في أي وقت تزور فيه دبي، يمكنك أن تلاحظ عملية البناء المستمر في كل مكان، علامة على الرفاهية، والمستقبل المشرق، ولا يأتي هذا تحت مظلة الاقتصاد وحده، بل في السياحة والثقافة وسواهما. ومن المتوقع أن تتدفق الاستثمارات الرئيسية في البنية التحتية الصناعية لحكومة الإمارات العربية المتحدة ليجعل من اقتصاد إمارة دبي أقل البلدان عرضة للأزمات الاقتصادية في المستقبل بفضل الاستثمارات الحالية وومن المقرر الانتهاء من معظم هذه المشاريع قبل عام 2020 - وهو العام الذي ستستضيف فيه دبي معرض إكسبو 2020. وكذلك من المتوقع أيضا أن تزيد الاستثمارات العقارية والسياحية الحالية لتعزيز الاقتصاد ومشاريع البنية التحتية والمشاريع التنموية الرئيسية، مع تزايد عدد سكان الدولة إلى 3.1 مليون نسمة في عام 2017، وزيادة الطلب على السوق العقارية في دبيوالإمارات المجاورة. بعض العناوين الرائعة والمشرقة نقرأها في متحف المستقبل، جزيرة بلوواتر، وبرواز دبي؛ حيث يقام إطار مستطيل عملاق يمنح الزوار أفضل إطلالة للتصوير تبدو منه كل من دبي القديمة والجديدة، وميناء خور دبي، وقناة دبي المائية، وحدائق دبي، وجزيرة الديرة، ومدينة علاء الدين؛ وهو مشروع مستوحى من حكايات علاء الدين وسندباد. ولكن هل ستظل هذه حكايات ألف ليلة وليلة في دبي؟ الجواب يأتي من الجانب الآخر من الخليج العربي، حيث يتوسع ميناء غوادار في باكستان، وهو مشروع سيغير من قواعد اللعبة، بل ومن شأنه إعادة صياغة جدول الأعمال الاقتصادي للمنطقة بأسرها. الباحث طارق الشمري، يكتب على موقع "شمال إفريقيا - غرب آسيا": "يعتقد العديد من المحللين الاقتصاديين، أن جوادر هي دبي الأخرى الناشئة على خريطة العالم، والقضية المثيرة للجدل هنا هي أن جوادر القوية اقتصاديا ستهدد التأثير الإستراتيجي لدبي في المنطقة، وقد تسببت هذه النقطة الصعبة، في الآونة الأخيرة، في حرب اقتصادية صامتة في خليج عمان بين مجموعتين من البلدان، باكستانوالصين وقطر من جهة، والهند، والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى". من المعروف أن عائدات دبي الرئيسية تأتي من السياحة والطيران والعقارات والخدمات المالية، وذلك بفضل اثنين من المواني التجارية الرئيسية؛ ميناء راشد وميناء جبل علي (أكبر ميناء من صنع الإنسان في العالم وأكبر ميناء في الشرق الأوسط، منزل لأكثر من 5000 شركة من 120 دولة). ومع ذلك، يقول الشمري: "ميناء جوادر منافس خطير لدبي، حيث يعطي موقعه الإستراتيجي الصين وآسيا الوسطى إمكانية الوصول الأقرب إلى منطقة الخليج والشرق الأوسط، وبفضل مبادرة حزام واحد وطريق واحد التي خطط لها الرئيس الصيني جينبينج مستعينا بتلبية ومشاركة 68 دولة في 2013 سيصبح ميناء جوادار البوابة الرئيسية البحرية لآسيا الوسطى، كما سيصبح من الأسهل إرسال منتجات من شينجيانج (شمال غرب الصين) ودول آسيا الوسطى إلى ما بعد آسيا". المسافة من كاشجر (الصين) إلى جوادر (باكستان) هي 1500 ميلا، في حين أن هناك 2500 ميل عبر الصين للوصول إلى شنغهاي، الميناء الأبعد للوصول إلى أوروبا، كما سفن الشحن يجب أن تتحرك منه مضاعفة المسافة، مرة أخرى، للوصول مياه الشرق الأوسط. تقول السيدة ليو ياندونغ، نائب رئيس مجلس الدولة الصيني "إن الممر سيساعد في تقليل وقت نقل البضائع من ميناء جوادار إلى غرب الصين ومناطق آسيا الوسطى بحوالي 60 إلى 70 بالمائة". سيطرت الصين على تشغيل ميناء جوادار الذي أقيم بمساعدتها على الساحل الجنوبي الغربي لشبه القارة الهندية ماليا وتقنيا بعد أن قررت هيئة ميناء سنغافورة الانسحاب من إدارة وتطوير الميناء لمدة 40 عامًا، وفق عقد وقعته عام 2007، توقع الصينوالباكستان في عام 2015 عقد استئجار للميناء نفسه لمدة 40 عاما. وهكذا تغيرت سيرة الميناء الذي كان تحت السيطرة العمانية منذ عام 1779، وأصبح ملكا لباكستان عام 1958، وتعطل حتى عام 2002 قبل بدء تشغيله لاستقبال السفن الكبيرة، بفضل عمق مياهه وصلاحيته. ذكرت صحيفة الوطنية الإماراتية (باللغة الإنجليزية)، أن "الرقابة التشغيلية الصينية للميناء ستمكن أيضا التنين من السباحة في المحيط الهندي الذي يعد أمرًا إستراتيجيا بالنسبة للصين مع توسع نفوذها فى المنطقة، ولضمان أمن الشحنات على الطرق القائمة، تقوم دوريات بحرية صينية في جوادر بحراسة الممرات البحرية للمحيط الهندي، وما يثير واشنطن ونيودلهي هو الوجود البحري الصيني بالقرب من مضيق هرمز وإستراتيجية العملاق الآسيوي بناء "سلسلة من اللؤلؤ" على حافة المحيط الهندي". الآن يتم تطوير البنية التحتية لجوادر للحفاظ على التطورات المرتقبة في المستقبل؛ ببنية تحتية جيدة تناسب حجم الأعمال القادمة، وتعمل هيئة تنمية جوادر على تطوير المناطق السكنية والتجارية مع زيادة نشاط المواني، متوقعة انتقال الكثير من السكان إلى جوادر بحثا عن فرص اقتصادية جديدة. هذا بدوره سيزيد الطلب على العقارات في جوادر: مجمعات سكنية، منشآت بحرية تجارية، والأراضي المفتوحة لكل شيء، بل وسيكون لديهم برجا خاصا بهم في جوادر، ويشيدون مدينة يونانية!، والناظر لمجمل هذه المشاريع يمكنه أن يلمح مرآة لما تملكه دبي! هي حرب عالمية اقتصادية مرتقبة بين دبي وجوادر؛ تضع الزيت على النار، وسط حرائق مستمرة، لا تنتظر تهديدا آخر يهز سلام آسيا.