تساءل عدد كبير من المحللين السياسيين الغربيين، عما إذا كانت مصر ما بعد الثورة، ستسير علي خطي باكستان، الدولة الإسلامية غير المستقرة وغير العربية.. المسار الذي يعتقد هؤلاء المحللين والخبراء أن مصر قد تسير نحوه، هو ديمقراطية برلمانية مع حكومة حرة منتخبة، يسيطر عليها الجيش، بمجموعة من المبادئ فوق الدستورية. الخبير الاستراتيجي عارف رفيق، يقدم 5 نصائح تمكن مصر من الخروج عن هذا المسار، وهو يقدم نصائحة بصفة خاصة للبرلمانيين الجدد. عارف رفيق، رئيس مركز فيزير للاستشارات الاستراتيجية، وهو مركز متخصص في التخطيط الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط وجنوب أسيا فيما يخص المسائل الأمنية والسياسية، وقد طرح تصوراته في مقال له علي موقع دورية ناشيونال إنترست الأمريكية، وهي دورية متخصصة في مناقشة القضايا السياسية الخارجية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والدول الإسلامية ومناطق النزاع، بهدف توفير تقييم موضوعي ينير الطريق أمام صناع القرار في الولاياتالمتحدة. يكتب رفيق في مقاله، أنه خلال الشهور الماضية، أثبتت مصر ما بعد الثورة أنها تسير علي نفس المسار الباكستاني، وهو مسار شبه أبوي، فعلي الرغم من رحيل مبارك وتغير الحكومة، ولايزال النظام الحاكم في مصر يعيش من خلال المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكي يتمكن الديمقراطيين في مصر من تغير هذا المسار، ربما يتعين عليهم التعلم من نجاحات وإخفاقات نظرائهم الباكستانيين، ويقدم رفيق في هذا السياق 5 دروس أساسية قد تفيد التجربة الديمقراطية المصرية، هي: 1- لا تدع فرصة للجيش لحكم المدنيين تمكنت الأطراف المتصارعة في باكستان، من تمرير تعديل دستوري قلص من صلاحيات رئيس الجمهورية ومكنهم من السيطرة علي إقليم البنجاب، ومع انهيار التحالف ما بين حزب الشعب الباكستاني وحزب نواز الإسلامي، انفجرت أزمة سياسية هائلة، استدعت تدخل الجيش، ولو لفترة قصيرة للسيطرة علي الأمور، ولكن ما حدث أن الجيش لم ينسحب بالكامل إلى ثكناته منذ ذلك الحين. حتى تتفادى مصر هذا المصير، يجب علي الأحزاب السياسية المختلفة في مصر أن تتعاون، دون ترك أي فراغ يمكن للجيش أن ينفذ من خلاله، لقد أشار جنرالات الجيش المصري إلى رغبتهم في التأثير علي تشكيل جمعية تأسيسه لصياغة الدستور، وبرغم أنهم تراجعوا عن هذه الرغبة إلا أنه يمكنهم المحاولة مرة أخري والتدخل في عميلة صياغة الدستور، من خلال الاستفادة من المخاوف المسيحية والعلمانية من نفوذ وهيمنة الإسلاميين، للحفاظ علي بقاء المؤسسة العسكرية في موقعها، ويجب علي جماعة الإخوان المسلمين، الذين يشاركون الحركة السلفية ممثلة في حزب النور نحو 60% من مقاعد البرلمان، ضمان ألا تعادي عملية صياغة الدستور غير الإسلاميين، وبرغم تصادم مصالح وقيم الأحزاب السياسية الكبرى في مصر، فإن عليهم ألا يسمحوا لهذه الاختلافات بأن تمنعهم من ضمان أن يقوم الأعضاء البرلمانيين المنتخبين، وليس العسكر، باختيار من يضع مسودات دستور ديمقراطي جديد. 2- تمكين البرلمان وتنمية قدراته وكفاءته يتحدث الساسة الباكستانيون دوما عن سيادة البرلمان، غير أن الجمعية الوطنية غير فعالة، ومعدلات تواجدها واجتماعها ضعيفة إضافة إلي عدم كفاية لجانها الرقابية، وقد خلق هذا فراغًا في باكستان شغلته المحكمة العليا ووسائل الإعلام الموجهة وجيش يتدخل في أي لحظة. لتجنب مصر هذا المصير، علي الديمقراطيين، منح البرلمان الجديد والممثل الوحيد للديمقراطية حتى الآن في مصر ما بعد الثورة، سلطة تشريعية ومالية ورقابة داخلية، إضافة إلى تحسين قدرة وكفاءة المشرعين في القضايا السياسية العامة، من خلال وضع برامج تعليمية للمشرعين، حول الاستراتيجيات التشريعية. 3 وضع صياغة تضمن للقوي العسكرية مكانتها يعرف رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وقائد الجيش في باكستان باسم الترويكا، وهم يجتمعون بشكل غير رسمي لتحديد السياسة الخارجية والسياسات الأمنية للبلاد، ويري رفيق أن هيمنة الجيش علي الترويكا ساهمت في الاستقرار السياسي لباكستان، لكنه ظل معاديًا للديمقراطية علي نحو متأصل، مما جعل عملية صنع القرار السياسية علمية تتسم بعد العمق. ولكي تتفادى مصر هذا النوع من تركيز السلطة، من خلال توافق ما بين الآراء المدنية والعسكرية بشكل رسمي، ينبغي علي الديمقراطيين أن يختاروا بعناية الصلاحيات التي سوف يبطلونها للجيش، وعليهم – من وجهة نظره- تعطيل محاولات الجيش لإنشاء نظام رئاسي من شأنه أن يسمح له بتعطيل صلاحيات البرلمان، وينصح رفيق بعدم اتخاذ مواقف شديدة العدوانية تجاه المؤسسة العسكرية المصرية لدفعها بعيدًا عن القرار السياسي، فسوف يكون لهذا علي الأرجح، رد فعل قد يعرض المكاسب التي حققتها مصر هذا العام للخطر، وينصح رفيق أن تتخذ تدابير أكثر حصافة من شأنها أن تؤسس مجلس أمن قومي بناء وتوافقي، برئاسة رئيس وزراء منتخب، يمكنه أن يوفر منبرًا للحوار الفعال بين المدنيين والعسكريين. 4- إنه الاقتصاد جلبت انتخابات باكستان عام 2008، حكومة ديمقراطية، لكنها حولت البلاد من كونها واحدة من أسرع الاقتصاديات نموًا في آسيا، إلى رجل القارة المريض، لقد خنق سوء الإدارة النمو الاقتصادي، فشركات الطيران المملوكة للدولة والسكك الحديدية تنزف مليارات الدولارات كل عام، ويتجاوز انقطاع الكهرباء في كثير من الأحيان 12 ساعة في اليوم، ويشعر 92% من الباكستانيين أن بلدهم تسير في الاتجاه الخاطئ، مع ارتفاع معدلات التضخم التي تجسد قلقًا يوميًا لهم. وتواجه مصر أيضا توقعات اقتصادية صعبة، مع انخفاض مؤشر بورصة الأوراق المالية بنسبة 40% هذا العام، وقد نما الاقتصاد بنحو 1%، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم، وهي نفس الأسباب التي أدت إلي الثورة، مع انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 20 % ، وسط كل هذا ودون إشراف اقتصادي كفء، فإن قدرة المصريين علي التحمل والرغبة في الانتقال إلى الديمقراطية ستكون ضعيفة، ولتجنب خسارة فقدان الثقة التي عانت منها باكستان ما بعد المرحلة الانتقالية، يتعين علي الديمقراطيين في مصر وضع سياسة اقتصادية متماسكة تكافح الفساد وتضع البلاد علي طريق الإصلاح الهيكلي، وتوفر في نفس الوقت فرص العمل، ربما سيتعين خصخصة الشركات المملوكة للدولة، والحد من الإعانات بشكل بارع، واستعادة الاستثمار الأجنبي والسياحة، ينبغي أن يكون هناك وزير مالية من التكنوقراط لم تلوث يداه بالتعاون مع الحكومات الاستبدادية السابقة. 5- حقوق الأقليات هي مفتاح تحقيق ائتلاف ناجح تمكنت الحكومة الائتلافية الهشة التي يقودها حزب الشعب الباكستاني، من البقاء نحو 4 سنوات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تنازلات قدمتها أحزاب صغيرة، السياسة هي فن الحلول الوسط، وفي هذا السياق ينصح رفيق المصريين باتباع نموذج توافق، ووضع دستور مدني بقيادة برلمان قوي، يضم تحت خيمته الواسعة تحالفًا شعبيًا هائلاً، يحتاج حزب الحرية والعدالة إلي التحالف مع حزب الكتلة المصرية والوفد الليبراليين، وضمان ألا يصبح المسيحيون والليبراليون في مصر مواطنين من الدرجة الثانية في ظل الدستور، أيضا يمكن للحرية العدالة أن يتحالف مع حزب النور السلفي، لاتخاذ تدابير إسلامية تدفع بعيدًا عن مصر مخاطر الوقع في نزاعات طائفية مستعصية، أو أن يدفع بالليبراليين في أحضان الجيش، وقد كان الموقف الأخير الذي اتخذه الإخوان بحماية الكنائس خلال احتفالات العام الميلادي الجديد، خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن المسيحيون في مصر لا يريدون أن يصبحوا فقط أقلية محمية، أنهم يريدون أن يكونوا مواطنين كاملين لهم نفس حقوق المسلمين.