تحيي منظمة الأممالمتحدة اليوم، الأسبوع العالمي للفضاء لعام 2017، ويستمر حتى 10 أكتوبر الجاري تحت شعار"استكشاف عوالم جديدة في الفضاء". ويسلط موضوع هذا العام الضوء على بعثات الفضاء ذات البعد الإحيائي من مثل مهمة المسبار نيو هورايزون التي كانت أول بعثة لوكالة الفضاء (ناسا) إلى الكوكب القزم بلوتو وحزام كايبر. وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع العالمي للفضاء للاحتفال بمساهمات علوم وتكنولوجيا الفضاء في تحسين وضع الإنسان بموجب قرار الجمعية رقم 54/68 في ديسمبر 1999. وفي يوم 4 أكتوبر1957 تم إطلاق أول قمر صناعي من صنع الإنسان إلى الفضاء الخارجي وهو"سبوتنيك 1"، ما فتح المجال لاستكشاف الفضاء، كما أن 10 أكتوبر 1967 كان يوم دخول معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية الأخرى حيز النفاذ. إن استخدام علوم الفضاء وتكنولوجياته وتطبيقاتها يتزايد لدعم نطاق واسع من أنشطة الأممالمتحدة، وتستخدم 25 هيئة على الأقل من هيئات الأممالمتحدة ومجموعة البنك الدولي تطبيقات الفضاء استخداما روتينيا، وتقدم مساهمات مهمة وضرورية في بعض الأحيان، إلى عمل الأممالمتحدة بما في ذلك في مجال تنفيذ توصيات المؤتمرات العالمية الرئيسية. ووضعت وكالة الفضاء الأوربية (ESA) خطتها مؤخرًا لبناء قاعدة قمرية بحلول ثلاثينيات هذا القرن، وذلك بالاشتراك مع شركة فوستر وشركائها، وتم عرض المزيد من الطرق المقترحة لتأسيس عمليات التعدين على سطح القمر. ودرست وكالة ناسا خلال (2001- 2009) إمكانية إقامة قاعدة على سطح القمر، وذلك انسجاماً مع رؤيتهم الاستكشافية للفضاء وتضمنت الخطة بناء قاعدة على سطح القمر بين عامي 2019 و 2024، ومن أهم جوانبها استخدام المصادر المتوفرة في الموقع، لإنتاج الأوكسجين من الطبقات السطحية للتربة المحيطة بالقاعدة..إلا أن هذه الخطط ألغيت وأبدلت بخطة لإرسال بعثة مباشرة إلى المريخ وهي تعرف برحلة ناسا إلى المريخ. ورغم ذلك، وفي عام 2014، التقى وفد من ممثلي ناسا خلال ورشة عمل بعالمي الوراثة في جامعة هارفرد وهما جورج تشورش ، وبيتر ديامانديس لمناقشة خيارات غير مكلفة للعودة إلى القمر، ووصفت الأطروحات الخاصة بورشة العمل التي نُشرت في عدد خاص من مجلة فضاء جديد إمكانية بناء مستعمرة على سطح القمر بحلول 2020 بتكاليف تصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي فقط. ووفقاً لهذه الأطروحات، فإن بناء قاعدة بتكاليف منخفضة سيكون أمراً ممكناً ويعود الفضل في ذلك إلى التطور الذي يشهده قطاع أعمال البعثات الفضائية، وظهور صناعة فضاء جديد، والطباعة الثلاثية الأبعاد، والروبوتات ذاتية التحكم، إضافة إلى العديد من التقنيات التي طُورت مؤخراً. وفي شهر ديسمبر من العام 2015 أقيمت ندوة في المركز الأوروبي لبحوث الفضاء والتكنولوجيا تحت عنوان "القمر بين عامي 2020 و2030"، عصر جديد من الاستكشاف البشري والآلي المنسق ، عبر فيها "جان ورنر " المدير العام الجديد لوكالة الفضاء الأوربية عن رغبة الوكالة في إنشاء قاعدة عالمية على سطح القمر باستخدام عمال آليين والاستعانة بتقنيات الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد، إضافة إلى إمكانية استخدام الموارد في موقع العمل. وفي هذا السياق، نذكر أن هناك خططاً لوكالات فضائية أخرى لبناء قواعد على سطح القمر في العقود المقبلة، فقد أقرت وكالة الفضاء الروسية خططاً لبناء مستعمرة قمرية بحلول 2020، وكذلك الأمر بالنسبة لوكالة الفضاء القومية الصينية إذ اقترحت بناء مستعمرة كهذه ضمن الإطار الزمني ذاته. ومن المتوقع أن تستدعي جهود استكشاف الفضاء في القرن الحادي والعشرين كميات كبيرة من المواد، وفي حال استخرجت هذه المواد ستنطلق البعثات نحو الفضاء بتكاليف أقل بكثير في حال استخراج هذه المواد من على سطح الأرض، نظراً لانخفاض جاذبية القمر. وهناك كميات وفيرة من المواد الخام التي تعتمد عليها البشرية على سطح القمر، وتشبه كثيراً تلك الموجودة في الأرض، حيث إنها تتكون من صخور السيلكا ومعادن تتمايز في طبقات جيوكيميائية فريدة. وتعترض فكرة إقامة مؤسسات للتعدين على القمر بعضاً من التحديات، أحدها أن أي قاعدة على القمر ستحتاج إلى الحماية من درجات الحرارة السطحية، التي تتدرج من منخفضة جداً إلى مرتفعة، فتتراوح من -173.15 °C و116.85 °C عند خط الاستواء، ومتوسط درجة الحرارة في المناطق القطبية - 123.15 °C درجة مئوية، وهناك أيضا مشكلة التعرض الإشعاعي، فنتيجة الغلاف الجوي الرقيق جداً للقمر وافتقاره إلى حقل مغناطيسي، يتعرض سطح القمر لنصف كمية الإشعاع التي تتعرض لها الأجسام في الفضاء.. وهذا يعني أن رواد الفضاء والعمال على سطح القمر سيكونون عرضة لمخاطر التعرض للإشعاعات الكونية، وبروتونات الرياح الشمسية، والإشعاعات الناجمة عن الاندفاعات الشمسية. كما أن هنالك الغبار القمري وهو عبارة عن مادة زجاجية كاشطة إلى حد كبير تشكلت خلال مليارات السنين نتيجة الاصطدامات النيزكية الصغيرة على السطح، ونتيجة لغياب عوامل التعرية، لا يمكن احتواء غبار القمر فيجعل ذلك منه سبباً في خراب الأجهزة، وله تأثيرات ضارة بالصحة. وقد أثبتت الدراسات المتكررة بأن التعرض لجاذبية معدومة لفترات تصل إلى شهور يسبب انحلال العضلات وخسارة الكثافة العظمية، ويضعف أداء الأعضاء لوظائفها ويثبط الجهاز المناعي. وبالإضافة إلى ما سبق، فهنالك العقبات القانونية التي قد تواجه التعدين على سطح القمر، ويعود ذلك إلى معاهدة المبادىء التي تحكم نشاطات الدول في الاستكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، بما في ذلك القمر و الأجرام السماوية الخارجية التي تعرف باسم معاهدة الفضاء الخارجي فوفقاً لهذه المعاهدة، التي يشرف عليها مكتب الأممالمتحدة لشؤون الفضاء الخارجي ، لا تملك أي أمة الحق في امتلاك أراضٍ على القمر. وعلى هذا النحو فكلما أصبح التنقيب والتعدين على سطح القمر احتمالية أكثر وروداً، سيتعين وضع إطار قانوني يضمن أن الأمور تسير في طريقها الصحيح. ورغم أن الطريق قد يبدو طويلاً إلا أن التفكير بأننا قد نستخرج المعادن على سطح القمر لا يبدو أمراً غير عقلاني، وسيصبح القمر بموارده الغنية من المعادن بما فيها تلك النادرة على سطح الأرض، جزءاً من اقتصادنا، وقد نستطيع أن نبصر مستقبلاً يتميز بوفرة المعادن بعد ندرتها.