"الممثل سلعة لابد أن تعلن عن نفسها طيلة عمره".. عبارة ربما لا تستوقف الكثيرين للتأمل في معناها الخفي الذي إن دل على شيء سيكون على محاولات الجد والاجتهاد التي يرفعها قلائل من البشر ممن يحملون الموهبة الحقيقية بداخلهم بل إنها تفصح بالأدق عن هؤلاء الذين يحبون الفن ويعملون لأجله دون انتظار لفرصة الشهرة والنجومية. السطور السابقة تلخص رحلة الفنان شريف دسوقي، الذي حصد مؤخرًا جائزة أفضل ممثل بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأربعين عن دور "مصطفى"، الذي قدمه بفيلم "ليل خارجي"، الذي شارك في المسابقة الدولية متنافسًا مع 15 فيلمًا آخر، الدور الذي لفت من خلاله الفنان الانتباه ونال تقدير وإعجاب الحضور مما أهله لاستحقاق الجائزة بجدارة ودون خلاف في الرأي كعادة ما تثيره هذه الجائزة في كل عام لأي فنان يحصل عليها. في حواره مع "بوابة الأهرام" أعرب شريف دسوقي في البداية عن سعادته لحصده جائزة أفضل ممثل لكنه أكد بالأساس أن جائزته الحقيقية تسلمها يوم عرض الفيلم جماهيريًا ضمن فعاليات مهرجان القاهرة عندما نال الاحتفاء والتصفيق الكبير من الحضور سواء من قبل الفنانين والنقاد أو الجمهور العادي، لتكتمل فرحة الفنان السكندري بعدها بمنح الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين له عضوية نقابة المهن التمثيلية. في البداية تحدث دسوقي عن ترشيحه للدور، والتي تحمل مراقبة دقيقة من مخرجه أحمد عبدالله، الذي تابع رحلته منذ فترة طويلة، وفي هذا الصدد يقول الفنان: عندما كان يصور المخرج أحمد عبدالله فيلمه "ميكروفون"، كنت حينها أصور فيلم "حاوي" مع المخرج إبراهيم البطوط، والذي حصدنا من خلاله العديد من الجوائز ومنذ ذلك الوقت ويتابعني عبدالله في عدد من مشروعات الأفلام القصيرة والتسجيلية التي شاركت بها خلال العشر سنوات الماضية، وكان آخرها فيلم "حار جاف صيفًا" مع المخرج شريف البنداري فبعد أن شاهدني في هذا العمل قال لي "إحنا هنتقابل قريب" وبالفعل تقابلنا في مارس 2017 وبدأنا مشروعنا "ليل خارجي". شريف دسوقي، الذي تعود خلفيته إلى المسرح تعامل مع دوره بفيلم "ليل خارجي" من هذا المنطلق الذي يقوم على فكرة الارتجال، وهنا يقول الفنان: أحمد عبدالله يعرف أصولي وخلفيتي المسرحية جيدًا وبناءً عليه تعامل معي من هذا المنطلق بمعنى أدق ترك لي مساحة التعامل مع شخصية "مصطفى" بأريحية شديدة، وغم أننا صورنا الفيلم بنسخة السيناريو ال 11، إلا أن عددا كبيرا من المشاهد كان مبنيًا على فكرة الارتجال بناءً على القراءة الأولى للمشهد. هنا قطعت "بوابة الأهرام" حديث الفنان وسألته عن فكرة تفاعله مع المشروع باعتباره عمل روائي طويل يختلف عن طبيعة مثيلتها القصيرة والتسجيلية، فأجاب: التدريب المستمر هو الذي يجعلنا نتفاعل نفسيا وذهنيا لفكرة الانتقال من العمل على مشروع روائي قصير أو طويل، بالإضافة إلى المذاكرة والتركيز، هذا بخلاف المساحة المعلنة التي تمنح التهيؤ على مختلف الأبعاد الاجتماعية والنفسية والشكلية للشخصية ومراقبتي لحالة الشارع ورصد الحركة فيه فهذا ضروري ومهم لأي فنان. والحقيقة أن فيلم "ليل خارجي" أيضًا لا يعد العمل الروائي الطويل لي فقد سبق وقدمت تجربة مع المخرجة الراحلة أسماء البكري بعنوان "العنف والسخرية" عام 2002 ثم فيلم "حاوي" في 2010 مع المخرج إبراهيم البطوط. "التصوير كان به مشقة ومجهود" هكذا يؤكد شريف دسوقي "مصطفى"، كما هو بالأحداث، مشيرًا إلى أن أغلب أحداث "ليل خارجي" تم تصويرها في الشارع ووسط الناس مما كان يخلق نوعًا أكبر من التحدي، ويقول: برغم هذا الإرهاق فأنه خلق قدرًا من المتعة لي فطوال مشواري كنت أتمنى أن أعمل مع مخرج مثل أحمد عبدالله وإبراهيم البطوط، وسواء اشتهرت أم لا فأنا محظوظ أني عملت مع اثنين مخرجين لديهم هذه البصيرة التي تتعلق بفكرة التفاعل الحي مع الأماكن بواقعها. ألم يراود شريف دسوقي فرصة تحقيق الحلم بالوصول للنجومية والشهرة؟، تساؤل ربما لدى صاحبه إجابة غير تقليدية حيث إنه يرفع شعار "الممثل سلعة لابد أن تعلن عن نفسها" وهنا يتحدث قائلًا: طوال سنوات العمل كنت أتناسى فكرة الفرصة هتيجي ولا لا، وكنت أقوم بالتدريب باستمرار داخل وخارج مصر لأني أعمل على نفسي وأنا أيضًا نموذج لأي شخص يحضر وأقوم بتدريبه، وعندما أقدم على تقديم دورًا ما لا أنتظر شيئًا والحقيقة أنني لدي رأي في هذه المسألة تتعلق بأن الفنان سلعة لابد أن تعلن عن نفسها طوال عمره، فلا يجوز أن يظل الفنان ينتظر الفرصة لمجرد نجاحه في دورًا ما، والحقيقة أنني أعرف زملاء كثر تَركوا المهنة لمجرد أن الفرصة لم تأتيهم، وهذا يخلق قدر كبير من الاكتئاب لدى الفرد الذي يبدأ في لوم الجميع من حوله على ضياع الحلم وهذه قضية لابد من تسليط الضوء عليها لأن هذا يجعل الفنان يضعف ويختفي مبكرًا. في أحداث فيلم "ليل خارجي" لا يتفق الجميع على رؤية واحدة، فالعلاقة بين سائق تاكسي وفتاة ليل ومخرج سينمائي تحمل كثير من التأويل لدى كل مشاهد وآخر وهو ما يعلق عليه دسوقي قائلًا: أعظم ما في الفن أن لا نقصد به رسالة معينة ولا نتفق على فكرة معينة يتم إيصالها للناس فهذا هو جمال الفن الذي تربينا عليه، والحقيقة أن المخرج أحمد عبدالله لديه وعي في أن يتوحد المشاهد مع شرائح مختلفة من الشعب المصري فإذا نظرنا لأبطال الفيلم سنجدهم شخصيات رئيسية بالمجتمع المصري فمثلًا شخصية "مصطفى" التي أقوم بتجسيدها بالأحداث أصبح لدينا الكثيرين منه بعد الثورة تحديدًا، هذا النموذج المتكاسل الذي يخرج منذ الصباح وينتظر أي شخص يخرج منه مصلحة. هل منحك الفيلم فرصة لإشباع طاقتك التمثيلية وتحقيق الشهرة؟، يجيب دسوقي بتأكيده على الأمرين منوهًا أن عمله في "ليل خارجي" ربما يكون بمثابة علاج نفسي حيث إن الفرص الحقيقية لتقديم الموهبة تكاد تكون "موجودة ومش موجودة" بحسب وصفه، ويضيف: أنا من الأشخاص الذين يرفضون الانتظار في قوائم "الكاستنج" انتظارًا للحصول على دورًا ما وينتهي الأمر بأني أدخل أقرى ورقة بعد معاملة سيئة على مدار اليوم من القائمين على المشروع لمجرد الحصول على فرصة ففي مثل هذا الأمور أكون في أسوأ حالاتي. يؤكد دسوقي في نهاية حديثه، أن أجمل ما لمسه في علاقته بمخرج الفيلم أحمد عبدالله هي العلاقة الإنسانية الخاصة التي قدمها لجميع فريق العمل، منوهًا أنه على مدار 8 شهور هي مدة رحلة تصوير الفيلم لم يشعر أحد بأي توتر تجاه مشهد صعب أو ما شابه لذلك عندما كان يدخل التاكسي ويبدأ تصوير دوره منطلقًا بروحه وأدائه الخاص ما يصفه بالعبقرية من المخرج الذي يترك المجال مفتوحًا للإبداع لكل من حوله حتى يتركوا بصماتهم بأدوارهم.