اللواء محمدعبدالواحد استضافت الدولة المصرية عددًا لا بأس به من الاحتفاليات الدولية والإقليمية، تمثلت في مؤتمرات ومعارض كان للقارة الإفريقية النصيب الأكبر منها، فقد استضافت مدينة شرم الشيخ فعاليات منتدى "إفريقيا 2018" في الفترة من 8-9 ديسمبر الحالي، كما أقيم بالقاهرة المعرض الإفريقي الأول للتجارة البينية خلال الفترة من 11-17/12 /2018، وعلى مستوى التعاون العسكري المصري الإفريقي، قامت القوات المسلحة المصرية بعقد تدريبات مشتركة في مجال مكافحة الإرهاب مع عناصر من دول تجمع الساحل والصحراء، والذي ينفذ للمرة الأولى في مصر بقاعدة محمد نجيب العسكرية، ومن جهة أخرى، قام رئيس الوزراء المصري على رأس وفد رفيع المستوى، وبتكليف من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالمشاركة في مراسم التوقيع على اتفاقية إنشاء سد "ستيجلر جورج" بتنزانيا، والذي فاز بتنفيذه كل من شركة المقاولون العرب ومجموعه شركات السويدي. يعكس استضافة مصر لهذا العدد من الفعاليات، وما تمثله من إيجابيات كثيرة، حرص الدولة المصرية على الاستمرار بخطى سريعة نحو التواجد سياسيًا واقتصاديًا في مجالها الحيوي، سواء الدولي أو الإقليمي لاستكمال مسيرة التنمية الشاملة، باعتبار أن إقامة مثل هذه المعارض والمؤتمرات الدولية والإقليمية خلال الفترة السابقة هو قمة الرشد للسير في الطريق الصحيح للتفاعل والاحتكاك المباشر مع الآخر، والاستفادة من الخبرات المكتسبة من دول ومؤسسات سبقتنا في هذا المجال، كما يمكن من خلال تلك المعارض التعرف على أفكار جديدة، والوقوف على آخر التطورات العلمية والتكنولوجية العصرية، كما يعد نشاط الدولة المصرية في هذا المجال هو أحد أدوات إعادة تفعيل مجالات حيوية لأمنها القومي، ورسالة للداخل والخارج تؤكد أن الدولة المصرية فاعلة ومؤثرة ومتواجدة بقوة على الساحة الدولية والإقليمية، ولا تنكفئ على مشكلاتها الداخلية فقط؛ لأن كلمة الانكفاء على المشكلات الداخلية ثقيلة ولا تليق بدولة في حجم مصر. وجاءت تلك التفاعلات الإفريقية المصرية بالتزامن مع اقتراب تولي مصر لرئاسة الاتحاد الإفريقي في فبراير 2019، الأمر الذي يساعد القائمين على صياغة السياسة الخارجية من رصد كافة المشكلات التي تواجه القارة، خاصة المعوقات التي تعوق عمليات التكامل الإقليمي أو الاستثمارات أو حركة التبادل التجاري، فضلا عن العديد من المعوقات الأخرى حتى تدونها على قمة أجندتها خلال توليها رئاسة الاتحاد الإفريقي، لاسيما أن القيادة السياسية تشدد دائمًا على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية مع كافة دول القارة دون تمييز، لبناء تكامل إقليمي لتلك الدول الإفريقية، وتعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة، وجني عوائد هذا التكامل مع تلك الدول بعضها البعض، باعتبار أن تعزيز هذا التكامل أحد سبل تنفيذ أجندة الإتحاد الإفريقي التنموي 2063، والتي تمثل تطلعات وطموحات القارة. وقد اختتم مؤتمر "إفريقيا 2018" أعماله بتحقيق عدد من النجاحات في مجالات متنوعة، كان أهمها توقيع 30 اتفاقية في مجالات الاستثمار والمشروعات القومية تختص بريادة الأعمال، وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والبنيىة الأساسية، واتفاقيات التعاون الفني. كما خرج المؤتمر بعدد من التوصيات المهمة كان أهمها تعزيز الإجراءات المحفزة للتدفقات الاستثمارية؛ من خلال آليات ضمان مخاطر الاستثمار عبر دول القارة، وتعزيز التعاون الإفريقي مع شركاء التنمية ومؤسسات التمويل وبنوك الاستثمار، وزيادة المشاركة بين القطاعين العام والخاص، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ شبكات الربط والنقل، والاستعانة بأدوات التطور التكنولوجي، وما يشمله من ذكاء اصطناعي واستخدام نظم المعلومات والبيانات الضخمة وتوظيفهم لخدمة أسواق التنمية، وخلق أسواق جديدة وفرص عمل، والاستمرار في تمكين المرأة اقتصاديًا من خلال دعم برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وبرامج بناء القدرات والتأهيل والتدريب الفني لشباب القارة، فضلا عن استكمال مبادرات مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الحوكمة والحكم الرشيد. وكان هذا المؤتمر فرصة جيدة لعرض الفرص الاستثمارية والمزايا التنافسية التي تتمتع بها دول القارة الإفريقية في العديد من القطاعات الإستراتيجية، كما أتاح فرصة التنسيق الجيد والفعال بين حكومات الدول الإفريقية مع بعضها البعض من جهة، وفرصة التقاء تلك الحكومات مع المستثمرين من رواد الأعمال والقطاع الخاص والمؤسسات التجارية من جهة أخرى، وقد قام رواد الأعمال الأفارقة بعرض أفكارهم نحو تطوير التبادل التجاري، وتطوير منظومة الاستثمارات في إفريقيا؛ وذلك أمام المشاركين من المستثمرين الممولين ومؤسسات التمويل الدولية، ورجال الأعمال الراغبين في الاستثمار بالقارة. ومن جهة أخرى، استضافت القاهرة فعاليات المعرض الإفريقي الأول للتجارة البينية، بالتعاون مع كل من الاتحاد الإفريقي والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، ويعد هذا المعرض هو الأول من نوعه في إفريقيا؛ حيث يهدف إلى تعزيز التجارة الإفريقية الهادفة إلى دعم وتشجيع إنتاج السلع والخدمات وبناء القدرات لتوسيع قدرات الإنتاج، كما وفر منصة لعرض السلع والخدمات فأصبح منصة للدخول إلى سوق واحدة تضم مليارًا و200 مليون نسمة وتبادل المعلومات التجارية والاستثمارية والسوقية مع أصحاب المصالح من المستثمرين والشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع غير الرسمي والأفارقة في الشتات، كما خلق فرصة تجتمع خلالها المؤسسات المالية ومؤسسات التمويل مع البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد لتبادل المعلومات بشأن تمويل التجارة وتيسيرها، بما يدعم التجارة البينية في إفريقيا، ومناقشة القضايا الرئيسية التي توثر على التجارة داخل البلدان الإفريقية، وتوفير حلول فعالة لها، وقد ركز المعرض على عدد من القطاعات تشمل المنتجات الزراعية ومواد البناء والسياحة والمنتجات الطبية والصناعات الثقيلة والطاقة والمنسوجات والملابس والصناعات الهندسية. ويرى البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد والمنظم للمعرض، أن أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض التجارة بين البلدان الإفريقية "حوالي 15%، مقارنة بأوروبا 59%، وآسيا 51%، هو عدم توافر معلومات تجارية دقيقة عن الأسواق الإفريقية، ولمواجهة هذا التحدي قرر البنك عقد المعرض التجاري الإفريقي كل عامين لتوفير المعلومات التجارية والسوقية وجمع المستثمرين والبائعين من جميع أنحاء القارة في مكان واحد، وقد وضع البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد إستراتيجية لتعزيز التجارة الإفريقية تتكون من ثلاثة محاور رئيسية (الإنشاء، الاتصال، التسليم). وتهدف الإستراتيجية إلى توفير تمويل تجاري بقيمة 90 مليار دولار أمريكي للشركات الإفريقية على أساس دوري بحلول عام 2021، حيث من المتوقع أن يتم صرف 25 مليار دولار من هذا المبلغ لدعم التجارة بين البلدان الإفريقية، كما من المقرر أن تساهم هذه المعارض التجارية في تحقيق هدف البنك بزيادة حجم التجارة الإفريقية من 170 مليار دولار عام 2014 إلى 250 مليار دولار عام2021، وبالتالي يضمن أن يرقى بإجمالي نسبة التجارة بين البلدان الإفريقية إلى 22%. وتتمثل رؤية البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد في أن يصبح بنكًا للتمويل التجاري في إفريقيا؛ حيث تتمحور مهمته حول تحفيز التوسع وتنمية التجارة الإفريقية، في الوقت الذي يعمل فيه بصفته مؤسسة مالية من الدرجة الأولى. وفي إطار التعاون المصري - الإفريقي في المجال العسكري نظمت مصر تدريبًا مشتركًا في مجال مكافحة الإرهاب مع عناصر من دول تجمع الساحل والصحراء، والذي نفذ لأول مرة بجمهورية مصر العربية، واستمر أربعة أيام بقاعدة محمد نجيب، ليؤكد حرص القيادة السياسية والقيادة العامة للقوات المسلحة على دعم العلاقات العسكرية مع الدول الإفريقية الشقيقة، حيث شارك في التدريبات عناصر من القوات الخاصة لكل من مصر والسودان ونيجيريا وبوركينافاسو، ضمن المجموعة الأولى للتدريب على أسلوب التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة، وتحرير الرهائن، والتدريب على سرعة رد الفعل تجاه المواقف التكتيكية الطارئة؛ طبقًا لتغير الظروف على الأرض، كما يهدف التدريب إلي تحقيق التجانس بين القوات الخاصة الإفريقية، والعمل كفريق واحد مع القوات المصرية. ومما لاشك فيه، أن القوات المصرية لديها الخبرات الكافية في مجال مكافحة الإرهاب، والذي بدأت فيه منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكانت شاهدة على كافة التغيرات والتطورات التي شهدتها الجماعات الإرهابية بكافة أجيالها، وحتى الوصول إلى تنظيم القاعدة وتنظيم "داعش". كما أن العملية الشاملة في سيناء كانت شاهدة على نجاح قوات مكافحة الإرهاب في القضاء على العديد من الجماعات الإرهابية. وعلي جانب آخر، حذر تقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا بالأمم المتحدة من ارتفاع الديون الحكومية في إفريقيا، والتي وصلت إلى 60% من الدخل القومي للقارة، ومن المقرر ألا تتعدى نسبة ال40%. وبالتالي يجب طرح بعض الحلول مثل اتباع سياسة مالية ونقدية سليمة تربط بين الاقتراض والاستثمار، ورفع كفاءة العاملين بإدارات الديون بوزارات المالية بالدول الإفريقية، كما يجب إنشاء قاعدة بيانات واضحة وسليمة في دول القارة، كما تستطيع دول القارة الإفريقية من خلال مشاركتها في هذه المؤتمرات والمعارض من تحفيز الاستثمارات، وتشجيع التجارة البينية بين الدول، وإقامة مشروعات تقوم على استغلال ثرواتها من المواد الخام لتحقيق تنمية مستدامة تساعدها على مواجهة التحديات والمخاطر. كاتب المقال: خبير الأمن القومي والشئون الإفريقية