يؤكد الأثريون أن صعوبة كتابة اللغة المصرية القديمة على أجهزة الكمبيوتر تكمن في عدة أمور، منها أنه لابد من معرفة ماذا تُمثل العلامة للبحث عنها في التصنيف الصحيح. فمثلًا علامة الرجل الجالس هي أول علامة في علامات أشكال الرجال A1. ثم يتم إدخال كود العلامة (A1) لكتابتها كما أنه يوجد بعض العلامات المشهورة التي يمكن كتابتها حسب نطقها الصوتي مثل كلمة عنخ (مفتاح الحياة) وكلمة رع (قرص شمس). كما أن هناك أكثر من علامة لها نفس النطق الصوتي مثل علامة (سا) مثلًا، فلها 7 أشكال مختلفةً في المعنى وبعد تجاوز كل تلك المعاناة في الكتابة في هذه البرامج، نأتي لأسوأ ما في الموضوع، ألا وهو أن ما تم كتابته لا يتم إدخاله في برنامج الكتابة "وورد" كنص بل يتم تصديره كصورة من برنامج اللغة, وكما هو معروف فإن الصورة لا يمكن تنسيقها كالنص، فمثلاً من الصعب جدًا التحكم بحجم الصورة (الهيروغليفي) لتتناسق وتتناسب مع حجم النص حيث لا يمكن تنسيق الصورة (الهيروغليفي) بنفس الطريقة. لهذه الأسباب كان يتحاشى كاتبو الكتب الأكاديمية والرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراه مزج النص الهيروغليفي بأي لغة أخرى سواء عربي أو إنجليزي في نفس السطر. كما يؤكد الأثري هاني ظريف ل"بوابة الأهرام" لافتًا إلى أنه كان أمرًا شاقًا وعسيرًا وبالغ الصعوبة من الناحية العملية. ويضيف "ظريف" أنه في 10 إبريل من عام 2007 قام كل من ريتشموند وايفرسون بتطبيق الكود العالمي الموحد على اللغة الهيروغليفية، وهو الأمر الذي جعلها لغةً معياريةً قياسيةً عالمية تتفهمها جميع الحواسيب باختلاف أنظمة تشغيلها "ويندوز"، "ماك"، "لينكس". وكانت هذه هي النواة الأولى لأن يُصبح بالإمكان ولأول مرة كتابة النصوص الهيروغليفية بدون استخدام أي من برامج الكتابة القديمة, حيث تم تخصيص رقم خاص ومميز لكل علامة. بل والأهم أنه أصبح هناك إجماع عالمي على طريقة كتابة هذه اللغة القديمة مثلها مثل اللغات الحديثة تمامًا. يضيف "ظريف" أنه لابد من التعرف على بعض أساسيات اللغة المصرية القديمة، والتي تعرف خطأ بالهيروغليفية. فهي لغة لها سمات خاصة من حيث طريقة كتابتها. وهي تتكون من عدد يتجاوز 7000 علامة. وبسبب هذا فقد تم تقسيم العلامات طبقًا لتصنيفها، مثل: أشكال الرجل، المرأة، الإلهة، الإلهات، الحيوانات، النباتات، المباني، الأثاث، التيجان، الملابس، الأدوات، ... الخ. وهو ما يعرف اصطلاحًا بقائمة علامات "جاردنر", من حرف A إلى حرف Aa, أو ما يعرف اصطلاحًا باللغة المصرية القديمة في العصر الوسيط. أما العلامات التي لا توجد في قائمة جاردنر فنستخدم لها كود خاص لكتابتها هو MDC. العلامات في المصرية القديمة لا يتم كتابتها إلى جوار بعضها البعض، بل كان المصري القديم حريصًا أشد الحرص على الشكل الجمالي للعلامات المكونة للكلمات، وكذلك على شكل المساحة التي تشغلها هذه العلامات (بدون ترك فراغات قدر الإمكان)، فهي عادةً تُكتب بحيث ما تُكون كل كلمة شكل مربع أو مستطيل وهمي خاص بها، وهو الأمر الذي يُسهل قراءتها. فهي لغةً تُكتب ك "مجموعات من العلامات" خاصة بكل كلمة بطريقة تقليدية اصطلاحية ذات قواعد متعارف عليها في تنسيق العلامات داخل الكلمات، ولهذا فبرامج الكتابة تستخدم نظامًا خاصًا لوضع العلامات معًا. في أكتوبر 2009 تم إدخال قائمة علامات جاردنر في هذا الكود العالمي الموحد ليولد في أخر أيام عام 2009 أول خط للكتابة في برنامج "وورد" على يد مارك جان نيدرهوف. وهذا الخط كان أول الغيث حيث لم يتضمن جميع العلامات (أكثر من 7000 علامة) بل على أكثرها شهرةً واستعمالًا (حوالي 1000 علامة). والمثال التالي يوضح الفرق بين علامة الرجل الجالس والتي هي أول علامة في علامات أشكال الرجال A1، مكتوبة كخط (نص) سميك إلى اليمين، وكصورة إلى اليسار. وأوضح ظريف أنه لم تقتصر الفائدة على مجرد الكتابة بالخط بدلًا من استخدام الصور بما تمتاز من سهولة وبساطة ويسر ومرونة بل تتعداها بكثير، فمثلًا يمكن البحث عن كلمة في النصوص الكبيرة الطويلة مثل نصوص الأهرام على سبيل المثال. كما يمكن أيضًا استبدال كلمة بأخرى. أو إحصاء عدد مرات تكرار اسم معين لإله مثلًا ... الخ، وغير ذلك من مميزات. حيث كانت الخطوة التالية هي إكمال باقي العلامات (حوالي 6000 علامة)، ليصبح الخط متضمنًا جميع علامات اللغة الهيروغليفية، وهو ما تحقق لاحقًا بعد 3 سنوات فى عام 2012 على يد جورج دروس. في عام 2013 أصدرت شركة "جوجل" خطًا خاصًا باللغة الهيروغليفية، مما فتح الباب على مصراعيه لانتشار الخط، بل تعداه الأمر ليصبح متاحًا لمواقع الإنترنت فيما يعرف اصطلاحًا باسم خط الويب، أي أصبح بالإمكان البحث عن النصوص الهيروغليفية، مثلما نبحث باللغة العربية في مواقع الإنترنت، وهو ما يعد اعترافًا صريحًا من العملاق "جوجل" بمدى انتشار هذه اللغة القديمة الميتة (لغةً غير حية). وأكد هاني ظريف أنه مع تنامي عدد مستخدمي خط "جوجل" حذت حذوها عملاق البرامج شركة "ميكروسوفت"، ففي نهاية شهر يوليو 2015 مع إصدار النسخة الأخيرة من نظام تشغيل "ويندوز" 10 ضمنته خطًا خاصًا باللغة الهيروغليفية، ففتح هذا الأمر الآفاق الرحبة عالميًا لانتشار لغتنا المصرية القديمة، لافتًا إلى أنه رغم كل هذه الخطوات الجبارة من العملاقين "جوجل" و"ميكروسوفت" إلا إنه لا تزال هناك مشكلات لم تُحل بعد، لإيجاد طريقةً سهلةً للكتابة، مثلما يحدث عند البحث على الإنترنت أو استخدام الموبايل في الكتابة حيث يتم تخمين الكلمة بمجرد إدخال بعض حروفها, و تصحيح ما بها من أخطاء إملائية، بل وتحاشيها. وهذا كان التحدي الأكبر الذي استعصى على الحل طوال تلك السنوات. هُناك وجه شبة كبير بين اللغة الهيروغليفية واللغات اليابانية والصينية والكورية من حيث عدد الرموز الكبير للغة. وهذه اللغات الحديثة الحية تُكتب على الحاسوب بطريقة الصوتيات (نطق العلامة)، وبمساعدة القاموس اللغوي يمكنك إكمال الكلمة وتصحيحها إذا كان بها أخطاء إملائية. فلهذا استغل هذه الفكرة عالم اللغويات الشاب الياباني "سو" باختراعه لطريقة ثورية جديدة للكتابة مماثلة لما هو موجود في اللغة اليابانية، وكان ذلك في نهاية شهر مارس من عام 2015، حيث تمت الكتابة بالنطق الصوتي للرمز لأول مرة، وإذا كان هناك أكثر من رمز بنفس النطق الصوتي يمكن التبديل بينهما بالأسهم أو مسطرة المسافات لاختيار الرمز المطلوب. وأوضح ظريف أنه رغم كل تلك الخطوات الرائدة لكن المستقبل الباهر المتوقع للغة كان لا يزال يعاني من مشكلة أساسية، كانت ولاتزال موجودة. حيث إن العلامات كانت لا تزال تُكتب إلى جوار بعضها البعض، وليس بالطريقة المتعارف عليها ك "مجموعات من العلامات" خاصة بكل كلمة، بحيث ما تُكون كل كلمة شكل مربع أو مستطيل وهمي خاص بها. وكان عالم اللغويات الشاب الياباني "سو" يبحث عن هذا الحل طويلًا ليأتي له به الشاب التركي مروان كيلاني بأكسفورد ليولد مشروع "سنوحى" في أول شهر يوليو 2016 م وهكذا أصبحت اللغة المصرية القديمة لغةً متكاملة الأركان سواء على الحاسوب أو الإنترنت. 150 عامًا على أقدم خط طباعي.. تعرف على كتابة الهيروغليفية بالكمبيوتر | فيديو