ظل صامدا على مدى أعوامه التسعين، في وجه "التكنولوجيا" التي غيرت "أيقونات" العمل في الإسكندرية، معلنا رفضه تجرع مرارة الانقراض التي ذاقتها مهن أخرى، فمن بين عشرات المحال التجارية في حي اللبان التاريخي بالإسكندرية، والتي غيرت أنشطتها التجارية على مدى السنوات الماضية، من مهن قديمة عفا عليها الزمن إلى مهن أكثر رواجا بين الناس، أبى الرجل السبيعيني، إلا أن يستمر في مهنته التي ورثها عن جده وأبيه لإصلاح "وابور الجاز"، قابعا في محله الذي يتجاوز عمره التسعين عاما. على باب المحل القديم، جلس عم علي حسن، وشهرته "أبو تامر"، (69 عاما)، على كرسيه القديم، في انتظار "زبون" قد لا يأتي لأسابيع، ولم تجد زوجته أمام عناده وتمسكه بمهنته سوى أن تبيع الخضروات أمام المحل، لتتمكن معه من توفير نفقات الأسرة. عم علي حسن آخر صنايعية وابور الجاز "ماكينة لحام قديمة بدائية، ومنضدة خشبية، وعدد من بوابير الجاز المعلقة أو الملقاة هنا وهناك" شكلت ملامح المحل العتيق، الذي طلاه "هباب البوابير" باللون الأسود القاتم، بعد سنوات عمل طويلة التي لم ير فيها المحل التسعيني أي صيانة. "مواقد الغاز والغاز الطبيعي وقف حالنا".. بهذه الكلمات بدأ الرجل السبعيني حديثه ل"بوابة الأهرام"، مشيرا إلى أن "بابور الجاز" أصبح "موضة قديمة" ولم تعد منتشرة مثلما كان الحال قبل نحو 20 عاما، وخاصة مع الانتشار الواسع للغاز الطبيعي "الذي دخل أغلب بيوت الإسكندرانية". ويضيف: "كان زمان الناس اللي عندها أنبوبة غاز يحطوا عندهم بابور جاز احتياطي، لو الأنبوبة فضيت، ولكن دلوقتي خلاص الوضع اختلف والغاز موجود طول الوقت"، بحزن يروي الرجل السبعيني ما آلت إليه مهنته، متابعا، أن ارتفاع سعر لتر الجاز من 4 جنيهات إلى 26 جنيها، رغم كونه نوع ردئ يحتوى على كميات من الرصاص تخلف ورائها الكثير من العوادم السوداء عند الاستخدام، جعل السكندرييين يحجمون عن استخدام البابور. وأشار الرجل إلى أن نجلته رفضت أن يكون ضمن جهازها عند زواجها وابور جاز، وقررت تركه في منزل أبيها رغم إحضاره "وابور" لجهاز زواج ابنته من منذ فترة كبير، قائلة: "دي موضة قديمة يا بابا". عم علي حسن آخر صنايعية وابور الجاز ورث الرجل المهنة عن والده، وبدأ في اتقانها منذ نحو 55 عاما، مؤكدا "متعلمتش مهنة غيرها ومعرفش اشتغل إلا المهنة، دي رغم أن الناس دلوقتي مبقاش عندها وابور، إلا أن عددا قليلا جدا من كبار السن اللي بيحبوه وميقدروش يستغنوا عنه"، لافتا إلى أن أجرة صيانة الوابور الواحد قد لا تتجاوز ال20 جنيها فقط. ويتابع: "للأسف الوابور الموجود دلوقتي في الأسواق بيتصنع من خامات رديئة، رغم سعره المرتفع، ويستخدم في الأغلب كأنتيكة على الرف في المنزل"، موجها أخر نصائحه لمن يرى أن لديه كنز، في الحفاظ على البابور؛ لأنه أصبح نادرا ومطلوب جدا، لاستخدامه في المقاهي والمطاعم والمنازل كديكور بعد تنظيفه. وابور الجاز ويضيف عم علي: "الحمد لله ليس لي أي مطالب، وراضي جدا بحالي ورحلة عمري الطويلة، وأجد أني قد ربيت أبنائي بشكل جيد من خلال عملي"، موجها نصيحة ثانية للشباب على المقاهي، بضرورة البحث عن عمل يتمكنون من خلاله من الإنفاق على أنفسهم بعيدا عن والديهم". عم علي حسن آخر صنايعية وابور الجاز وابور الجاز عم علي حسن آخر صنايعية وابور الجاز عم علي حسن آخر صنايعية وابور الجاز