لاينسى الجيل الكبير رحلات الصيف الجماعية ل"الإسكندرية ومرسى مطروح وبلطيم وجمصة ورأس البر"، ولم تكن على الخرائط شرم الشيخ، بحكم أنها كانت ممنوعة وتحتاج لتصريح خاص، ولا "مرسى علم"، ولا "الغردقة"، ولا "سفاجا"، و من النادر أن يذهب المصري لتلك الأماكن في أيام الخمسينيات وبعدها. كانت تلك المناطق في معظمها مناطق عسكرية مغلقة، وكانت أسماء سيدي بشر بالإسكندرية جاذبة للطبقة الوسطي، فأصبحت سيدي بشر 1 و2، وبعد قليل ارتقى الأمر بإنشاء شاطئ "ميامي" و"العصافرة"، و"أبوقير"، وكلها كانت شواطئ مفتوحة بدون أسوار، وبالطبع كانت المنتزعة للصفوة؛ حيث القصر الرئاسي والكبائن لكبار رجال يوليو وما بعدها، وعندما شعرت السلطة بتطلع الناس لأسوار المنتزه، قررت إنشاء المعمورة الملاصقة لأسوار المنتزه الفخمة التي أنشأتها الأسرة العلوية. وكان أن فتحت شركة المعمورة باب الحجز للشقة وقتها بنحو ألفين من الجنيهات، وللخصوصية أنشأت بوابة دخول وأخرى للخروج، وبتصاريح وامتدت المعمورة وأصبحت شبه مدينة مصيفية مغلقة، صارت حلمًا وشغفًا للمصريين يحجون إليها للمشي والتسكع بطول شارع الكورنيش طوال الليل والنهار، والتلصص على الطبقات الجديدة، وشهدت المعمورة طفرة كبيرة في الإيجارات بالآلاف كانت محل دهشة وقتهاٍ. وهكذا أصبحت المصايف شاهد إثبات على تطور الساحة الداخلية والاستثمارات الجديدة، وكانت السلطة هي تبدأ وتعطي إشارة البدء، وكان الذكي من يتلقى الرسالة ويشرع في البناء على خطى الحكومة، وعندما ضاقت الإسكندرية بشواطئها على المصطافين اتجهت الحركة شمالًا نحو العجمي، وتم إنشاء "بيانكي" و"الهانوفيل". ولأول مرة تشهد الشواطئ أبراج وناطحات سحاب، وبعض الشواطئ الخاصة المغلقة على روادها، وقاطني الوحدات بها، وكانت هي البداية لإقامة الأسوار بطول الساحل الشمالي فيما بعد، وبعدما ضاقت العجمي وأصبحت مدينة متكاملة والتحمت بالإسكندرية، وصارت كأي مدينة تعمل صيفًا وشتاء، بعدما تم استغلال الوحدات الشاطئية كسكن للناس طوال العام، فكرت الحكومة في إنشاء قرية شاطئية، وكانت "مراقيا" التي سارع كبار رجال الدولة والصفوة بالحجز فيها، وكانت حديث المدينة، وكان البعض يتفاخر بأنه من رواد "مراقيا"، وكنت ترى مجلس الوزراء وكبار المثقفين على الشاطئ هناك أيام الإجازات، خاصة أنها قريبة جدًا من استراحة برج العرب التي كان يفضلها الرئيس السادات، ومثلما حدث مع العجمي والمعمورة راح بعض القاطنين ب"مراقيا" يؤجرون وحداتهم للمشتاقين لنادي "مراقيا"، هجمت الشركات والبنوك وبعض الهيئات على التصييف هناك، فتغيرت ملامحها ولم تعد مصيفًا للصفوة، فراحت وزارة التعمير بإنشاء قرية "ماربيلا" على نفس نمط "ماراقيا"، مستغلة النجاح المذهل والتطلع الطبقي للانضمام للصفوة. وكان أن انتهى الحجز في ساعات، وما بين "ماراقيا" و"ماربيلا" نشط القطاع الخاص في التقليد بإنشاء القرى الشاطئية، وظهرت العشرات منها، والغريب أن الجامعات – مثلا - قامت بإنشاء قرى خاصة بها والهيئات الأخرى والمهنيين؛ كالمحامين والصحفيين والدبلوماسيين، بل وأنشأ اتحاد العمال قرية كبرى ملاصقة ل"مارينا"، وكذلك فعلت الداخلية، وأقامت قرية اللوتس حتى تم اعتماد الساحل الشمالي النصفي الرسمي للمصريين، فقامت وزارة التعمير بإنشاء المشروع الضخم والأروع بتخطيطه وبحيراته وخدماته "مارينا" علي طول 16 كيلو، وأصبحت هي درة التاج وقبلة المصريين والعرب والملتقى للآلاف؛ سواء من سكانها أو الزائرين، وللحقيقة فقد كان الوزير حسب الله الكفراوي من الذكاء بحيث نجح في الحصول علي أسعار خيالية وقتها للوحدة؛ ليقيم للفقراء آلاف الشقق، ومن حصيلتها تم إنشاء الطريق الدائري، وأصبحت الوحدات هناك بالملايين، وما حدث ل"ماراقيا" و"ماربيلا" حدث ل"مارينا"، بعد إنشاء قرى لصفوف الصفوة "مراسي" و"هاسيندا" و"تلال" و"لافيستا"، وتجمع النجوم بتلك القرى، وهجر الكثيرون مارينا طلبًا للالتحاق مع الطبقة الجديدة، ولسوف تستمر مسيرة المصريين مع الهجرة للشمال على الشواطئ حتى يصلون ل"السلوم"، ولكن الأهم أن يتكرر الأمر نفسه مع شواطئ سيناء الشمالية، من بئر العبد حتى رفح، ولما لا فالمصريون على دين شواطئهم.