في المطار مكثنا أكثر من 8 ساعات؛ في انتظار إشارة أو خبرٍ سعيدٍ عن إقلاع الطائرة الخاصة بنا نحو ليبيا؛ ساعات تتعاقب لا حس ولا خبر؛ حتى صار السفر في حد ذاته؛ أمرًا مشكوكًا فيه! بعضهم انسحب، وقال هذه رحلة غير مأمونة العواقب؛ وأغلب الظن أن الطائرة لم تنطلق بسبب عدم جاهزية المطار الذي سيستقبلها هناك.. والبعض أبدى شجاعة ونطق بالشهادة وصمد للنهاية؛ حتى أبلغه الضابط المختص أن اسمه غير وارد في قائمة الأسماء التي أجازتها الموافقات الأمنية، وبالتالي صار رجوعه إلى بيته منتصف الليل؛ وخروجه من صالة المطار أمرًا وجوبيًا غرائبيًا لافتًا؛ فتح باب الحكايات بين الزملاء الباقيين عن أغرب قصص النصيب والقدر والسفر.. وما تدري نفس بأي أرض تموت! كانت رحلة عبقرية المفاجآت والإثارة والكوميديا.. أفراد فرقة الموسيقى العربية على الطائرة كانوا مشغولين بمراجعة أسماء الأغاني المطلوب منهم تقديمها هناك في حفلات المهرجان؛ وكيف يعوضون النقص الذي سببه غياب الطبال وعازف الكمان والقانون الذين عادوا من المطار ومنع سفرهم بسبب سن التجنيد! بعض الزملاء كان مهتمًا بجمع المعلومات، والبعض يسأل عن العشاء.. والبعض يبدد الملل بالحديث في الفن والشعر وكتب وروايات الشباب. كان معنا الناشرون والموزعون المشغولون تمامًا بإجراءات نقل وشحن كراتين فيها مئات الكتب؛ وكالعادة يفكرون ويتحدثون عن فرص بيعها في معرض بني غازي خلال المهرجان. أقلعت الطائرة في النهاية.. وكانت رحلة ليلية بدت طويلة، لكنها مستقرة، والعَشاءُ كان ساخنًا وجيدًا ومبشرًا بالمناسبة. وأخيرًا.. قالوا لنا إننا وصلنا.. مبدئيًا هبطنا في (مطار بنينا)، وهذه أول طائرة مدنية تصل هذه المدينة منذ 3 سنوات؛ لذا وجب علينا أن ننزل إلى المستقبلين الذين جاءوا إلينا بالورد والكاميرات وكل أشكال الاستقبال الإنساني والرسمي الحار الطريف أني شاهدت نفسي فيما بعد في النشرات الإخبارية على القنوات الليبية؛ أحمل باقة الورد الكبيرة، وعلى ملامحي منتهى الفرح والحماس؛ ولم يكن يظهر على شكلي أو أدائي؛ أي علامة على المرض أو الحزن أو التعب الشديد الذي كنت أعانيه في بيتي قبل السفر، لقد انتقلت لي تمامًا مشاعر الحماس والإخلاص الذي يطل من العيون التي استقبلتنا وأحاطت بنا.. ومن هنا بدأت المهمة المقدسة.. مهمة إنسان اختاره الحظ والقدر لكي يبث للآخرين رسالة سعادة ومساندة وتشجيع في أشد أوقات الكرب والحرب والعزلة.. من يقول إني بمثل الحالة الصحية والنفسية التي كنت عليها في بيتي أصلح لتلك المهمة أو لأي شيء؟؟؟ لكنه ما جرى بالفعل! توالت الأحداث... واصلنا السفر إلى بني غازي؛ نزلنا بفندق تم تخصيصه لإقامة الوفد المصري وحده حفاظًا على الدواعي الأمنية المشددة. وهناك دخلت حجرتي المطلة على البحر ومعي باقة الورد الكبيرة التي لازمتني كصديق حميم حتى اليوم الأخير في الرحلة. كان دوي الصواريخ وإطلاق النار وانفجار الديناميت مسموعًا كأقرب ما يكون من ذلك الفندق الذي خصصوه لإقامتنا في بني غازي. في الصباح الباكر؛ كنت أستيقظ على ضربة قوية لصاروخ يبدو أنه سقط فوق سقف الحجرة التي أنام فيها؛ ولسبب لا أعرفه كان الصاروخ يرتطم بقوة في السقف؛ تمامًا فوق رأسي فأستفيق فزعة وأتأمل السقف بدهشة.. لأن الصاروخ لم يثقبه؛ ويسقط؛ مكملًا رحلته المنطقية تجاهي.. يا سبحان الله.. لنا عمر.. هناك متسع ليوم جديد.. فهيا بنا نحسن استغلال اليوم الجديد هيا بنا إلى المطعم! (نكمل باقي أحداث الرحلة في الحلقة المقبلة - تابعونا الأسبوع المقبل)