يعد العمل الحر هو الأفضل بالتأكيد والمستقبل للشباب، وبالرغم من ذلك إلا أنه مازال هناك بعض الشباب الذين ينتظرون الوظيفة الميري تحت وهم "الأمان والاستقرار"، رافضين العمل في أي مهنة تخالف الشهادة الحاصل عليها، مما دعا الدولة للتفكير في الخروج من هذا المأزق عن طريق تشجيع الشباب على الاتجاه نحو ريادة الأعمال. الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة قال خلال اجتماع ل لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة بمجلس النواب قبل أيام : إن الدولة تسعى لتغيير ثقافة الشاب المصري من انتظار الوظيفة إلى الانتقال إلى الاعتماد على ذاته، قائلًا: "أنا اشتغلت في مطعم الجامعة وأنا بدرس.. الشغل مش عيب، ولا مانع أن يعمل الشباب في فرصة عمل بعد تدريبه واكتساب الخبرات اللازمة". هناك 800 ألف خريج سنويًا من بين 3 ملايين طالب، وهناك خطوات لتسهيل إقامة المشروعات لمن يريد الانطلاق مع الذات مواجهة الخوف لدى البعض من الشباب بسبب الحصول على القروض، هذا ما أكده وزير الشباب والرياضة، مضيفًا أنه لابد من تدعيم فكرة تنمية القدرات لجميع الشباب من خلال تكثيف التعامل مع الجهات المانحة للشاب أن يصنع سيرة ذاتية لنفسه تؤهله لسوق العمل. أجرت "بوابة الأهرام" حوارًا مع عدد من الشباب الخريجين والطلاب للتعرف على آرائهم حول الاختيار بين الوظيفة الحكومية والعمل الخاص أو الحر، ولمعرفة أسباب عزوف البعض عن العمل الحر وانتظار الوظيفة الحكومية، وتبين أن البعض مؤمن بأن العمل الحكومي هو المستقبل والأمان، والبعض الآخر يرى أنه لا بد من الاعتماد على النفس وعدم انتظار العمل بالشهادة الحاصل عليها. في البداية، تبين أن الوظيفة الحكومية لا تتمتع بالقبول لدى عدد كبير من الشباب المصري، وذلك لتراجع العائد الاقتصادي منها مقارنة بالعائد من العمل الحر، ولعدم توفير الوظائف الحكومية في الوقت الحالي، فاتجه البعض لإقامة المشاريع أو العمل في المطاعم مهما كانت الشهادة حتى لا يظل عاطلًا لافائدة له في المجتمع. العمل الحر هو المستقبل وفي أحد شوارع مدينة 6 أكتوبر يقف "محمد ش" "30 عامًا" بعربته الصغيرة لبيع المشروبات الساخنة مثل القهوة والنسكافية وغيرها من المشروبات المفضلة لدى المصريين بجميع طبقاتهم، خلال سنتين من افتتاح المشروع نجح "محمد" في أن يكتسب شعبية وعددًا كبيرًا من الزبائن، من شباب وكبار يصطفون بسيارتهم للحصول على مشروبهم المفضل بأسعار مناسبة وبمذاق مختلف عن غيره. الشاب الثلاثيني لم يقف مكتوف الأيدي بعد تخرجه في كلية السياحة والفنادق، لم يتمكن في بداية حياته من الحصول على فرصة عمل، توفر له دخلا مناسبا، لذا فكر في عمل مشروع صغير يكتسب منه قوته ويعينه على مشاق الحياة، ويرى "محمد السيد"، أن العمل الحر والاعتماد على النفس دون انتظار العمل الحكومي أو الخاص هو المستقبل، وهو الفرصة لدخول الشباب لسوق العمل، لبذل أقصى ما لديهم لكي يصبحوا مواطنين مفيدين لأنفسهم ومجتمعهم. ثقافة العيب "ثقافة العيب" بهذه الجملة لخص محمد رشدي"22 عامًا" طالب بكلية شريعة وقانون، أسباب عزوف الشباب عن الأعمال الحرة وانتظار الوظيفة الحكومية "الميري"، فيقول: إن المجتمع ينظر للشباب العاملين في الأعمال البسيطة كسائق أو عامل أو أي مهنة حرة باستخفاف كبير مهما كانت شهادة هذا الشاب، مؤكدًا أن تفكير معظم الشباب أن العمل الحكومي هو الأمان والاستقرار لحياته. أحلام كبيرة تجول بخاطر هذا الشاب العشريني، الذي يسعى لأن يكون نموذجًا للعديد من الشباب الذين فضلوا استغلال قدراتهم الخاصة في سوق العمل الحر؛ حيث تختلف رؤيته عن رؤية معظم الشباب في سنه، يعمل "إسلام كمال" في مطعم الجامعة بجانب دراسته لتوفير مصاريف الجامعة، وللاعتماد على النفس في كسب الرزق، قائلًا: "الشغل مش عيب.. البطالة هي اللي عيب، وكان لازم أشيل مصاريفي من على أهلي واعتمد على نفسي، نظرتي لنفسي وأحلامي أهم بكتير من نظرة الناس المغيبة". الاعتماد على النفس ولم يختلف معه كريم محمد "21 عامًا" طالب بكلية الآداب، حيث إنه بالرغم من أنه ما زال طالبًا إلا أنه قرر الاعتماد على نفسه وكسب رزقه منذ الصغر، لذا قرر العمل مهما كانت طبيعة العمل، وعندما التحق بالكلية قام بالاتجاه إلى العمل في أحد مطاعم الجامعة بجانب دراسته، فيقول: "مينفعش أقعد من غير شغل ومش شرط اشتغل في الحكومة، لازم أبدأ بنفسي وصاحب المطعم قدوة ليا، بدأ صنايعي ودلوقتي بقه صاحب المطعم في الجامعة، بالرغم من أنه خريج كلية كبيرة. "حلم اتحقق" على جانب آخر لم ينتظر "خالد علي "32 عامًا" لحظة تخرجه في كلية الحقوق حتى يبدأ العمل، بل إنه بدأ مشوار العمل وهو يدرس، اتجه إلى مطعم الجامعة بعد التحاقه بها، وبدأ العمل "صنايعي" في المطعم، حتى يكسب قوته بنفسه، وبدأ في أن يطور بنفسه بجانب دراسته حتى أصبح صاحب ثلاثة مطاعم في الجامعة، فيقول: "بدأت صنايعي وأنا عندي 19 سنة وبعد كده بقيت شريك في مطعم، حتى أصبحت صاحب المطاعم، كنت عايز أحسن من داخلي وأكون مستقبلي والعمل الحر أحسن بكتير من شغل الحكومة". يقف هذا الشاب الثلاثيني اليوم بين عماله فخور بما قام به، فبعد أن كان عاملًا أصبح صاحب المكان وتغيرت حياته في 13 عامًا من الكفاح، ولم يندم يومًا على اختياره للعمل الحر، بل إنه تأكد أن ما سار عليه هو الأصح لما وصل إليه، ونصح الشباب بالاعتماد على النفس وعدم انتظام العمل أن يأتي إليهم من الدولة. التفكير خارج الصندوق فيما قال شريف عبد الهادي خريج كلية حاسبات ومعلومات "سائق"، إنه بعد التخرج بحث كثيرًا عن العمل ولكن دون فائدة، لذا قرر التفكير خارج الصندوق وقام بتعليق الشهادة على الجدار وقرر شراء سيارة تاكسي للعمل عليها بدلا من البطالة، فيقول "صح أن الشباب مينفعش يقعدوا من غير شغل ولكن لازم الدولة توفرهم الأعمال الحرة وتمول لهم المشروع، الشباب محتاج تشجيع والدولة تقف جنبه، علشان تتغير فكرة أنه لازم يستنى الشغل في الحكومة". وعلى جانب آخر يحلم الكثير من الشباب الخريجين فور انتهائهم من دراستهم بالحصول على فرصة الوظيفة الحكومية بالشهادة التي حصلوا عليها بعد سنوات من التعليم حتى تضمن لهم مستقبلهم على حد تعبيرهم؛ حيث يعتبر العمل الحكومي حلم كل شاب بعد التخرج، ويرى أن العمل في أي مكان خارج الحكومة هو عمل غير مستقر لا يساعده على بناء حياته. الوظيفة الحكومية أمان فضل محمود طلعت "26 عامًا" الحاصل على بكالوريوس تجارة، الوظيفة الحكومية عن القطاع الخاص أو العمل الحر، مؤكدا أن العمل الحكومي يضمن له الكثير من الكثير من المميزات التي يأتي على رأسها الأمان والاطمئنان على مستقبله وحياته، وأن هذا العمل سوف يوفر له معاشًا محددًا في نهاية الخدمة، ويرى أن العمل الحر غير مستقر وأن معظم الشباب لا يوجد لديها التمويل الكافي لفتح أي مشروع، مؤكدًا أنه ظل عامين دون عمل لأنه يرفض أن يعمل في أي مكان غير حكومي وليس بالشهادة. "الموظف الخاص على كف عفريت" فيما يقول محمد محروس "32 عامًا" محامي، إن القانون يضمن للفرد حقوقه وليس لأحد أن يتحكم في الموظف غير الدولة، مؤكدًا أن ذلك عكس ما يحدث في وظائف القطاع الخاص التي تستغنى عن موظفيها بمنتهى السهولة، معقبا: "الموظف الخاص على كف عفريت". ويرى أن الوظيفة الحكومية باختلاف ألوانها تعطي الفرد مكانة اجتماعية في المجتمع، نظرًا لأن المجتمع يقدس العمل الحكومي ويقلل من شأن العاملين في أي مكان غير حكومي، وبعض الأهالي يرفضون أي عريس لابنتهم إلا إذا كان في وظيفة حكومية على أساس أنها الأمان لحياة ابنتهم، مشيرًا إلى أن الوظيفة الحكومية تتيح له الفرصة أن يكون على قائمة التأمين الصحي بالإضافة إلى التثبيت وضمان الوظيفة وساعات العمل محددة. "بتعلموني ليه" وعلى جانب آخر، يرفض زياد محمد "30 عامًا" خريج هندسة وعاطل، العمل في أي مكان غير المكان الحكومي، قائلًا: "أنا خريج هندسة تعبت 5 سنين اتعلمت وكافحت وتفوقت وأهلي صرفوا عليا كتير، من حقي أتخرج ألاقي الشغل المناسب لشهادتي، مش أشوف شغل مش متفق مع شهادتي وخبرتي، مش أتعلم 17 سنة وفي الآخر مشتغلش بشهادتي، يبقه كده بتعلموني ليه". ويؤكد "زياد" أنه منذ أن تخرج في كلية الهندسة وهو يبحث عن العمل ولكن دون فائدة حتى أصبح عاطلًا، معقبًا: "طالما مافيش شغل حكومة مناسب، الدولة تمولي مشروعًا مناسبًا أشتغل فيه يستغله خبرتي إلي اتعلمتها في الكلية لمدة 5 سنوات، بكده مش هرفض أشتغل هبقي ضامن أن الدولة وقفت جنبي وساعدتني". دور الدولة لم يتوقف الأمر على الشباب فقط بل إن هناك دورا كبيرا من الدولة لتشجيع الشباب على الاتجاه إلى العمل الحر، وذلك عن طريق توفير الضمانات والمعايير اللازمة لتشجيع الشباب على الاتجاه بالعمل في المشروعات المختلفة والاستغناء عن العمل الحكومي. ويحتاج تشجيع الشباب على العمل الحر إلى تضافر جهود جميع وزارات الدولة ووضع رؤية واضحة بالتواصل مع جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتشجيع الشباب ومضاعفة المشروعات في الدولة، هذا ما قاله محمد كمال رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمجلس النواب، مضيفا أن هناك تواصلًا بين الجهاز مع جميع الوزارات واللجنة بحيث إن تكون هناك ندوات ثقافية تصل للشباب وتغير أفكاره من البحث عن وظيفة تقليدية إلى أن يكون رائد أعمال. دعم الدولة للشباب ويضيف أن جميع الجهات المسئولة تعمل حاليا على تشجيع الشباب على العمل الحر، موضحا أن عدة أطروحات تسير عليها الدولة، منها قيام الميديا الإعلامية بعرض المشروعات التي قام بها الجهاز مع الشباب وأصبحت مشروعات ناجحة وأصبح الشباب اليوم رجال أعمال، كما أن هناك تعاونًا بين وزارة الشباب والرياضة والجهاز حتى تقوم مراكز الشباب بعمل ندوات بحضور أساتذة الجامعات والدكاترة وعمل دورات تثقفية لإعداد الشباب وتطوير أفكاره. ويتم طرق أبواب الجامعات المصرية للتواصل مع الشباب الجامعي بحيث يكون في ندوات لخريجي الجامعات، والاستماع لأفكارهم وتنفيذ الأفكار الصحيحة في كافة المحافظات، وتتم زيارة المشروعات الناجحة لطرح المشروعات في الإعلام وتوصيل أفكار مختلفة للشباب وتوصيل فكرة ريادة الأعمال، عن طريق عمل لجان استماع لكل محافظة مع الجهاز ونواب البرلمان والمحافظ لرؤية الفرص الاستثمارية في كل محافظة لاستغلالها، وذلك بحب ما أكده رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة بالبرلمان. تأهيل الشباب لسوق العمل ويتابع: أنه يتم تأهيل الشباب أيضا عن طريق عمل دورة تدريبية وإعطائه مقومات النجاح واستخراج الرخص المطلوبة لعمل المشروع، منها مشروع العربات المتنقلة، الذي يتم مساعدة الشباب وتمويلهم من 40 ألف جنيه حتى مليون جنيه لمن يريد عمل عربية متنقلة، كما أن هناك بروتوكول تعاون مع وزارة الشباب والرياضة وجهاز التنمية بعمل مسابقة في جميع مراكز الشباب في جميع المحافظات، ويتم الحصول على 3 مشروعات كم كل محافظة في النهاية وتمويله بنحو 100 ألف جنيه من جانب جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ويؤكد "رئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة"، في تصريحات ل "بوابة الأهرام"، أن تم الحصول على 2400 فكرة حتى الآن على مستوى مصر ويتم تصفيتهم على 81 مشروعًا، لافتًا إلي أن هذه المسابقة سوف تنتهي يوم 15 ديسمبر المقبل، وبذلك ستكون هناك رؤية واضحة لأول انطلاق لأفكار الشباب من جانب البرلمان وجهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة. تغير ثقافة شعب بالكامل نحن بحاجة كبيرة لتغيير ثقافة الشعب بالكامل وتغيير نظرتهم للعمل الحر، وذلك لن يتم إلا من خلال تغير طريقة التعليم، حتى يتخرج الطالب من الجامعة لديه ثقافة تسمى بثقافة "البيزنس"، ويكون لديه طموح وثقة لإثبات ذاته وبدأ حياته المهنية بنفسه، وعدم انتظار العمل الحكومي، هذا ما أكده الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، مضيفا أنه لابد من تغيير إستراتيجية التعليم والإعلام وعمل برامج إعلامية تنشر الأعمال الجديدة وتقدم أفكارًا صحيحة للعمل تجعل الشباب يغيرون تفكيرهم. تغيير إستراتيجية التعليم ويتابع: أن التعليم الآن لا يعمل على تهيئة الشباب للعمل الحر، بل جعل الشباب لا يفكرون وينتظرون الوظيفة الحكومية والعمل في المكتب والحصول على مرتب يشكو منه، وهذه تعتبر كارثة في الوقت الحالي، فالدولة في حاجة شديدة إلى تغيير الشباب ولأفكار إبداعية يعملون عليها لتطوير الدولة ومساندتها في فترة الإصلاح الاقتصادي، منوهًا أنه لابد من توعية الشباب بضرورة العمل، حتى إذا كان عمل ليست له علاقة بالشهادة الحاصل عليها، حتى يعرف الشباب كيفية الاعتماد على النفس وعدم الاعتماد على الحكومة باعتبارها الأب والأم لهم، الذي عليه أن يوفر كل شيء. العمل الحر للشباب.. "نماذج مشرفة لجيل يرفض تراب الميري.. ومتخاذلون يستسلمون للبطالة"