د. خالد الربيع لم تكن "تيريزا ماي" رئيسة وزراء بريطانيا بأفضل حال من سلفها "ديفيد كاميرون" الذي راهن على البقاء في الاتحاد الأوروبي، وذلك عندما قام بعمل استفتاء عام بتاريخ 23 يونيو 2016م وسط استطلاعات كانت تشير إلى أن أغلب الشعب البريطاني يؤيد البقاء في منطقة اليورو، بالإضافة إلى هروب "كاميرون" من حزب الاستقلال الشعبوي المعادي لأوروبا "يوكيب" إلا أنه خسر الرهان، وبعدها تقدم باستقالته من رئاسة الوزراء.
المغامرة السياسية التي خاضها حزب المحافظين للمرة الثانية في أقل من عامين برئاسة رئيسة الوزراء الحالية "تيريزا ماي" عندما أقدمت على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة؛ وذلك في الثامن من يونيو عام 2017م، كان الهدف منها الحصول على أغلبية مطلقة (326 مقعدًا من أصل 650 مقعدًا) في البرلمان المقبل، وأن تكون بريطانيا أكثر قوة واستقرارًا في مواجهة التحديات المقبلة، وكان من أبرز هذه التحديات المفاوضات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"البريكست"، ولكنها أفرزت برلمانًا أكثر انقسامًا؛ وهشاشة عندما فشلت في الحصول على الأغلبية في البرلمان.
السؤال المهم: ما الذي دعا رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي إلى خوض انتخابات مبكرة وهي التي تملك أغلبية في البرلمان الحالي؟
رئيسة الوزراء الحالية "تيريزا ماي" التي أيدت بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كانت تردد دائمًا "أن البقاء في الاتحاد الأوروبي يجعلنا أكثر أمنًا، وأكثر أزدهارًا وأكثر تاثيرًا خارج حدودنا" أسند إليها منصب رئيس الوزراء في 13 يوليو 2016 من قبل قصر بكنغهام خلفًا لديفيد كاميرون المستقيل.
إن لجوء "تيريزا ماي" إلى الانتخابات المبكرة يعود إلى عدة أسباب من أهمها: أن مراكز استطلاع الرأي وخصوصًا مؤسسة "يوغوف" كانت ترجح فوزها في الانتخابات المقبلة للحصول على الأغلبية المريحة لتكون سندًا لها في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي والذي يستمر لعامين كونها لم تصل لرئاسة الوزراء عبر انتخابات عامة، وبالتالي فإنها تفتقر إلى تفويض شعبي، والسبب الآخر أن حزب العمال وهو المنافس التقليدي والذي يترأسه "جيريمي كوربين" في أضعف حالاته، وذلك بسبب انقسام الكتلة النيابية للحزب؛ حيث إن رئيس الحزب أعاده إلى جذوره الاشتراكية، وابتعد به عن برنامجه الوسطي، بالإضافة لفوز حزب المحافظين في الآونة الأخيرة بالانتخابات المحلية، والدوافع غير المعلنة هو تأجيل مطالب الأسكتلنديين بإجراء استفتاء على الاستقلال.
يبدو أن من راهن على مزاج الناخب ومراكز الاستطلاع خسر الرهان، من المؤكد أننا أمام ظاهرة الناخب المحتج الذي يريد معاقبة الأحزاب، كما شاهدنا فى الانتخابات الأمريكية عندما صوت إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وماكرون الرئيس الحالي لفرنسا الذي يعتبر من خارج الأحزاب الفرنسية العريقة، بل استمرت هذه الظاهرة في الانتخابات البرلمانية المبكرة في بريطانيا عندما أفرزت مايسمى "بالبرلمان المعلق"، وهو عدم حصول أي من الأحزاب المشاركة في الانتخابات (كحزب العمال، وحزب المحافظين، حزب الديمقراطيين الليبراليين، وحزب الخضر، وحزب الاستقلال، وحزب الوحدوي الديمقراطي الأيرلندي) على الأغلبية المطلقة الذي تساعدهم في تشكيل الحكومة بمفرده في المرحله المقبلة.
وبالتالي فإن أمام حزب المحافظين ثلاثة من الخيارات: "حكومة أقلية، أو تشكيل ائتلاف من عدة أحزاب، كما حدث في انتخابات 2010م؛ حيث شكل المحافظون ائتلافًا مع الديمقراطيين الأحرار أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة".
على مايبدو فإن تيريزا ماي لم تستمع إلى جميع آراء السياسين المطالبين باستقالتها، سواء داخل حزب المحافظين أو حزب العمال؛ فهى مقدمة على تشكيل "حكوكة أقلية" مع الحزب الوحدوي الديمقراطي الذي يوصف بأنه أكبر حزب سياسي فى إيرلندا الشمالية، ويعارض الانفصال عن المملكة المتحدة والذي سبق للحزب أن شكل حكومة أقلية عام 1996-1997م.
إن متاعب تيريزا ماي لن تتوقف عند تشكيل حكومة أقلية والتي ستكون في أغلب الأحيان حكومة هشة، بل إن الأحزاب الأخرى في البرلمان سوف تضع العراقيل أمامها عندما تحاول تمرير القوانين والتشريعات، وكذلك قدرتها على تعديل التشريعات البريطانية التي كانت منسجمة خلال 43 سنة مع تشريعات الاتحاد الأوروبي، وملف الرعاية الصحية للمسنين هذا في الشأن الداخلي، أما على الصعيد الخارجي وخلال تفاوضها على الخروج من "البريكست" فسوف تواجه ببعض المعوقات وهي الإبقاء على المراكز المالية المؤثرة في بريطانيا وعدم انتقالها إلى مناطق أخرى، ومدى قدرتها على تعويض السوق الأوروبية التي يتجاوز عدد سكانها 650 مليون نسمة بأسواق بديلة، مع عدم اقتصارها على السوق البريطانية التي لا يتجاوز عدد سكانها 70 مليون نسمة، والوفاء بالتزامات بريطانيا أمام الاتحاد الأوروبي التي تقدر ب60 مليار يورو حتى عام2020م، ومسئوليتها تجاه مكافحة الإرهاب الذي ضرب في مانشستير ولندن مؤخرًا.
والوصول إلى أتفاق مشرف مع الاتحاد الأوروبي خلال العامين المقبلين، كما نصت عليه المادة 50 من اتفاقية تأسيس الاتحاد.
لكن، وكما يبدو، فإن بريطانيا مقبلة على مرحلة جديدة ستغير لا محالة خارطة السياسة الداخلية والخارجية لهذا البلد؛ حيث خلطت أوراق السياسية البريطانية مع البريكست. كاتب المقال: (خبير علاقات دولية) [email protected]