في كل عام نتذكر هجرة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، ونحاول الاستفادة من الدروس الكثيرة التي يتعلمها المؤمن من هذا الحدث التاريخي الفاصل. فقد كانت الهجرة حدثا فاصلا بين مرحلتين من مراحل الدعوة، وكانت بداية النصر من الله تعالى. وما أحوجنا اليوم إلى هجرة بل إلى "هجرات "عديدة لأعمال وأفعال تسىء لإسلامنا وأمتنا وأمننا وبلدنا. ونبدأ صفحة جديدة من الإيمان الحقيقى بعيدا عن دعاوى الفتنة التى تؤجج حياتنا , وبعيدا عن روح التواكل والسلبية، التى دمرت حياتنا جميعا. وأصبحنا على فوهة بركان يوشك على الانفجار بين عشية وضحاها. إن ما نتعرض له من غلاء وابتلاءات ونقم وأمراض غريبة مثل إنفلونزا الخنازير والطيور وإيدز وغيرها، هو بفعل أعمالنا وابتعادنا عن منهاج الله القويم. وعلاج ذلك يكون بهجرة المعاصى، والعودة إلى سنة نبينا الكريم. أهمية الهجرة في التاريخ الإسلامي، أنها لم تكن مجرد نجاة من عدو أو خروج من محنة، بل كانت فاتحة تاريخ جديد وابتداء وجود قوة مسلمة في الأرض. وصار التاريخ الهجري هو سمة هذه الأمة على مدار القرون، وكان ابتداء التاريخ الهجري، عندما رفع لعمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه، صك مؤرخ في شعبان، فقال شعبان هذه السنة أم الماضية أم الآتية، فجمع الصحابة الكرام، لوضع تاريخ يعرفون به الديون فاتفقوا على أن يؤرخوا لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وقد كان من الآراء أن يؤرخوا بتاريخ الفرس أو الروم أو بمولده أو بمبعثه أو بوفاته صلى الله عليه وسلم. وترد الهجرة الشريفة على كل ملحد يزعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، كان يريد الشهرة والمال والسلطان. فقد عُرضت عليه المناصب السياسية والاقتصادية في قومه، ورفضها وكان همّه الوحيد هو "الدعوة إلى الله". ويطرح الدكتور عبدالدائم الكحيل الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز سؤالاً على هؤلاء المشككين: إذا كان النبي الكريم يريد أن يصنع دينا لنفسه كما تزعمون.. فلماذا يتكبّد عناء الهجرة والهروب من مكة إلى المدينة ويخاطر بنفسه.. مع العلم أنه في أي لحظة كان من الممكن أن يدركه المشركون ويقتلوه؟! وربما نتذكر كيف قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه للنبي الكريم: يا رسول الله إنني لا أخاف على نفسي، ولكنى أخشى عليك أن يصيبك مكروه، فتهلك الأمة من بعدك! ولكن نبينا عليه الصلاة والسلام لم يقل لصاحبه "دبّر لنا حيلة للهروب"، ولم يقل له "فكر لنا فى خطة لنحتال على قريش"، بل قال له: (ما ظنّك باثنين الله ثالثهما )؟! إن هذه العبارة تكفي للرد على كل من يزعم أن النبي كاذب في دعوته. إن هذا القول يدل على قمّة الثقة بالله وأنه نبي صادق، لأن الصدق يظهر في المواقف الصعبة. فالموقف هنا لا يحتمل الكذب أو المراوغة أو الخداع. لقد حزن سيدنا أبو بكر على صاحبه رسول الله، وظهر الحزن على وجهه، والمستهدف يا أحبتي هو النبي، وهو الذي ينبغي أن يحزن في مثل هذا الموقف الصعب! ولكننا نجد دليلاً ثانيا يشهد على صدق هذا النبي الرحيم. النبي صلى الله عليه وسلم لم يحزن ولم يكتئب، ولم يفقد الأمل وييأس، على العكس كانت ثقته كبيرة جدا بالله تعالى. في مثل هذا الموقف، والنبي في الغار والمشركون على مسافة خطوات منه يتربصون به، وقد عزموا على قتله دون تراجع، ولا يمكن لأي إنسان "كاذب" أن يصمد في هذا الموقف طويلاً! ولكن النبي الكريم قال لصاحبه كلمة رائعة: (لَا تَحْزَنْ )!! يقول تعالى: ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).[التوبة: 40]. لنلجأ الآن إلى علم النفس ونكتشف ما يقوله علماء النفس حديثا. إنهم يؤكدون أن مظاهر الكذب والشخصية المزيفة والأفكار المصطنعة، تنهار في المواقف الصعبة. ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصنع "دينا" لنفسه ( كما يزعمون) ، لما احتاج أصلاً للهجرة وتعريض نفسه للخطر! قبل هجرة النبي الكريم (منذ أكثر من 1400 سنة)، كان عدد المسلمين لا يتجاوز المئات، واليوم (حسب أحدث إحصائية لعام 2009)، فقد بلغ عدد المسلمين ألفا وستمائة مليون مسلم (1.6 مليار مسلم). فتصوروا معي هذا العدد الكبير كله، بفضل صبر النبي الكريم وعدم يأسه وثقته بالله عز وجل. فهل تثق (أخي المؤمن) بالله تعالى، وتمارس دورك في الدعوة إلى الله تعالى، ولو لمرة واحدة!