لم يكن تدافع وتسابق جموع الصحفيين اليوم الأربعاء، أمام جثمان الكاتب الصحفي الراحل إبراهيم نافع، فقيد الصحافة العربية، الذي تواجد جسدًا من دون روح، للمرة الأخيرة، مودعًا مؤسسة "الأهرام"، التي كانت بمثابة الأم الحاضن لطموح وأحلام الفتى الطائر في سماء صاحبة الجلالة، وليد لحظة فحسب، وإنما كان عرفانا بالجميل لرجل انتفض لحرية الصحفي وكرامته مقررًا إشهار سيفه في وجه قانون 93 لسنة 1996، الذي كان يقضي بحبس الصحفيين، فضلا عن مسيرة فاقت ال 60 عامًا قضاها في نضال مستمر بدرع نقابي وقلم حر، لشخصية فريدة وكاريزما انفرد بها، فتحت له الأبواب المغلقة، وتحقيق المزيد من المكاسب لرفعة أبناء المهنة. كان"نافع" عاشقا للرياضة ولكنه لاحظ عدم وجود اهتمام إعلامي كاف بها، لذا يحسب للرجل أنه انتفض لأجلها حين كان رئيس لمجلس إدارة الأهرام، حيث قرر مساندة كافة المجالات الرياضية بإصداره لمجلة الأهرام الرياضي عام 1990، لتكون الأهرام آنذاك راعية الرياضة محليًا وعربيًا. لم يتوقف طموحه كرئيس مجلس إدارة عند إطلاق إصدار واحد يحمل اسم الأهرام فحسب، ولم يرتض بأقل من ميلاد 16 إصدارا، هم أبنائه، "الأهرام الدولي والأهرام الإنجليزي والفرنسي والمسائي"، فضلا عن مجلات "الأهرام الرياضي ونصف الدنيا والأهرام العربي والبيت وعلاء الدين" لتخرج بذلك المؤسسة من الحيز الإقليمي وتنطلق نحو العالمية في ماراثون يضم أقوى المدارس الصحفية. 4 شارع عبد الخالق ثروت.. الشاهد الشاهق على حسن صنيع الرجل وحبه العميق لمهنته، فهو البناء الذي لا يرضى بأقل من الفخامة لأبناء صاحبة الجلالة، حيث سعى أينما سعى للحصول على مقر يليق بأبناء المهنة وتاريخ الصحافة، مصرًا رغم ضعف الإمكانات وكثرة التحديات والتضييق على الكلمة، أن يعلو ويعلو معه بناء نقابة الصحفيين الذي يعد تابلوها أنيقا لا يجد من ينازعه عالميًا حتى الآن. ترقى الفتى الحالم بين المناصب من محرر صحفي لرئيس تحرير للأهرام لمدة 26 عامًا متواصلة دون منازع، ثم رئيس مجلس إدارة الأهرام عام 1984 ثم نقيبا للصحفين عن 6 دورات بدأها عام 1985 وحتى 2001. هو أيضا رئيس اتحاد الصحفيين العرب، الذي حارب من أجل استعادته لمقره الدائم بالقاهرة، بعد غياب ما يقرب من 18 عاما، وكأنه فراشة لا تجد جهدا في التنقل بين حقول صاحبة الجلالة. بعض مواقفه الثائرة كادت أن تكلفه منصبه كنقيب للصحفيين، حين تولى أمر النقابة، وسعى لإلغاء قانون 93، عدو الحريات ونجح الرجل في مهمته بعصر مبارك كما يحسب له رفضه لتحويل نقابة الصحفيين لنادي واعتباره ذلك إهانة للقلم وأن النقابة بمثابة حرم لا للتنزه واللعب. "لا إله الا الله" شهادة اهتزت بها أرجاء مؤسسة الأهرام أثناء تشييع جثمان نافع في محاولة أخيرة لتوديعه وسط أبنائه من صاحبة الجلالة وأصدقاء ومقربون في زحام وسباق على حمل نعشه. ينعى الكاتب الصحفي صلاح منتصر، بكثير من الحزن والأسى، رحيل "نافع"، قائلًا: "فقدت صديق أغلى من الماس وصاحب البصمة التي لن تتكرر في عالم الصحافة، له إنجازات عظيمة سواء في تشييد صروح الأهرام أو المباني ولا ينكر له أنه أول من حرر الأهرام وجعلها تنطلق للعالمية عبر إصدار الأهرام الدولي الناطق باسم مصر في الخارج. وفي محاولات جاهدة منه للتماسك، يؤكد عبدالمحسن سلامة، نقيب الصحفيين، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، أن الصحافة العربية فقدت أحد أعلامها وأن خسارة الأهرام فادحة برحيل إبراهيم نافع الذي وصفه ب"السند" والعمود الفقري، للمؤسسة سواء بالأصول التي حصل عليها وتقيم بها المؤسسة صلبها حتى الآن، أو بالإصدارات التي ولدت على يده. ويضيف سلامة: "نافع نجح في عمل" إمبراطورية اقتصادية عظيمة" للأهرام، وله دور بارز في إثراء العمل النقابي داخل محراب صاحبة الجلالة، فضلا عن مواقفه التي سيخلدها التاريخ، أبرزها تصديه لقانون 93 لسنة 96 الذي كان يقضي بحبس الصحفيين. ويؤكد نقيب الصحفيين: لن تنجب الصحافة "نافع" جديد، يكرث حياته لخدمتها، ولكن ستبقى سيرته خالدة بخلود أعمال ونضاله حيث قدم خدمات جليلة للصحافة وللأهرام خصيصا. "العظيم الإنسان، صاحب 16 إصدار صحفي متنوع في الأهرام ما بين أسبوعي وشهري ويومي، كان له أعداء ولكنه كان يتغاضى عن الصغائر برقي خلقه- شهادة أقرها هيثم سعد الدين- مدير تحرير الأهرام سابقا والمتحدث الإعلامي لوزارة القوى العاملة. بينما تغلبت دموع الكاتب الصحفي محمد عبدالكريم، مدير تحرير الأهرام سابقا وابن شقيقة الراحل الكاتب الصحفي إبراهيم نافع، وهو ينعيه اليوم الأربعاء، أثناء تشييع جنازته من مقر مؤسسة الأهرام قائلا:"رحم الله "نافع" الذي حظي بقسط كبير من اسمه. وأضاف "عبدالكريم" في تصريحات خاصة ل "بوابة الأهرام"، "نافع" الذي نفع الصحافة والصحفيين دون انتظار أي مقابل، مناضل ومحب قضى حياته في رحلة من العطاء لم تتوقف ولم ترتبط بتحقيق مكاسب مادية أو معنوية، لارتباطه العميق بكل ما يتعلق بهيبة القلم. "صاحب الأهرام وابنها البار صانع المطابع والتحديثات صاحب الموقف الحاسم الذي انتصر للصحفيين وقهر قانون 93 لسنة 1996 لحبس الصحفيين، في عهد مبارك" – بحسب ما قاله ابن شقيقة الراحل. وأكد الكاتب: من مواقفه التي لا تنسى رفضه لتحويل نقابة الصحفيين لنادي، في عهد الرئيس السادات، وحينها غضب أشد الغضب واعتبر ذلك إهانة لصاحبة الجلالة، ولعل هذا الجمع الغفير خير شاهد على حب الصحفيين له وعرفانهم بالجميل. ومن جيل الشباب نعى محمود كامل، الكاتب الصحفي وعضو نقابة الصحفيين، اليوم الأربعاء، أثناء تواجده في تشييع جثمان الكاتب الصحفي الراحل، إبراهيم نافع، من مقر مؤسسة الأهرام التي كان ينتمي إليها الفقيد، قائلا: "أرواح القامات لا تُفقد برحيل الأجساد"، مؤكدا أن تاريخ "نافع" الذي كان نقيبا للصحفيين ومارس عمله النقابي كمحارب، يكفي لتخليد ذكراه. وأضاف "كامل" في تصريحات خاصة ل"بوابة الأهرام": سيظل انتصار إبراهيم نافع، وهزيمته لقانون 93 "المشبوه"- على حد قوله- والذي كان يقيد الحريات ويقضي بحبس الصحفيين، دين في رقبة كل صحفي ينعم بحريته إلى أبد الآبدين. ويؤكد عضو نقابة الصحفيين، سنظل ندين بالفضل والعرفان للقيمة والقامة التي انتصرت لحرية القلم كما أن مبنى النقابة العريق الذي أسسه الراحل سيظل سيذكر القاصي والدان بفضل "نافع" على صاحبة الجلالة وأبنائها. يشار إلى أن الكاتب الصحفي إبراهيم نافع، وافته المنية أول أمس، إثر وعكة صحية ألمت به في أثناء تواجده في دولة الإمارات الشقيقة، ومن المقرر أن تقام صلاة الجنازة اليوم من مسجد مكرم، في حضور عدد غفير من الصحفيين والإعلاميين ورجال الدولة. رحلت الروح عن عالمها الفاني، عن عمر يناهز ال 84 عامًا بعد إجراء عملية استئصال للبنكرياس، وتبقى مسيرة عمرها 60 عامًا تأبى الرحيل لتبقى مسيرته وما قدمه لخدمة صاحبة الجلالة، دروسا وعبر ومواثيق شرف تدرس عربيًا ودوليًا.