يرتدي زيًا أحمر مميزًا، ويغطي وجهه شعر أبيض أشيب، يستقل عربة تجرها الغزلان، تسير على الجليد، يوزع الهدايا في عيد الميلاد، إنه "بابا نويل" الذي تحول من حكاية في خيال الأطفال، لشخصية كارتونية ودمية تباع وتشتري، ينتظرها الملايين سنويًا. بالرغم من أن القطب الشمالي، هو الموطن الأساسي ل "بابا نويل"، كما تقول الحكايات، إلا أن مصانع لعب الأطفال، في جميع أنحاء العالم، صممت ملابسه، وصنعته بأحجام وأشكال مختلفة، ليباع في كل مكان بداية كل عام. وأمام ارتفاع سعر الدولار، لم يجد المستوردون والتجارفي مصر، وسيلة لإسعاد الأطفال، سوي تصنيع "بابا نويل" المصري، الذي يتحدي مثيلة الصيني. في شوارع وسط البلد بالقاهرة، يمكنك أن تشاهد محلات لعب الأطفال، التي تستعد خلال ساعات، لاستقبال العام الجديد، بهدايا رأس السنة الميلادية، تتصدر وجهاتها كميات ضخمة من "بابا نويل" المصري، الذي يقف جنبًا إلي جنب بجوار مثيلة المستورد، وينافسه في الجودة والسعر. بأحد محلات لعب الأطفال، في شارع عماد الدين، تتصدر واجهته كميات كبيرة من هدايا رأس السنة، و"بابا نويل" بمختلف الأشكال والأحجام، وقف مجموعة من العاملين، ينظمون بعناية شديدة هدايا عيد الميلاد، فيما ازدحم المتجر بعدد كبير من الزبائن أغلبهم من الأطفال وذويهم. داخل المحل جلس محسن الشحات، مدير فرع "بيت الهدايا" بوسط البلد، وهو رجل ستيني أشيب، يعمل في التجارة منذ ما يقرب من 40 عاماً، يقول "اللي فيه عين ورأس يعمل اللي يعملوه الناس، الصين ليست أفضل منا، نمتلك القدرة علي المنافسة، ونحتاج فقط الإرادة والإمكانات". ويضيف الرجل وهو يشير إلى مجموعة كبيرة، من دمية "بابا نويل" تراصت علي واجهة المحل:"بعد ارتفاع الدولار، ووصوله ل 18 جنيهاً، لم يكن أمامنا سبيل سوى خوض تجربة التصنيع، والحمد الله نحجنا في ذلك، وهذا العام صنعنا كميات كبيرة، وطرحناها في السوق المصري، عن طريق محلات الجملة، وهي تنافس الصيني في كل شيء". بعد القرارات الاقتصادية، التي اتخذتها الحكومة، لوقف نزيف الاستيراد، قرر عدد من مستوري لعب الأطفال، خوض تجربة التصنيع، ومنهم إدارة محلات "بيت الهدايا"، التي خاضت تجربة التصنيع العام الماضي، وحققت نجاحًا نسبيًا، أما هذا العام فقط لاقت التجربة نجاحًا كبيرًا، حتي أصبح "بابا نويل" المصنع بأيادٍ مصرية، يطلب من تجار التجزئة بالاسم. يمسك مدير المحل بدمية "بابا نويل" المصري، ويشرح كيف بدأت فكرة التصنيع، يقول:" أحضرنا بابا نويل المصنع في الصين، بكل أحجامه وأشكاله، وقمنا بفك جميع أجزائه، ودرسنا مكوناته وتكلفة تصنيعه، فأكدت الدراسة المبدئية، أن تكلفة التصنيع ستكون أقل بكثير من تكلفة استيراده، فأحضرنا الخامات والتجهيزات، وتمكنا في فترة قصيرة من تصنيعه، بشكل لا يختلف عن الصيني، بل ينافسه في الجودة والسعر وكل شيء". اصطحبنا الرجل، الذي تركت السنون آثارها علي وجهه، للدور الثاني من المحل، لرؤية طريقة تشطيب دمية "بابا نويل"، حيث جلس أحمد سمير، الشاب الثلاثيني، مسئول التصنيع في المحل، خلف تربيزة خشبية، وانهمك في وضع اللمسات النهائية لدمية "بابا نويل". يقول مسئول التصنيع، وهو منهمك في عمله ولم يتوقف: "عندما بدأنا التجربة، وقفت أمامنا عدة صعوبات، منها كيفية تصنيع "بابا نويل"، بطريقة تشبه الصيني، أو علي الأقل مثله، فأحضرنا أحجام بابا نويل الخمسة، التي كنا نستوردها من الصين، وبدأنا في تقليده، ولكن التجربة لم تنجح بشكل كامل العام الماضي". ويضيف :"هذا العام كنا نمتلك خبرة أكبرعن طريقة التصنيع، وبدأنا قبل الموسم بوقت كاف، وهو ما أعطي لنا مساحة من الوقت للتطوير وتعديل الأخطاء، لتنجح التجربة هذا العام بشكل كبير، وساعد علي ذلك غلق الاستيراد بشكل شبه كامل، وهو ما أعطي لمنتجنا الأفضلية في السوق". يعمل في الورشة التي تتبع المحل حوالي 10 شباب، فتح لهم باب رزق جديد، بفضل سياسة الإصلاح الاقتصادي، التي تتبعها الحكومة المصرية، لخلق جو من المنافسة، ووقف تتدفق السلع المستوردة، التي كانت تكلف الدولة ملايين الدولارات سنويا، كانت تذهب لشراء منتاجات استهلاكية، يمكن تصنيعها بطريقة بسيطة بأياد مصرية. انهمك المسئول التصنيع، في محل الهدايا في تجميع أجزاء بابا نويل المصري، وإخراجه في شكله النهائي، وهو يشرح كيف يتم تصنيع "بابا نويل"، بطريقة سهلة وفكرة بسيطة، ففي البداية يتم أحضار القماش باللون الأحمر والأبيض، الذي يرتديها "بابا نويل"، وقصها لأجزاء ثم تجميعها وحياكتها علي مكينة الخياطة. وبعد انتهاء المرحلة الأولي، يتم لصق أجزاء وجه "بابا نويل"، وتزيينه عن طريق مسدس الشمع، بطريقة يدوية، بعدها يتم حشوه بالقماش والفيبر، بطريقة معنية، ليصبح المنتج النهائي عبارة عن "بابا نويل" مصري، يباع ويشتري بشكل عادي، ويدخل الفرحة علي الأطفال في عيد الميلاد، دون أن يستطيع أحد أن يفرق بينه وبين الصيني. ينهي مسئول التصنيع، بمحلات "بيت الهدايا" حديثه قائلاً: "النجاح في تصنيع "بابا نويل" فتح لنا آفاقًا جديدة، لتصنيع شخصيات كارتونية أخري، فأنشأنا مصنعًا صغيرًا، وبدأنا بالفعل في تصنيع جميع شخصيات ديزني وميكي ماوس، وستطرح هذه الشخصيات والدمي، خلال الفترة المقبلة في السوق المصري". تركنا متجر "بيت الهدايا"، الذي ازدحم عن آخره، بهدايا رأس السنة، وانتشرت في أركانه أشكال مختلفة، من شجرة الكريسماس، وكميات كبيرة من الزينة، التي وقف أمامها عدد من الزبائن، ليختاروا ما يناسبهم، وقد تصدر المشهد العام، "بابا نويل" المصري، الذي يدخل البهجة علي الأطفال في ليلة عيد الميلاد.