أبوبكر عبدالسميع حالة الفكر والتفكير في المجتمع المصري، بين المثقفين والمتعلمين، وبين مستوى ثقافي قليل ومستوى تعليمي متواضع.. بين العامة والعامة، بين الدهماء والديماجوج، بين كل حركة مجتمعية تدب على الأرض، وبين كل حراك مجتمعي يتفاعل في جمل المناقشات، رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا. حالة جماعية تتواتر وتتوارد ذرافات ووحدانا، أصبحت في غالبها الكمي وقالبها الكيفي، تركيبة أغاليط وفواصل أباطيل، كلام طواف بشذوذ الفهم، وبنشوز يبتعد عن قول الحق، وأسمار أقاويل يركبها غلط في صح، ونغم في كلمات أغنية صوتها عذب، وكلامها علقم، كلمات مترامية الأطراف، بابتعاد خطوات ركوبًا على ظهور مطايا عليها أجولة متسخة بالمحمول بالهراء المعسول. كلام مشوه نحيف وغليظ، بجدله غير المنطقي، ومتحفز يلاعب العقول ويراود القلوب بالغواية، يتمخطر فوق جسور خداع دائم، تغليب اللا منطق علي المنطقي، حالة يتعاطى فيها سفور الفكر بمراء العري بلا حياء، بسفاهة العناد وفي الجهل كل العند. وقديما قالوا: العناد يورث الكفر؛ نعم هو كفر بتغطية العقل ودفن التفكير في لحد التغييب و-التغفيل- وهي حالة فكرية يختفي عنها نقاب الحرص بجمال الحياء وورع الاستحياء، كلام غالبه عارٍ عن الصحة، هدفه الانتصار لرأي صاحبه بالقتل لكلام الآخر، قتل نفسي بمعركة تدور في فكر العقل الخرب للمنطق، فقد تحول فرض الرأي على الآخر؛ إلى حرب مستعرة بلا هوادة، حرب أشد خطورة ووعورة وضراوة من حرب تدار بالسلاح المادي، فهي معركة يعجز الشيطان عن وضع خططها في غرفة عمليات وسوسته. فطرق المناقشات بين الناس في كل مكان، وفي أي موضوع، وتحت أي مسميات صارت عصبية المزاج، غرائبية الصادر والوارد، لغة حادة، لغة جافة، لغة خشنة لا تلين ولا ترق بل تغلظ وتخشن وتتخشب وتعنف، بجنون تفكير؛ تضيق بزحام التراكم العشوائي، زحام همجي متخبط ومرتطم بهجوم كاسح ومعه أسلحة حداد مشرعة بالكلم المغلوط بقصد الإفساد والإضرار وخلخلة المجتمع واستقطابه، استقطاب حراكه واحتلال منصات مجالسه واقتحام دياره وفرض واقع مزيف. كل مناقشات المجتمع المصري، في نسبتها الكبرى باتت خارجة عن النص المنضبط، وجارحة للفكر المستنير، بعيدة كل البعد عن قول الحق بهدف إرباك المقصود من صيرورة المعاني ابتغاء التربص شرًا بالمجتمع، أمثلة كثيرة من هذا الفكر المتعطش للغة زاعقة يؤطرها كلام طائش متطاير وطائر بلا أجنحة في سماء حديث المجتمع وعلي جغرافية أرضه. ففي المواصلات العامة، وفي الأندية، وفي دواوين الحكومة والقطاع الخاص، وعلى المقاهي وفي كل تجمعات تجد روابط فكر السوء تضمها أشجار بغابة فكر عقيم، ملتفة الأغصان والفروع تعلوها رءوس شياطين. فمن يضبط الفكر المصري، ومن يصونه بانضباط المجادلة المتفاعلة بالتي هي أحسن، بإبعاد لغة التخوين، بإسقاط منطق - المكارثية - والمطاردة على الهوية؟ من يضبط سوء ذلك بالاحتكام إلى السليم من الكلام الحق؟ من يقبض على رقبة الفوضى الكلامية والمناقشات المتطاحنة والمتشاحنة؟ من يخرج ليعلي من قيمة جاد النقاش وسبيله؟ الحالة تحتاج إلى من يشمر ساعد الجد لينقذ المجتمع. علي علماء الاجتماع والنفس والسياسة والاقتصاد والتربية والتعليم وعلماء الدين؛ المبادرة بالتصدي لهذا المأزق المجتمعي الخطير، والمنحنى المنذر بالسقوط – حتما - إن بقي الوضع السلبي على حال سبيله.. أسباب كثيرة وراء الفوضى الفكرية، أسباب يمكن حصرها وعد سلبياتها، ويمكن وصفها ووضع طرق لعلاجها. أنقذوا المجتمع.. أدركوه قبل مرحلة التصادم المدوي المدمم، وما ينتج عن ذلك من مصائب، اجعلوا إشارات المرور السلمي للفكر والتفكير تمنع كل مخالفة للسير المجتمعي. الحلول كثيرة والخطط متنوعة والخطوط محاور طريق، إما اتصال بتلاق وإما انفصال بطلاق، مطلوب مؤتمر قومي ليناقش تلك الحالة الفكرية المتردية بحديث الإفك والفتن، مطلوب عمل خلخلة للمبنى السيئ المشوه للخلق والقيم، فإعادة البناء على أصول فكرية ثابتة فرعها في علو سماء المجتمع المزينة بنجوم الأفكار السليمة اللامعة فريضة غائبة وجبت أولويات عودتها وحضورها، فهل نجعلها فريضة فكر وتفكير؟