يعرف المراقبون والخبراء المهتمون بمعرض القاهرة الدولي للكتاب أن المعرض ليس مجرد سوق لبيع وشراء الكتب وحقوق الطبع والنشر أو حتي مجرد فرصة للاتصال بالآخرين، لعب المعرض دوراً مهماً في الحياة السياسية، دوراً كان من الأهمية بحيث أجبر وسائل الإعلام والنظام علي توجيه جهودهم إليه. تبرز أهمية المعرض عند هذه النقطة في كونه المسرح الذي استخدمه المثقفون والمعارضة لتنظم تظاهراتهم، فاعتاد الإخوان المسلمون علي التظاهر بعد صلاة الجمعة وشكل المقهي الثقافي منتدياً لإستضافة المثقفين والرموز السياسة إضافة إلي العديد من الرموز الدينية التي كانت حاضرة بأشكال عدة. دخلت السياسة لمعرض الكتاب للمرة الأولي بشكل بارز بحسب عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق في أوائل الثمانينيات حينما دعيت إسرائيل إلى المشاركة في المعرض بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وهي الدعوة التي قوبلت باستياء عميق بين المثقفين المصريين الذين أصدروا بيانات شجب وإدانة ونظموا تظاهرات واسعة تبعتها حملة اعتقالات واسعة، ولكنها أدت بوزارة الثقافة في النهاية إلى الانصياع إلى المثقفين واستبعاد إسرائيل من المشاركة في المعرض عام 1987.
يري الكاتب الصحفي حلمي النمنم والنائب السابق للهيئة العامة للكتاب أن المعرض كان فرصة للتظاهر حينما لم يكن التظاهر مشروعاً أساساً ولكم تكن هناك مساحة له أو مؤسسات تحميه كالأحزاب وغيرها". مع استبعاد إسرائيل من المعرض اتجهت التظاهرات في المعرض إلي قضايا إقليمية كفلسطين والعراق ولكن منذ العام 2004 ومع لعب الحركات الإحتجاجية مثل 6 أبريل وكفاية والقضاة المستقلون أدواراً أكبر في المعارضة السياسية تحولت القضايا الأساسية التي تدور حولها التظاهرات إلي ثلاثة أشياء وهي تمديد السلطة لمبارك وتوريث الحكم لإبنه وعلاقاتنا مع أمريكا وإسرائيل كما يري النمنم. لم يكن المعرض مجرد مكان للتظاهرات فحسب، فيرى أحمد زايد أستاذ الإجتماع بآداب القاهرة، أن المعرض لعب دوراً حيوياً في ترسيخ الوجوه القديمة والحالية للنظام ضمن النخبة المثقفة وتقديم وجوه جديدة لتلك النخبة، ففي النهاية لم يعمل فقط المعرض كساحة لمعارضي نظام مبارك فقط ولكنه خلق طبقة من المثقفين الذين عملوا كحلفاء له داخل تلك النخبة. "لقد كان المعرض فرصة جيدة للنظام لتقديم أسماء بعينها من خلال الندوات، ترواحت تلك الأسماء بين سياسيين، ونجوم إعلاميين وكتاب ومثقفون، ولهذاالسبب لم يستطع المعرض أن يضخ دماء جديدة في جسد الثقافة المصرية كما يقول زايد، فلم يقم المعرض بدور الرصيف الثقافي الذي تقدم من خلاله وجوه جدية من الشباب والنساء فعمل فقط علي إعادة إنتاج النظام القديم من خلال الدعاية لهم وإعادة انتاج منظومة النشر الضعيفة بتوازنات القوي بها بنفس مشكلاتها. وتفق المحلل السياسي د. حسن نافعة مع تلك النظرة فيقول "إذا تتبعت قائمة المدعوين لإلقاء الندوات والمحاضرات في المعرض سيمكنك فهم ما الذي كانوا يحاولون فعله بالضبط ، في البداية حاول نظام مبارك أن يكون منفتحا على كافة التيارات السياسية فدعا محمد حسنين هيكل والبابا شنودة والمفكر فرج فودة وأسماء معارضة أخرى ولكن النظام اكتشف النتائج السلبية التي تبعت ذلك والتي انعكست على أهدافه من المعرض فقرر استبعاد كل من يختلف عن معاييرهم." وبعد ذلك بدأ النظام في تقديم وجوه أخرى لنظام مبارك بشكل أقوى للعب دور سياسي أكبر في المرحلة التي تلت ذلك. من أبرز الأحداث التي كان يشهدها المعرض سنوياً هو التقليد الذي أرساه مبارك بمقابلة المثقفين في اليوم الأول من المعرض كل عام، وهدفت تلك اللقاءات بحسب حسن نافعة إلى اعطاء الإنطباع بأن مبارك يهتم بوجهات نظر المثقفين وإظهار الدولة بمظهر الدولة الراعية للثقافة. في نفس الوقت استهدفت تلك المقابلات استقطاب المثقفين واحتوائهم وتحويلهم إلي مدافعين عنه. بعض المثقفين حاولوا أن ينتهزوا الفرصة لنفاق نظام مبارك وكيل المديح له وكانت هذه فرصة مناسبة تماماً لتجلي تلك الخصال بحسب نافعة الذي دعي لحضور تلك اللقاءت لسنتين أو ثلاثة وكان شاهداً عليها. وألغي ذلك التقليد بعد العام 2005 بعد اللقاء الذي طرح فيه المفكر الراحل محمد السيد سعيد اصلاحات دستورية أمام مبارك الذي تجاهل تلك المطالب تماماً. لا يعتقد الكثيرون من الناشرين والمثقفين من بينهم الناشر محمد هاشم وحلمي النمنم أن المعرض الحالي في دورته الثالثة والأربعين سيشهد احتجاجات ومظاهرات بعد انفتاح المجال في ميادين التحرير بمصر ولكن الأيام المقبلة وحدها هي التي ستحدد ما إذا كان المعرض سيستمر كساحة احتجاج أم لا. وفيما يلي تسلسل زمني لأبرز الأحداث في معرض القاهرة الدولي للكتاب: 2000 عمرو خالد يبدأ في الظهور علي الساحة. شهد هذا العام أول ظهور اعلامي للداعية عمرو خالد، تبعته دعاية مكثفة ذاعت شهرته بعدها بشكل كبير وانتشر بشكل هائل في وسائل الإعلام وأصبح له تأثير سياسي حتي بحسب بعض المحللين الذين يعتقدون أنه عمل لصالح النظام لتحويل الإنتباه عن الفساد والإقتصاد الضعيف. 2003 تظاهرات واسعة مناهضة للحرب علي العراق. شهد هذا العام تظاهرات واسعة مناهضة للحرب الأمريكية علي العراق حيث تجمع المحتجون في ساحات المعرض إلا انتشار الأمن المركزي بكثافة حال دون خروجهم من المعرض. 2005 عام المعارضة: المفكر المصري الراحل محمد السيد سعيد يطلب من مبارك بجرأة اجراء اصلاحات سياسية في حوار كان أشبه بالصدام خاصة وأنه جاء قرب الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية ورد عليه مبارك بالقول "أنت متطرف"، وهو الأمر الذي لم يمر ببساطة حيث ألغيت بعدها كل الفعاليات التي كانت مقررة بالمعرض لمحمد السيد سعيد وشهد هذا العام حملة قمع واسعة علي المعارضين والمظاهرات. 2008 استقبال الداعية الإسلامي عائض القرني. للمرة الثانية خلال عقد واحد يستقبل المعرض داعية اسلامي كجزء من برنامجه الثقافي، حضر الندوة جمهور غفير وقد سببت استضافته ضجة كبري خاصة وانه لم يستضف في مكان ديني الأمر الذي تم الرد عليه بأن القرني جاء للإحتفال بكتابه "لا تحزن"، ودافعت الهيئة العامة للكتاب عن استقباله بالقول انها لم تكن جزءاً من برنامجها الثقافي. 2009 اغلاق المقهي الثقافي : فوجئ زوار المعرض باغلاق المقهي الثقافي ذي الديكورات المتواضعة كان المكان المفضل للمثقفين لعقد لقاءاتهم ونقاشاتهم رغم توافر أماكن أخري للمشروبات والطعام. أبرز أحداث 2010: مصادرة كتاب الروائي ادريس علي "الزعيم يحلق رأسه" عن القذافي. الجزائر تمتنع عن المشاركة بمعرض الكتاب. امتنعت الجزائر عن المشاركة بمعرض الكتاب كنتيجة لتداعيات الخلاف الكروي بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم عام 2009. آخر مقابلة لمبارك مع المثقفين. عقد الرئيس السابق مبارك آخر لقاء له مع المثقفين، اللقاء الذي تم الإعداد له بصرامة حيث أرسلت الدعوات إلى أناس بعينهم لإرسال رسالة واضحة مفادها أن الرئيس بصحة جيدة وسط الإشاعات التي شاعت عن سوء صحته في ذلك الوقت.