عكست نماذج الامتحانات الاسترشادية التي أتاحتها وزارة التربية والتعليم على موقعها الرسمي، أمام طلاب ومعلمي الصف الأول الثانوي العام، بوادر نجاح نظام الثانوية التراكمية، بعدما نفذت الوزارة تعهداتها التي طالما شكك فيها البعض، وتعاملوا معها باعتبارها من ضروب الخيال. المتابع لطريقة الامتحانات الاسترشادية، يكتشف أن مختلف الأسئلة لأكثر المواد الدراسية، لم تتطرق إلى جزئية واحدة تعتمد إجابتها على استرجاع المعلومات، أو يمكن حلها عن طريق الحفظ والتلقين، وهو ما سبق وتعهد الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، على إلغائه. وتتلخص أبجديات التطوير في الثانوية التراكمية، في تغيير طريقة الامتحانات نفسها، بحيث تخاطب الطالب الذي يركز على الفهم والتحليل والتعمق في الدروس، وليس الطالب الذي يتمسك بالحفظ والتلقين، وهي الطريقة العقيمة التي تسببت، وما تزال، تخرج طلابا لا يدركون أدنى أساسيات التعلم. مشكلة بعض أولياء الأمور وفئة من الأكاديميين، أنهم يتمسكون بأن "التطوير في الثانوية يتلخص في التابلت"، وما دام التابلت لم يوزّع على الطلاب حتى اللحظة، إذن تجربة التطوير فشلت، وهي معضلة حقيقة، ربما أخفقت الوزارة نفسها في مواجهتها أو تغييرها، لأن أصحاب هذه الأصوات تبدو نظرتهم قاصرة على شيء محدد، لا يقبلون تغييره، أو الاقتناع بغيره. رغم المحاولات المستميتة من جانب مسئولي وزارة التعليم، وعلى رأسهم طارق شوقي، لإقناع الناس بأن التغيير في نظام الثانوية يرتبط بطريقة الامتحانات بشكل أكبر وأعمق، لكن هناك فئة ما زالت تتمسك بأنها "ثانوية التابلت"، أو "ثانوية الدروس الخصوصية"، والكثير من الأمثلة التي تبدو سطحية أكثر منها واقعية. باختصار، الوزارة تريد أسئلة امتحانات تخاطب الشخص الفاهم، وليس الحافظ، ولكن، هل تكون الإجابة عليها بالتابلت فقط؟.. قطعا لا.. لأن التابلت مجرد وسيلة للإجابة، مثل الورقة والقلم، وبالتالي، فإن توزيع التابلت على الطلاب، أو حتى تأخره لعدة أشهر، لن يكون معضلة، فالأساس أن يجيب الطالب على الأسئلة بطريقة بعيدة عن استرجاع المعلومات فقط. ويبقى السئوال: ما دلائل نجاح وزارة التعليم - حتى الآن- في الثانوية التراكمية؟. الإجابة هنا تأتي على لسان الطرف الأهم، والأكثر ثقة، وهو المعلم نفسه، إذ يجيب بعضهم على التساؤل بشكل علمي، وبناء عن خبرة وموضوعية وتخصص. يقول عبده مصطفى، وهو معلم جغرافيا: لأول مرة، تعيد طريقة الامتحانات بالجغرافيا لتكون مادة للفهم وليس الحفظ، وهذه خطوة ممتازة فعلا، لأننا كنا نعاني حتى يفهم الطالب وولي الأمر بأنه "لا تعليم بالحفظ.. الجغرافيا كعلم هدفها دراسة الواقع على الأرض لبناء المستقبل وليس كمًا معلوماتيًا يحفظ قل أو كثر". ويبرهن على كلامه بالقول "طريقة الامتحانات أعادت دور الخريطة بمعناها الحقيقي كأداة أساسية لدراسة الجغرافيا، وليس مجرد حفظ بيانات الخريطة.. وجدت أن طريقة الأسئلة تعمل على استنتاج العلاقات بين مكونات الخريطة مثل العلاقة بين الموقع الفلكي والموقع الجغرافي والتركيز علي عمليتي التحليل والتركيب باعتبارهم من العمليات العقلية العليا التي كانت مهملة تمامًا". فيما يرتبط باللغة الإنجليزية، قال رضا عمر، وهو معلم أول يدرس المادة "أكثر ما أثار انتباهي في طريقة الأسئلة، أنها تقيس مستويات الفهم عند الطالب، وابتعدت عن الطريقة العقيمة التي كانت تخاطب الطالب الذي يتعامل مع اللغة الإنجليزية كمادة حفظ واسترجاع مصطلحات وقواعد لغوية.. كان هذا سببا رئيسيا في جهل أكثر الطلاب بأبجديات اللغة الثانية، لكن المتابع لطريقة الأسئلة، خاصة القطعة والباراجراف يكتشف حجم التغيير الجذري". إلى اللغة العربية، قال نبيل كامل، وهو معلم للمادة بإحدى مدارس محافظة البحيرة "منذ الإعلان عن آلية التغيير في نظام امتحانات الثانوية العامة، كنت دائما أتساءل عن كيفية امتحان الطلاب بأسئلة تعتمد على الفهم والتحليل، لاسيما في مادة معقدة نسبيا مثل اللغة العربية، وتفاجأت حقا بحجم التغيير.. نعم نجحت الوزارة إلى حد بعيد في قتل ثقافة الحفظ، وربطت المنهج ببعضه، بشكل يثير الإعجاب والفضول". ربما آراء المعلمين الثلاثة، تبدو عند معارضي نظام الثانوية الجديد، قليلة للحكم على نجاح التجربة، لكن الميزة، أن الرأي والتحليل والتفسير، جاء من معلم متخصص في المادة، وليس أحد أولياء الأمور، ولا خبير تربوي، وهو ما يعزز مصداقية الرأي، بدلا من الصراخ بدون فهم أو وعي. ما يزيد على ذلك، أن "بوابة الأهرام"، تواصلت مع ثلاث طالبات في الصف الأول الثانوي، اضطلعن على طريقة الأسئلة، فكانت إجاباتهن مقتصرة على أن الامتحان لن يجيب عليه سوى الطالب الذي استوعب المنهج كاملا، وربطه مع بعضه، وفهم بشكل موضوعي، أما الطالب الذي تمسك بالحفظ، فلن يجيب إلا على نقاط وجزئيات قليلة للغاية. وقالت إيناس محمد، وهي واحدة من هؤلاء الطالبات "الميزة الأكثر أهمية، أن الطالب قد لا يكون بحاجة إلى دروس خصوصية في أكثر المواد، ويكفيه تغيير طريقة المذاكرة.. نعم يكفي أن يفهم المحتوى ويركز فيما يقرأ.. عن نفسي لا أخشى الامتحان لأنه ليس بالطريقة المرعبة التي سمعت عنها". التحفظ الوحيد الذي أبداه الطالبات الثلاث، أن الامتحان بطريقة الفهم، يحتاج إلى وقت أطول للإجابة عليه، مع أنه سهل، ويخاطب التحليل والفهم، لكن الأمر بحاجة إلى مزيد من التعمق، وهي الإشكالية التي تدخل وزير التربية والتعليم في حلها، بتوجيه قطاع التعليم العام بزيادة الوقت المخصص للإجابة على الامتحانات. تظل أزمة المعارضين، أو الرافضين بمعنى أدق، لنظام الثانوية التراكمية، أنهم لم يمنحوا أنفسهم عناء الانتظار للحكم على التطوير، بتغيير طريقة الامتحانات وركزوا الإخفاق على التابلت، كما أنهم لم يرهقوا أنفسهم عناء التحدث مع معلمين وطلاب باعتبارهم أساس الحكم على التجربة، ليحكموا بشكل واقعي وعملي، حتى يتحدثوا عن فهم وخبرة وإنصاف ويقيموا خطوات التطوير بوعي بعيدا عن السطحية.