددوا النتيجة النهائية أمام المواطنين العاديين، ففي حالة التنفيذ تزداد الثقة في النظام، وفي حالة الاستجابة الجزئية (أي تنفيذ جزء من المطالب) يستمر الدعم له، وفي حالة التأجيل يصبح الأمل باقياً وجسور الثقة ممتدة نتيجة الاقتناع بعدم جدوى التنفيذ الآني لمطلب ما. هكذا، تكون عملية التفاوض، ويليها وضع الصورة النهائية أمام صانع القرار وزيراً كان أو رئيس وزراء، ويكون المسئول عن عملية العرض النهائي هو حارس البوابة أو كما يعرف في الأجهزة البيروقراطية بمديري المكاتب الذين يتمتعون بخبرة فنية وإدارية كبيرتين ومهارة وقدرة فائقتين على التنسيق مع وكالات وأجهزة التنفيذ المعنية، ولا تتوقف العملية عند هذا الحد بل يعقبها عملية أخرى أكثر أهمية وهي المتابعة لأنها أساس نجاح تنفيذ المطالب. وعلى الرغم من كل ما سبق، فقد تفشل الجماعة السياسية في المرحلة الأولى وهي عملية نقل المطالب إلى السلطة نتيجة عدم نضجها أو أن ما تقدمه لا يدخل دائرة المطالب وإنما يعبر عن مصالح خاصة، فعلى سبيل المثال قد يتم المطالبة ببناء مدرسة أو جامعة خاصة – تستفيد منها فئة محددة - على أراض زراعية وبالمخالفة للتشريعات، ومن ثم لا يمكن الاستجابة لهذا الطلب لكونه غير مفيد للعامة، بينما إذا كانت منه فائدة للمواطنين عامة، فعلى السلطة إصدار قرارات من شأنها السماح ببناء المدارس والجامعات العامة على الأراضي الزراعية أو أي خدمات عامة أخرى مثل بناء محطة مياه شرب أو صرف صحي أو صوامع لتخزين الغلال بغرض النفع العام. وفي مصر، لعلنا نتذكر قرار وزير الزراعة واستصلاح الأراضي رقم 615 لعام 2016، بشأن الحالات المستثناه للبناء على الأراضي الزراعية لتحقيق المنفعة العامة بناء على الطالبات الواردة من العديد من أعضاء مجلس النواب آنذاك. ولكن ماذا يحدث حال فشل الجماعة السياسية وممثليها في توصيل المطالب إلى ممثلي وشاغلي السلطة، هذا ما سيتم تناوله في الجزء السادس. * كاتب المقال: عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين .