جاء إعلان إحدى الشركات المنتجة التبغ عن عزمها زراعته في وادي النطرون قبل أيام ليفتح ملف التدخين في مصر في ضوء تزايد عدد المدخنين وفي المقابل ارتفاع عدد المصابين بالأمراض الناتجة عن التدخين، وربما ما يثير التساؤل أيضًا حول التوسع في زراعة التبغ أن هناك احتمالات أن تؤدي زراعته إلى خفض تكلفته، وبالتالي إتاحته بأسعار أقل سعرا، ولكن التساؤلات الأهم تدور حول اقتصاديات زراعة التبغ وهل زراعته قانونية أم لا؟!، وهل التوسع في زراعته يتسبب في زيادة أعداد المدخنين في ظل التحديات التي تواجه الدولة في علاج المرضى. وحسب تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن عدد المدخنين بلغ نحو 14 مليونا، وتحدث 170 ألف حالة وفاة سنويا بسبب التدخين ويبلغ حجم الإنفاق السنوي لعلاج الأمراض المترتبة عليه حوالي 4 مليارات جنيه. في هذا التحقيق تتساءل "بوابة الأهرام" عن زراعة التبغ في مصر وشركات الدخان التي أصبحت لا يعنيها سوي الربح من استقطاب آلاف المدخنين يوميا بل والملايين سنويا .. ما الهدف من الزراعة التي يمنعها القانون منذ 1966، وما العائد على الدولة وصحة المواطنين؟ وكيف يرى كل من البرلمان ووزارة الزراعة والأزهر زراعة التبغ؟ كل هذه التساؤلات تجيب عنها السطور التالية..
الشركة: نريد من زراعة التبغ في مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من منتج السجائر أطباء: التدخين ضار بالصحة والمحيطين للمدخن ويؤدي إلى الوفاة لجنة الصحة بالبرلمان: نؤيد زراعة التبغ في مصر مع زيادة حملات التوعية بأضرار التدخين وزارة الزراعة: زراعته تحتاج تعديل القانون وندرس الأمر أكاديميون: المحاصيل الإستراتيجية في خطر نقيب الفلاحين : زراعة مُدمّرة للشعوب وتحارب الأمن الغذائي و55 مليون فلاح يتصدون لها الأزهر: زراعة التبغ حرام شرعًا لماذا تطالب الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" بزراعة التبغ في مصر؟ تواصلت "بوابة الأهرام" مع الشركة للوقوف على الهدف من زراعة التبغ في مصر فقال أحد المسئولين، والذي رفض ذكر اسمه أن الزراعة توفر العملة الصعبة التي تستورد بها الشركة مادة التبغ من الخارج وتعاني بسببها مع البنوك حيث يتم إنفاق أكثر من مليار دولار سنويا على التبغ، الذي يستورد بالكامل من الخارج لصناعة السجائر، في الوقت الذي ترفض فيه وزارة الزراعة زراعة التبغ نظرًا لخطورته صحيًا على المواطنين. وأكد أن الشركة تقدمت بدراسات عن هذه الزراعة في مصر لكل من وزارة الزراعة والبرلمان والجهات المعنية وأن الدراسات قيد البحث والاضطلاع وفي الوقت ذاته يبحثون عن خبراء في زراعة التبغ وسيتم اختيار الأماكن المناسبة لزراعته بناء علي توجيهاتهم: "بقالنا 8 شهور بنطالب البرلمان بتعديل القانون لزراعة التبغ في مصر". وعن أضرار زراعة التبغ على التربة والمحاصيل الزراعية، قال إن النبتة نفسها تختلف زراعتها وتختلف معها الأضرار التي قد تسببها وهناك لجنة مُشكّلة من الشركة الشرقية للدخان ووزارة الزراعة والشركة القابضة لبحث هذه الأضرار. وحول تأثير الزراعة المحلية على صحة المصريين، خاصة أن توفير المنتج بدلا من استيراده قد يسهم في انخفاض سعر السلعة مما يزيد من نسبة المستهلكين أو المُدخنين وبالتالي تزداد الخطورة الصحية وتتضاعف نسبة المرضى، قال إن هناك تحذيرات على عبوات السجائر بأضرار التدخين والزراعة المحلية ستحقق لمصر الاكتفاء الذاتي من إنتاج السجائر. لماذا يمنع القانون الزراعة؟ يقول عبدالعليم متولي، أستاذ المحاصيل الحقلية بكلية الزراعة جامعة القاهرة في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، أن القانون يمنع زراعة التبغ لأن الأرض الزراعية محدودة لذا يتم تخصيصها لإمداد المجتمع بالمحاصيل الغذائية الاقتصادية التي لا تؤثر على الصحة العامة. صعوبة تقنين ويضيف أنه في حالة تعديل القانون والتصريح بزراعة التبغ في مصر سنواجه مشكلة في تقنين الزراعة ولم نتمكن من إحكامها واقتصارها على أشخاص بعينها، حيث ستنتقل بذور التبغ من مكان لآخر عن طريق المزارعين. التربة في خطر ويوضح بمثال فيقول، إن القطن قصير العمر رغم أن زراعته تستغرق 5 شهور، إلا أننا نقوم باستيراده من الخارج لأن زراعته محليا تلوث القطن المصري، إضافة إلى أننا لن نستطيع إحكام البذور التي ستنتقل بين المزارعين من أرض لأرض. لماذا يرفض الأكاديميون زراعة التبغ؟ ويشدد أستاذ المحاصيل الحقلية في تصريحاته، أنه لا يُشجّع الزراعة المحلية للتبغ لما يترتب على ذلك من خطورة على صحة المواطنين، فلو توفر التبغ ستزداد نسبة المدخنين لذلك يمنع القانون هذه الزراعة وفقا لقرار وزارة الزراعة رقم 54 لسنة 1966 بقصر استنباط التبغ أو زراعته محليًا. المحاصيل الاستراتيجية في خطر ويتابع أن لدينا احتياج غذائيا ونقصا في المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة والسكر والعلف ومحاصيل الزيت وفي حالة تصريح القانون بزراعة التبغ سينصرف المزارعين إلى زراعته بدلا من المحاصيل الأساسية لجني أموال أكثر وهنا يزداد النقص الغذائي لدينا وتتضخم الأزمة: "سينصرف المزارعون لزراعة التبغ على حساب المحاصيل الإستراتيجية". الفلاحون: محصول مُدمّر للشعوب استقبلت نقابة الفلاحين فكرة زراعة التبغ في مصر بالرفض التام، إذ قال حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، نرفض هذا الأمر قلبًا وقالبًا. ويؤكد نقيب الفلاحين ما قاله دكتور المحاصيل الحقلية بتأثير التبغ سلبيًا على الأراضي الزراعية والمحاصيل الإستراتيجية ويضيف أننا لا نملك رفاهية هذا النوع من الزراعة، وهو زراعة التبغ إذ أننا نعاني من فقر مائي ولدينا كمية محدودة من المياه وفقا لاتفاقية مصر والسودان سنة 1959، أن حصة مصر من المياه 55 مليار متر مكعب و5 مليار متر مكعب مياه جوفيه يتم استخراجها واحتياجنا من المياه حوالي 110 مليارات متر مكعب، ولذلك أعطى القانون الجديد لوزير الزراعة والري الحق في تحديد أصناف المحاصيل المراد زراعتها على أن تكون الأصناف الأساسية للمجتمع ذات الأولوية كالأرز والقمح والذرة وغيرها من المحاصيل الإستراتيجية: "التبغ من محاصيل تدمير الشعوب". زراعة مُحرّمة يحذّر من هذه الزراعة التي يؤكد تأثيرها السلبي على الأراضي الزراعية والمحاصيل الأساسية للغذاء والصحة العامة، معتبرا تصريح القانون بزراعة التبغ بمثابة التصريح بزراعة المخدرات لافتا إلى احترام الفلاحين لتقنين مساحات زراعة الأرز من مليون و76 ألف فدان إلى 826 ألف فدان فقط، وذلك ترشيدًا لاستخدام المياه التي أصبحت محدودة للغاية ولا تكفي لسد احتياجاتنا الزراعية واليومية، وإن كان هناك فرصة لزراعة محصول جديد فبدلا من أن نزرع التبغ ونزيد من نسبة المدخنين يجب أن نتوسع في زراعة المحاصيل الإستراتيجية التي يتسبب عجزها في حدوث فقر غذائي، وهو ما يهدد حياة المواطنين مؤكدا خروج الفلاحين للوقوف أمام زراعة التبغ في مصر والتصدي لها بقوة قائلا: "55 مليون فلاح هيعملوا ثورة .. دي دعارة زراعية". محاربة الاكتفاء الذاتي.. والأمن الغذائي يلفت إلى حروب غير مباشرة ضد المحاصيل الزراعية والأمن الغذائي فيقول، إن مثل هذه الزراعات وهي زراعة التبغ تحارب المحاصيل الأساسية التي تحقق الأمن الغذائي في المجتمع وتجعل المزارعين ينصرفون إليها بدلا من زراعة المحاصيل الإستراتيجية، وهو ما يسبب نقص فيها ينتج عنه عدم الاكتفاء الذاتي لدينا ووجود فقر غذائي، كما أن هذه الزراعة تهدم الكيان الاجتماعي لما يسببه التدخين من أضرار على صحة الإنسان تؤثر بالطبع على الأسرة المصرية واستقرارها وقوة ترابطها لأن الأب معرضا للوفاة بسبب التدخين، بالإضافة إلى أن هذه الزراعة تُعد حربًا غير مباشرة على الدولة تكون تساهم بقوة في جعلها دولة مستوردة زراعيًا قائلا: "زراعة التبغ في مصر تحارب الأمن الغذائي". البرلمان يؤيد قالت الدكتورة إليزابيث شاكر، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، إنها تؤيد زراعة التبغ في مصر إذ لا مانع من ذلك ما دامت الدولة تستورده من الخارج بالعملة الصعبة. وعن أضرار التبغ على صحة المصريين واحتمالية زيادة عدد المدخنين بعد توافره قالت "اليزابيث"، إننا يمكننا مواجهة ذلك بزيادة حملات التوعية بأضرار التدخين.
بينما قال دردير عمران، عضو لجنة الزراعة بمجلس النواب، في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، لا مانع من زراعة التبغ إذا كان في ذلك عائد اقتصادي للدولة لتؤيد بذلك كل من لجنتي الصحة والزراعة بمجلس النواب زراعة التبغ في مصر.
وزارة الزراعة تدرس قول الدكتور حامد عبدالدايم، المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة، في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، إن القانون حتى الآن، يمنع زراعة التبغ في مصر. وأضاف أن الدراسات التي تقدمت بها شركة "ايسترن كومباني" الشرقية للدخان إلى الوزارة بخصوص زراعة التبغ محليًا قيد الدراسة لديهم لكن هذا لا ينفي الضرر قائلا: "هناك مشاكل قد تصيب التربة والمحاصيل من زراعة التبغ". أضرار التدخين يؤكد الأطباء خطورة التدخين على الصحة فيقول الدكتور أمجد الحداد، مدير مركز الحساسية والمناعة بالمصل واللقاح في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، أن التدخين أكبر عامل مساعد لحدوث مرض السدّة الرئوية. أزمة في التنفس ويوضح أن استهلاك أكثر من 10 سجائر يوميا لمدة تزيد عن 5 سنوات قد يكون مؤشرا بإصابة المدخن بالتليف الرئوي أو ما يُدعي ب "السّدة الرئوية"، وإذا استمر التدخين لأكثر من 10 سنوات يصاب المريض فعليًا بهذا المرض ولا يستطيع حينها الاستغناء عن البخاخات وموسعات الشعب والأكسجين لأن السدة الرئوية عبارة عن التهاب في أنسجة الرئة يجعل المريض فاقدًا للقدرة على التنفس وزيادة الإفرازات، مؤكدا خطورة هذا المرض وأنه يكلف الدولة ملايين الجنيهات، حيث الإعاقة التنفسية التي تحدث للمريض يصعب معها القدرة على العمل، وهو ما يؤثر على الإنتاج، بالإضافة إلى احتمالية حدوث مضاعفات على القلب والجسم عامةً. سرطان الرئة ويتابع عن آثار النيكوتين فيقول، إن هذه المادة تصيب المدخن بالعصبية لتشبّع الجهاز العصبي منها حتى أنها تصبح نوعًا من الإدمان، ولذلك يواجه المُدخن صعوبة في الإقلاع عن التدخين بسبب احتياجه العصبي والنفسي لهذه المادة، مؤكدًا أن السّدة الرئوية تؤدي لفشل في عضلة القلب والجهاز التنفسي، بالإضافة إلى أن من مضاعفاتها سرطان الرئة ما يؤدي إلى الوفاة . الأزهر: حرام شرعًا يقول الدكتور عبدالله رشدي، من علماء الأزهر الشريف في تصريحات ل"بوابة الأهرام"، إن زراعة التبغ المستخدم في التدخين بغرض صُنع السجائر يُعدّ تعاون على معصية والتعاون على المعصية حرام لقول الله في القرآن: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". ويبرهن على أن التدخين معصية، وكذلك زراعة التبغ المستخدم في صناعته فيقول، إن الطب الحديث أثبت ضرر التبغ البالغ على صحة الإنسان وكل ما كان كذلك فإن فعله يؤدي إلى التهلكة لا محالة والشرع الشريف قد نهى عن إلقاء الإنسان نفسه في الهلكة فقال الله تعالي: "ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلُكة". بدائل لزيادة إيرادات الدولة وحول مساهمة زراعة التبغ في مصر في زيادة الدخل القومي، إذ أن الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" تُعد ثاني أعلى إيرادات للدولة بعد إيرادات قناة السويس، قال "رشدي" إننا نستطيع زيادة الناتج والدخل القومي من خلال إتقان العمل وخلق مجالات تنموية بحق بدلًا من تيسير وتسهيل ما يزرع المرض في الشباب ويُقّوض قُدرة سواعدهم على العمل. تدمير صحة المواطنين ويضيف: "لا نرى جدوى من زراعة ما يعود على الصحة بالدمار إذ الواجب منع الضرر لا نشره وتسهيل حصوله بل نحن بحاجة لقوانين تُضيّق الخناق على بيع السجائر وصناعتها بدلًا من تسهيل الحصول عليها بما يعود على الصحة العامة بالخلل والدمار". العائد المادي من الزراعة المحلية للتبغ "حرام" لا شك أن زراعة التبغ في مصر ستوفر ملايين يتم دفعها في الجمارك أثناء استيراده من الخارج وبناء على ما قاله أحد مسئولي الشركة الشرقية للدخان التي تطالب بزراعة التبغ في مصر فإن هذه الأموال التي سيتم توفيرها ستُنفق على خدمة المصريين كالصحة والتعليم والمرافق والبنية التحتية لذا تساءلت "بوابة الأهرام" عن حكم هذه الأموال ليجيب "رشدي" فيقول إن المال المُحصّل من زراعة التبغ بغرض صنع السجائر حرام شرعًا لكونه ثمنًا لسلعة مُحرّمة وهو كسب غير طيب والنبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالي طيب لا يقبلً إلا طيبًا"، وقال أيضًا "لا يدخل الجنة لحمٌ نبتَ من سُحتٍ" والسُّحت هو "المال الحرام أيًّا كان مصدره".