حين كانت تشعر بالاختناق والضيق من زحام المدينة، اعتادت فاطمة عبد الباسط، الباحثة في مجال البيئة، أن تسافر إلى مدينة سانت كاترين، التي تشعر فيها بالهدوء والسكينة، لدرجة أنها طلبت النقل من قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة للعمل بمحمية سانت كاترين. تصعد فاطمة إلي قمة جبل كاترين الذي يصل ارتفاعه إلي 2.629 متر فوق سطح البحر، وتسير مسافة 7 كيلو مترات، لتصل إلي القمة، وتتوجه إلي الله بدعائها، فصفاء الجو والهدوء والروحانية التي تتسم بها كاترين سببًا في السكينة التي تبدو على ملامح فاطمة. في قلب جنوبسيناء، وعلى ارتفاع 1600 متر فوق سطح البحر، تقع سانت كاترين، أعلى الأماكن في جنوبسيناء حيث تستقر 7 قبائل بدوية. كاترين.. تلك الهضبة المرتفعة التي تحيط بها جبال شاهقة، هي خامس أكبر محمية في مصر، تبلغ مساحتها حوالي 4350 كم2، وأعلنت محمية عام 1988. مناخ كاترين معتدل صيفًا شديد البرودة شتاءً، تتساقط عليها الثلوج وهو أمر غير معتاد في مصر، هذا الجليد الذي يجذب إليها السائحين خلال الشتاء. منظمة اليونسكو صنفت سانت كاترين ضمن أفضل المدن حفاظًا على التراث الثقافي العالمي عام 2002، حيث تضم مزارات للديانات السماوية الثلاث، أهمها دير سانت كاترين وجبل موسى بالوادي المقدس. تقول فاطمة، إن أكثر ما يسعدها استقبال الأفواج التي تزور المحمية في رحلات مستمرة، سواء كانت مدارس أو جامعات أو حتى وفود أجنبية، لتحكي لهم تاريخ المحمية والآثار والمقدسات التي تتجمع داخلها في "لوحة فنية" تجمع الديانات الثلاث، وكان للمسيحية فيها نصيب الأسد. طبيعة "كاترين" الخاصة ومعالمها الفريدة، جعلت منها منطقة ذات طبيعة خاصة، حيث سُمي جبل كاترين بهذا الاسم تخليدًا لذكرى القديسة كاترين، التي ولدت في القرن الثالث الميلادي بالإسكندرية، وعاشت عمرها تبشر بالمسيحية، وقتلها القيصر مكسيميانوس، وبعد استشهادها بخمسة قرون قال أحد رهبان سيناء إنه رأى جثمانها تحمله الملائكة فوق الجبل، ووضع الجثمان في كنيسة التجلي في دير الإمبراطور جوستنيان، وانتشر كلام الراهب حيث سميت المدينة باسمها بعد ذلك. أرساني مجدي تستشعر فاطمة الروحانيات، حين تصعد إلى قمة جبل كاترين، فصفاء الجو والهدوء يكسبها راحة نفسية غريبة، فتتوجه إلي مصلى القديسة كاترين، في المكان الذي وجد فيه جسدها، وبالقرب من المصلى، يوجد حجرتان، حيث يبيت الزوار، كما يمكن تسلق الجبل من ممر قام أحد كهنة الدير ببنائه. تتعامل فاطمة بُحكم إقامتها المؤقتة بمحمية سانت كاترين مع الأهالي، وهم أكثر من10 آلاف ينتمون لسبع قبائل، يعمل معظمهم في الزراعة والرعي، والسياحة. كاترين يحدها من الشمال محمية طابا ومن الجنوب محمية رأس محمد ومدينة شرم الشيخ، ومن الشرق محمية نبق وأبو جالوم ومن الغرب سهل القاع . الغطاء النباتي الذي يكسو أراضي محمية سانت كاترين، أهم ما يميزها، حيث تحتوى على 17 نوعًا نباتيًا هي موطنه الأصلي، تلك النباتات يستخدمها البدو في علاج العديد من الأمراض، ومتمرسون في طريقة استخدامها، فالبرداقوش يعالج أمراض الصدر، ونبت السمو يعالج السكر، ونبات الحرجل يعالج أمراض الكلى. سانت كاترين كما تضم سانت كاترين تنوعًا حيوانيًا كبيرًا فهناك 12% من الطيور البرية في مصر توجد داخل المحمية، كعصفور الورد السيناوى كما تحتوى على العديد من الفراشات النادرة، مثل، فراشة الجباليا وفراشة سيناء الزرقة، التي تنافس على لقب ثاني أصغر فراشة في العالم وهى توجد على عروش جبل الصفصافة، وفقًا لفاطمة. تتنوع السياحة بمحمية سانت كاترين من الدينية، التي تتمثل في دير كاترين، وهو من أقدم أديرة العالم، إلى البيئية التي تشمل رحلات تسلق الجبال والتخييم في الصحراء. اشتهرت سانت كاترين، بالحرف اليدوية، أبرزها، أعمال الحياكة والتطريز وصناعة الحُلي، وهذا ما شجع وزارة البيئة على تنظيم حملات توعية لتعليم أهالي كاترين سبل رعاية المحمية، وكيفية الاستفادة منها. جبال سانت كاترين ترى فاطمة أن "مركز الزوار" من أهم الأبنية بمحمية سانت كاترين الذي يضم غرفا عديدة، كل منها يحاكي أجزاء من النظام الذي تتميز به كاترين (نبات-حيوان-طبيعة جيولوجية-سكان محليين-غرفة خاصة للبدو-غرفة خاصة لمنطقة الدير، والتي تقع داخل حدود منطقة التراث العالمي). وبينما تستمتع فاطمة بالهدوء في "كاترين" فإن الشاب أرساني مجدي اختار، السياحة والإرشاد مهنة له، وبدأ في تنظيم رحلات لمناطق جديدة غير شرم الشيخ والأقصر والغردقة وبالطبع سانت كاترين. لم يرغب أرساني في انتظار سنوات تعليمه ليبدأ مرحلة البحث عن وظيفة، فقررت تصميم صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يعلن فيها عن رحلات مخفضة للطلاب والشباب إلي محميات مصر الطبيعية، بأسعار مخفضة، على أن تشمل الرحلة برنامج توعية يشرح تاريخ المحمية وأهميتها. كان على رأس المحميات التي رغب أرساني في التوجه إليها، سانت كاترين، حيث يقول: أعشق مشاهدة الوفود السياحية، التي تتسابق لرؤية شروق وغروب الشمس من أعلى قمة جبل كاترين، بالإضافة إلي خليجي العقبة والسويس. ينقل أرساني شكوى السائحين من عدم توفير منطاد أو تلفريك ينقل الزوار فوق أعالي جبال سيناء التي يعلوها الجليد، فهو وسيلة معروفة للانتقال في المناطق الجبلية بآسيا وأوروبا، وبعض الدول العربية، مشيرًا إلي أن رحلة الصعود لقمة جبل كاترين تستغرق من 3 ساعات إلى 5 حسب اللياقة البدنية، من السفح إلى القمة. فاطمة عبد الباسط تشرح لأحد الوفود السياحية وأسفل جبل كاترين، يقع دير سانت كاترين، بالقرب من جبل موسى تاسع أعلى قمة في كاترين، ويبلغ ارتفاعه 2254 مترا فوق سطح البحر- يقال عنه أقدم دير في العالم، يعد مزارًا سياحيًا كبيرًا، حيث تقصده أفواج سياحية من جميع بقاع العالم. رئيس دير كاترين، وهو أسقف سيناء، الذي لا يخضع لسلطة أية بطريرك أو مجمع مقدس ولكن تربطه علاقات وطيدة مع بطريرك القدس، لذلك فإن اسم بطريرك القدس يذكر في الصلوات كثيرًا. وعلى الرغم من أن الوصاية على الدير كانت لفترات طويلة للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، ورهبان وكهنة الدير من اليونانيين، وهم ليسوا عربًا أو مصريين، شأنهم شأن أساقفة كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس التي يسيطر عليها اليونانيون من عهود طويلة، إلا أنها عادت في النهاية إلى أساقفة سيناء. يُدير أسقف سيناء إلى جانب دير كاترين، الكنائس والمزارات المقدسة الموجودة في جنوبسيناء في منطقة الطور وواحة فيران وطرفة، وفقًا لأرساني. الكنيسة الكبرى، من أقدم الآثار المسيحية بكاترين، وترجع إلى عهد الإمبراطور جيستيان في القرن السادس الميلادي، حيث أنشأت عام 527م، وقد عُرفت باسم "كنيسة التجلي"، وبداخلها صفان من الأعمدة، عددها 12 عمودًا تمثل شهور السنة. أما "كنيسة الموتى" أحد معالم المدينة، فهي مخصصة لحفظ جماجم الموتى، حيث رصت فوق بعضها. وعن "مسجد الحاكم بأمر الله" يقول أراساني، يقع على بعد 10 أمتار من الكنيسة الكبرى، الذي بُني أيام الفاطميين، عام 500 هجرية، 1106م، مبني بالطوب اللبن والحجر الجرانيتي. سانت كاترين طبيعة كاترين.. طبيعة خاصة.. يحكي أراساني عن جبالها ووديانها، قائلًا: من أشهرها جبل كاترين وجبل موسى، لكن جبل العباس، لديه حكايات تميزه عن غيره، أبرزها "صخرة عرض الزواج"، كانت يستخدمها البدو قديمًا في عرض الزواج ومعرفة موافقة الطرف الآخر على طلبهم، وبعدها تجد "فخ نصرة" وهو فخ للنمور، حيث لازالت تظهر في جبال سيناء، ولكنها نادرة. يرجع تاريخ جبل عباس إلي عباس باشا، حفيد وخليفة محمد على الكبير، كان يعانى من الربو، وخطط لبناء قصر للاستشفاء والتعافي فوقع الاختيار على هذا الجبل، الذي يصل ارتفاعه حوالي 2383 مترًا، وكان يدعى جبل طينيا، تم اختياره بعد أن أخبره الرهبان أن فساد اللحم أبطأ في قمة الجبل، ومن يصل لقمته يرى أسوار القصر وبواقي قواعده. وبينما ينشغل أرساني بتفاصيل كثيرة عن الأماكن التي يمكن زيارتها في سانت كاترين، فإن فاطمة التي اختارت الإقامة هناك تتمنى أن تقوم بعمل توثيق للقبائل التي تعيش في المنطقة وعاداتها التي تحتفظ بها منذ عصور. مدخل مدينة سانت كاترين