نظمت الجامعة الكاثوليكية في مدينة ميلانو الإيطالية، ندوة تحت عنوان "شهرزاد خارج القصر: أشكال السرد الحديثة في العالم العربي". واستضافت الندوة الكاتبة اللبنانية بسمة الخطيب، وأدار المحاضرة وقدّم المشاركين فيها، أستاذ اللغة والأدب العربي، وعضو مجلس إدارة مركز بحوث اللغة العربية (كارا) في الجامعة الكاثوليكية، المصري الدكتور وائل فاروق، وافتتحتها مديرة المركز د.ماريا كرستينا جاتي. ألقى "فاروق" الضوء على الإنجاز الذي حققته الكاتبة العربية في عالم السرد بعد مسيرة شاقّة، توصلت خلالها إلى فرض صوتها، وقلمها، على الساحة الأدبية، وعرضت لأبرز التحديات التي تواجه مستقبل السرد العربي، ودور الكاتبات العربيات فيه. وأشار د.وائل فاروق، إلى أن كتابة المرأة ظهرت وازدهرت في سياق الثورة على الاستعمار، ثم في سياق الدفاع عن الحقوق والحريات، فلا يمكن حصرها في دائرة النسوية التي تسعى للثورة على التقاليد الذكورية، ففي هذا كثير من التهميش، والتقليل من دورها، وأهميتها كأدب إنساني. قدم "فاروق" ضيفته، مضيئاً على أبرز العلامات في سيرتها الذاتية، بينها دراسة الصحافة، وتربية وأدب الأطفال، وعملها الصحافي في صحف مختلفة، والإذاعي بين إذاعة صوت الشعب اللبنانية، وصولاً إلى بي بي سي العربية، وتمرسها في الكتابة الدرامية لمسلسلات استوحت الأدب الشفوي، وإعادة كتابة الحكايات الشعبية العربية تحديداً، كذلك كتابة القصص القصيرة والروايات. ثم عرض فاروق للسؤال الأبرز الذي تطرحه الندوة وهو، أين هي الساردة العربية (شهرزاد المعاصرة) اليوم؟ وإلى أين وصل مشروعها الإبداعي؟ للإجابة عن هذا السؤال، قدمت الخطيب لمحة سريعة عن علاقة المرأة العربية بالإبداع السردي، ودورها في مسيرته، وكيف خرجت من ثوب شهرزاد الناعم، وقصرها المحكم الأسوار، إلى ساحات الإبداع الخطرة والشاقة، رافضة دور الحكاءة التي تروي مسترخية للسيد ما يسليه ويرفه عنه، تحت سلطته وبأمره ووفق حدوده، لأن الحكي تحت أي سلطة ليس حرّاً، وبالتالي ليس إبداعاً. وكيف استخدمت السرد والحكايات الشعبية والمعاصرة لإثبات وجودها إلى جانب الكاتب العربي، وباتت تصنع الخطاب الأدبي، بعد أن كانت لعقود مادته فقط. ومرّت الخطيب بسرعة على المشاكل التي أعاقت تجربة الكاتبات العربية، معتبرة أنها نالت حقها من النقاش والعرض في السنوات الأخيرة، ووجدت ألا جدوى من تظلم المرأة من اضطهاد المجتمع الذكوري، بل الأجدى هو العمل والكتابة والعمل على تطوير أدواتها وفنونها. ثم توقفت بسمة الخطيب عند التحدي الأكبر الذي يواجه التجربة الإبداعية للمرأة العربية، وهو التركيز الإعلامي والنقدي والأكاديمي على تمردها الاجتماعي، وتوجهها الأيديولوجي، وتعميق الهوة بين كتابة المرأة والكتابة بشكل عام، ووضع الأدب النسوي في جبهة خاصة، وبالتالي، تأطيره وأسره، ما يضرّ المنتج السردي ويشوهه. وطالبت في المقابل، بالتركيز على جماليات هذا المنتج وتقييمه إبداعياً وفنّياً، لأن هذا التقييم سيقدم إجابات عن أسئلة الأيديولوجيا، والنضج الفكري، والواقع الاجتماعي. رأت الخطيب، أن الكاتبة العربية حوّلت مهاراتها السردية الموروثة عن جداتها اللواتي احترفن سرد الحكايات في الحلقات العائلية قديماً، وبينهن جدّة الخطيب نفسها ابنة حكواتي بلدته، وهي أيضاً مكتسبة بمجهود الكاتبة المعاصرة التي استثمرت صعوباتها المعيشية في تطوير هذه المهارات، محولة السرد من أداة ترفيه في مخدع الزوج والسيد، كما في حال شهريار، إلى أداة حرية وعتق وتعبير عن النفس والأفكار السياسية، وبوح حميم أيضاً، وهو ما بقي محظوراً لعقود. واقترحت الخطيب، أن يستفيد المشروع الروائي المُعاصر من المخزون الشفوي الضخم في العالم العربي، الذي ترى أنه لم ينل ما يستحقه من جمع وتحليل وتطوير وتوظيف في الإبداع الحديث. معتبرة أنه في هذا التراث الكثير من الحيل الفنية والرؤى الإبداعية والجماليات السردية والبنيوية، بينها بناء الشخصيات، وتطويرها، وتواصلها مع بعضها البعض، توالد الأحداث وغزل الحبكة وتوظيف التكرار بشكل فني ومشوق، كذلك إعادة السرد وفق تطور السارد والأحداث وتبدل الزمان والمكان. وعن تاريخ المرأة مع الصمت، رأت أنه يحب أن يغني تجربتها اليوم، شرط ألا يتحول تعويض ذاك الصمت إلى ميل نحو الثرثرة والحشو، لافتة إلى أن للصمت بلاغته وكلمته، وإنه كتقنية الغزل والكروشيه التي احترفتها المرأة تاريخياً لتملأ فراغاً فرضته عليها التقاليد بملازمة المنزل، هذه الحرفة التي تحيك الخيوط بالفراغ هي إحدى جماليات الكتابة، ويجب عدم استبعادها، ينطبق الأمر على فنّ التفصيل في الخياطة، الذي يقسم ويفصّل قطعة قماش إلى قطع صغيرة يتم جمعها بحيل فنية معينة، لتكون جسداً جديداً هو جسد الخطاب والنص. أما الطهو فهو يقدم مفاتيح أخرى للكتابة، منها موازنة النكهات ومنطق المقادير الخاص بها وأسرار المذاقات.