تكشف طريقة التعامل مع أزمة عمال النقل، عن كثير من الملامح الخاصة بوسائل حل الأزمات، فقد صعد العمال سقف مطالبهم وقامت الحكومة بالتجاهل، إلى أن اشتدت المسألة وبدأت تلحق أذى بكثير من القطاعات فى الدولة، لذلك فإن الوقوف عند المشكلة وآليات التعامل معها وصولًا إلى التفاهم حول حلها يبين لنا كثيًرًا من المعانى السياسية والاقتصادية المهمة. نجح عمال هيئة النقل العام فى تحقيق مطالبهم بعد إضراب عن العمل استمر 13 يومًا، ورضخت الحكومة بعد أن اجتمعت لجنة النقل والمواصلات بمجلس الشعب اليوم الإثنين، بحضور وزير النقل ومحافظ القاهرة، وتوصلت إلى رفع مكافأة نهاية الخدمة للعمال إلى 72 شهرًا بدلًا من 5 أشهر، والانضمام إلى وزارة النقل فى موعد أقصاه مايو المقبل. كان عمال أربعة جراجات تابعة لهيئة النقل العام، هي السواح والأميرية والمظلات وإمبابة، أعلنوا فى الدخول في اعتصام جزئي ومنع خروج أي أتوبيس للعمل، للمطالبة بالانضمام الي وزارة النقل بدلًا من محافظة القاهرة، والحصول على مكافأة نهاية الخدمة بواقع 100 شهر بدلًا من 5 أشهر، ثم انضمت باقى جراجات المحافظة ال 27 بأكملها وبدأ الإضراب الكامل. أكد طارق السيد، رئيس الوفد المفاوض عن عمال هيئة النقل العام مع الحكومة، أن المفاوضات مع محافظة القاهرة بدأت منذ أكثر من 5أ شهر، وفى كل مرة يطلب منا المسئولون مهلة شهرًا للدراسة، فما كان من العمال إلا أن بدأوا في الإضراب عن العمل، وصعدوا الموقف من الاعتصام داخل الجراجات، ثم الاعتصام أمام مجلس الوزراء، وأخيرا الاعتصام أمام مجلس الشعب، بعد ما اكتشفنا - والكلام لطارق - أن عبدالقوى خليفة، محافظ القاهرة، لا يملك ضرًا ولا نفعًا لنا، وتحقيق مطالبنا فى يد مجلس الوزراء والبرلمان فقط. أكد خليفة، أنه يحاول منذ اعتلاء منصبه تنفيذ مطالب عمال النقل حيث اجتمع معهم مرتين وطالبهم بشهر فرصة لاستجابة هذه المطالب لدراسة الأمر، خصوصًا أن الهيئة تكبدت خسائر وصلت إلى 82 مليون جنيه بسبب الإضرابات، كما أنه لا يمتلك المورد المإلى الذى يستطيع من خلاله تنفيذ مطالب العمال في الوقت الذي يخسر فيه هذه الأموال الطائلة، وحاول جاهدًا مساواة عمال النقل بالقاهرة بما حصل عليهم عمال الإسكندرية بصرف شهر ونصف الشهر زيادة على الذين يحصلون عليه في نهاية الخدمة، وهو ما يضاعف المكافأة لمرتين على الأقل، رغم قلة الإمكانيات الموجودة. من جانبه، كشف اللواء هشام عطية، نائب رئيس هيئة النقل العام، عن أنه حاول التفاوض مع عمال الهيئة للرجوع إلى العمل لكنه فشل فى إقناعهم، مؤكدًا أن الهيئة كانت تخسر مليون جنيه يوميًا، مضيفًا أنه كان مع مطالب العمال فى زيادة مكافأة نهاية الخدمة، لكن تعطل حركة المواصلات المضار الوحيد فيها هو المواطن البسيط، أما مطلب الانضمام إلى وزارة النقل فهو فى يد رئيس الوزراء والبرلمان فقط. أما الدكتور جلال مصطفى السعيد، وزير النقل، الذى كان يرفض تمامًا انضمام الهيئة إلى الوزارة ، مؤكدًا أن الوزارة لا علاقة لها بالإضراب، محملًا مسئولية حل تلك الأزمة على كاهل محافظة القاهرة، فما كان منه إلا أن قبل بضمهم إلى الوزارة عقب اجتماع ،اليوم، ليتكرر نفس سيناريو اعتصام عمال شركات أتوبيسات الدلتا والوجه القبلي التى كانت تتبع الشركة القابضة للنقل البحرى والبرى، التى أنشأت هيئة جديدة خصيصًا من أجلهم لحل مشكلتهم. كما وعد وزير النقل خلال الاجتماع تقديم الترتيبات اللازمة لضم "النقل العام" للوزارة خلال شهر، كما تعهد بتقديم دراسة خلال شهر حول مدى إمكانية نقل تبعية هيئة النقل العام من محافظة القاهرة إلى وزارته على أن تنتهى الوزارة من تقديم الدراسة إلى اللجنة بموعد أقصاه أول مايو. على جانب آخر، لم يحاول المجلس العسكرى التدخل فى حل تلك الأزمة، تاركا زمام الأمور إلى مجلس الوزراء والبرلمان، لكن حين اشتدت الأزمة وأصيبت القاهرة بالشلل التام، قررت القوات المسلحة الدفع ب50 أتوبيسًا فى محاولة للتخفيف عن كاهل المواطنين فى ظل ارتفاع أسعار المواصلات من قبل بعض المستغلين والازدحام الشديد فى مترو الأنفاق. رغم انتهاء الأزمة، فإن عشرات من العمال المعتصمين قرروا نقل اعتصامهم إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، لأنهم لم يتقبلوا موعد نقل تبعية الهيئة للوزارة خلال شهر مايو المقبل، لكن طارق السيد، رئيس الوفد المفاوض عن العمال، أكد أن الأتوبيسات خرجت من بعض الجراجات فى الورديات الليلية، وستعود الهيئة للعمل بكامل طاقتها صباح الغد، موضحًا أن هؤلاء العمال لم يستوعبوا بعد أن إجراءات نقل التبيعية تحتاج إلى وقت وجهد ولا يمكن أن ينفذ الانضمام فى يوم وليلة، كما أن الوفد اشترط أن يصدر بهذا الاتفاق قرار رسمى يوقع عليه كل من وزير النقل ومحافظ القاهرة.