مازلت أؤمن بأن الإعلام هو إحدى القوى الناعمة للدولة؛ يعزز قدرتها ويسهم في بلورة الرأي العام، ومخاطبة الشعوب في وقت تتسارع فيه الأمم للوصول إلى أعلى درجات التطور التكنولوجي ونقل المعلومات بأكثر النظم حداثة. ولا أبالغ في القول بأن صناعة الإعلام أصبحت أداة قوية لا يستهان بها تفوق قدرتها صناعة السلاح، قادرة على البناء والتنمية إذا تم توظيفها بصورة جيدة، كما أنها تستطيع أن تهدم وتدمر في الوقت ذاته؛ إذا ما استخدمت في نقل الأكاذيب والشائعات، فتصب في النهاية لصالح الفكر السوداوي الظلامي المتطرف. وأتصور في ظل التحديات الصعبة التي تمر بها المنطقة والقضايا المحيطة بها كان لابد للدول العربية أن تستثمر قوة الإعلام والاتصال وتكنولوجيا المعلومات في محاربة الفكر الشيطاني ومناهضة الأخبار المفبركة التي أصبحت أداة أساسية للمتطرفين في بث البلبلة وخلق الأزمات والصراعات في المنطقة. لا أريد أن أطيل على القارئ بتلك المقدمة، ولكنني أردت أن أسلط الضوء على الدور الحيوي الذي يستطيع أن يقوم به الإعلام وأهمية الكلمة، وهو ما يمهد لي الانتقال بحديثي إلى القرار الذي اتخذه مجلس وزراء الإعلام العرب، الأسبوع الماضي، في دورته الخمسين بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، باختيار إمارة دبي عاصمة للإعلام العربي لعام 2020. في الواقع لم يدهشني هذا القرار على الإطلاق، لقد أصاب وزراء الإعلام العرب باختيارهم "درة الخليج" لتصبح عاصمة الإعلام العربي لعام 2020، في وقت تشهد فيه منطقة الخليج تصعيدا خطيرا من هجمات إرهابية على سفن تجارية قبالة السواحل الإماراتية وحرب كلامية بين نظام الملالي والحليف الإستراتيجي لدول الخليج (الولاياتالمتحدة) فضلا عن حرب اليمن والهجمات التي يشنها الحوثي على الأراضي السعودية، دون أن نغفل العلاقات المتوترة بين قطر ودول الخليج. فكان لابد أن يتدخل الإعلام في ظل كثير من المعلومات المغلوطة والارتباك السياسي في المنطقة، ويلعب دورًا مهمًا لمواجهة تلك الأزمات من نقل صورة حية وحقيقية للوضع المتأزم ومواجهة الشائعات والأكاذيب التي تصدر ليل نهار؛ سواء من نظام الحمدين أو من الجانب الإيراني. وبحكم عملي كمراسل لصحيفتي الموقرة (الأهرام) في دبي، أستطيع أن أؤكد أنه ليس هناك أقدر من الإعلام الإماراتي يستطيع أن يصد الإعلام الضال والمضلل للرأي العام خاصة في تلك الفترة التي لم تشهد لها الخليج مثيلا من قبل. لقد فطنت القيادة الرشيدة في دولة الإمارات مبكرًا لأهمية دور الإعلام، فكان للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - بصمة رئيسية في الارتقاء بمستوى الإعلام، أعطى له الحرية في مباشرة دوره في مواجهة التحديات التي باتت تحيط بالمنطقة والتصدي لآفة الفكر المتطرف من جهة، ونشر القيم الإنسانية والتسامح والسلام بين الشعوب والارتقاء بالحضارة والثقافة العربية من جهة أخرى. ليس من فراغ أن يتم اختيار إمارة دبي "كعاصمة للإعلام العربي لعام 2020" فهو تتويج لإسهاماتها الضخمة ومسيرتها الطويلة في مضمار التطوير الإعلامي والاشتراك في تنمية الدولة اجتماعيًا وسياسيًا واقتصاديًا، لتجني ثمرة سعيها المتواصل للارتقاء بمستقبل الإعلام، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن على مستوى العالم العربي أيضًا، لتجد نفسها محل إشادة وتقدير إقليمي مستحق من جانب الجامعة العربية. لقد أسهمت دبي بدور كبير في صقل التجربة الإعلامية العربية لتؤكد جدارتها في تشكيل ملامح خارطة الإعلام في المنطقة برؤية تواكب التطوير والإمكانات والقدرات الهائلة التي وصلت إليها صناعة الإعلام بكافة قطاعاتها في أنحاء العالم. وحرص قطاع الإعلام في دبي منذ بداية انطلاقه على تقديم الكثير للثقافة العربية والعمل على خدمة المشهد الإعلامي والقضايا العربية المصيرية مع الالتزام بكافة المعايير الإعلامية المبنية على إيصال رسائل إعلامية صحيحة وبعيدة عن سياسة التضليل، مما جعل دبي تأتي في مصاف الدول الأولى للإعلام العربي. وإذا نظرنا إلى ما قدمته دبي في رحلتها الحافلة مع الإعلام فسنجد أنها تستحق بجدارة أن تكون عاصمة الإعلام العربي لما شهدته تلك الإمارة من إنجازات في هذا المجال على مدار عقدين من الزمان؛ فكانت البداية مع تأسيس "نادي دبي للصحافة" عام 1999، وبعدها إطلاق مبادرتين احتفظتا إلى اليوم بمكانتهما كأهم المبادرات التي عرفها عالم الإعلام العربي على مدار عقود وهما "منتدى الإعلام العربي" و"جائزة الصحافة العربية"؛ كما أحدثت نقلة نوعية مهمة في هذا المجال بتأسيسها منطقة حرة مخصصة للأنشطة الإعلامية تضم أكبر تجمع إعلامي عالمي في المنطقة وهي "مدينة دبي للإعلام" التي انطلقت عام 2001. ثم أخذت المدينة في النمو بخطوات متسارعة لتضم مجتمعًا إعلاميًا ضخمًا يحمل أكبر الأسماء في عالم الصحافة والإعلام من خلال المقار الإقليمية لوكالات الأنباء العالمية والصحف العالمية, ومن ضمنها المكتب الإعلامي والإعلاني لمؤسسة "الأهرام", وشبكات التليفزيون والفضائيات والشبكات الإذاعية وشركات الدعاية والإعلان. ولم تكتف دبي في رحلتها مع التطوير الإعلامي بهذا الإنجاز فحسب؛ إذ سارعت لإطلاق منصة إبداعية جديدة ومنطقة حرة أخرى تدعم الحراك الإعلامي وهي "مدينة دبي للإنتاج" التي انطلقت عام 2003 كمنطقة حرة مخصصة لأنشطة الإنتاج الإعلامي، وتم تخصيصها لتلبية كافة احتياجات مجتمع الطباعة والنشر والتغليف، وبعدها "مدينة دبي للأستوديوهات" التي تأسست عام 2005، وكانت بمثابة نقطة تحول جديدة في الإمارة ساهمت في ترسيخ مكانة دبي ليس فقط كمركز إعلامي، ولكن أيضًا كمركز جديد للإنتاج السينمائي استقطب انتباه صنّاع السينما في العالم؛ لما تتمتع به الإمارة من مقومات طبيعية ولوجستية لتصوير أعمالهم السينمائية. وفي النهاية أتساءل.. ألا تستحق دبي أن تكون أيقونة الإعلام ليست في المنطقة العربية فحسب؛ بل في العالم أجمع بتلك الإنجازات التي أقدمت عليها في فترة قصيرة من الزمان!