طرح خبر الإفراج عن سيف الإسلام القذافي نجل العقيد الراحل معمر القذافي مجموعة من التساؤلات بشأن دلالة هذا الموضوع ، وما إذا كانت خطوة الإفراج عنه مقدمة لإعلان عودته إلى المشهد السياسي المعقد في ليبيا أم لا، خصوصا أن قانون العفو العام الذي أفرج عنه بمقتضاه كان منذ فترة طويلة ورغم ذلك لم يتم تفعيله ، ما يعطي انطباعا أن هناك تطورات فرضت قواعد جديدة للتعامل مع رموز النظام القديم ومن بينهم نجل العقيد معمر القذافي. وكانت كتيبة أبوبكر الصديق التي تتولى حراسة سجن القذافي الابن بمدينة الزنتان غرب ليبيا أعلنت إطلاق سراحه بموجب قانون العفو التشريعي العام. وكان آمر كتيبة أبوبكر الصديق العجمي العتيري أعلن السنة الماضية أن سيف الإسلام حر طليق، لكن ضغوطا داخلية مورست عليه منعته من إخراجه من مدينة الزنتان. وكتيبة أبو بكر الصديق هي إحدى المجموعات المسلحة التي تسيطر على مدينة الزنتان (170 كلم جنوب غرب طرابلس) والتابعة للقوات المنبثقة عن مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق) والتي يقودها خليفة حفتر. خبر الإفراج عن سيف الإسلام لم يكن بالسهولة التي تجعله يمر دون إحداث حالة من الجدل بين مؤيد ومعارض على اعتبار أن المشهد السياسي في ليبيا معقد ويديره أكثر من حكومة وأكثر من كيان تشريعي ، هذا فضلا عن كثرة الميليشيات المسلحة متعددة الأجندات بالإضافة إلى دور القبائل الليبية في الجنوب. وعارض المجلسان البلدي والعسكري لمدينة الزنتان إطلاق سراح القذافي، وهما يدينان بالولاء لحكومة الوفاق في حين تعلن كتيبة أبوبكر الصديق ولاءها لقوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. مدينة الزنتان هي مدينة محاطة بعلامات استفهام من ناحية الجهة التي تتحكم فيها وتدير أمورها ، حيث يتهم الكثير من الليبيين أسامة الجويلي رئيس المجلس العسكري للزنتان ووزير الدفاع السابق بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بينما هناك من يرى أن حكومة السراج وهي الحكومة المعترف بها دوليا وفقا لاتفاق الصخيرات هي من تدعمه ، في حين أن معظم مؤسات المدينة والجزء الأكبر من السيطرة فيها يعود إلى حكومة الشرق الليبي التي تتبع البرلمان في الشرق والجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر . واعتبر بيان مشترك للمجلسين البلدي والعسكري بالزنتان نشر على فيسبوك أن عملية الإفراج هي "تواطؤ وخيانة لدماء الشهداء وطعنة للمؤسسة العسكرية التي يدعون الانتماء لها". واعتقل سيف الإسلام في منطقة صحراوية قرب مدينة أوباري (200 كم غرب سبها) يوم 19 نوفمبر 2011 خلال أحداث الإطاحة بحكم والده. وفي 28 من يوليو 2015 أصدرت محكمة الاستئناف بطرابلس حكما بإعدام ثلاث شخصيات محسوبة على نظام معمر القذافي من بينها نجله سيف الإسلام. وقال حينها محسوبون على النظام السابق وناشطون مستقلون عن المجتمع المدني، إن هذه الأحكام جاءت بضغط من ميليشيات فجر ليبيا الإسلامية التي كانت حينها تسيطر على العاصمة طرابلس. وبعد ساعات من صدور الحكم أقر مجلس النواب المنعقد في طبرق قانون العفو العام عن كل الليبيين المسجونين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء. سيف الإسلام يحظى بدعم كبير من قبل مختلف الليبيين حتى الذين كانوا إلى وقت قريب يؤيدون إسقاط نظام والده. ووصفت الأممالمتحدة فبراير الماضي محاكمة سيف الإسلام بغير النزيهة ولا تفي بالمعايير الدولية داعية إلى ضرورة مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية. وقال الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان إن “هذه المحاكمة فرصة مهدرة لتحقيق العدالة." وسيف الإسلام البالغ من العمر 44 سنة هو من بين أبرز أبناء القذافي، وتردد أنه كان معدا لخلافة والده قبل الانتفاضة التي اندلعت قبل ست سنوات وأطيح خلالها بنظام العقيد القذافي لينتهي به المطاف مقتولا. ولم يتضح بعد الدور الذي يمكن أن يلعبه القذافي الابن في ليبيا، حيث تتنافس عدة جماعات مسلحة وحكومتان على الحكم. وشدد خالد الزايدي، محامي سيف الإسلام في تصريحات صحافية لموقع "بوابة أفريقيا الإخبارية"، على أن موكله أصبح حرا طليقا بموجب القانون، وهو يتواجد حاليا خارج مدينة الزنتان في إحدى المدن الليبية لممارسة دوره من أجل إنقاذ البلاد. مصادر ليبية مسئولة أكدت لبوابة الأهرام أن سيف الإسلام القذافي سيطرح في وقت قريب مبادرة للم شمل الليبيين ، وحقن الدماء ، والتوصل لمصالحة مجتمعية بين كل الأطراف الليبية . ويبدو من رصد ردود الفعل الداخلية في ليبيا أن سيف الإسلام القذافي هو الشخصية المحورية التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية في عملية المصالحة المتعثرة في ليبيا ، حيث رحب قطاع كبير من الليبيين بخبر الإفراج عنه ، فمثلا رحبت حكومة خليفة الغويل بخبر الإفراج ، كما أن تيار داخل الجماعات الإسلامية يمثله علي الصلابي رحب هو الأخر بخبر الإفراج عنه ، ما يعني أن هناك توافقا عليه ، وأيضا يعطي انطباعا أن التغيرات على الساحة الدولية -نقصد بها الأزمة الخليجية والحصار المفروض على قطر- أعطى مساحة لتلك الجماعات بضرورة البحث عن حلول خارج الصندوق على أساس أن قطر أكبر الدول الداعمة لتيار فجر ليبيا الذي يمثل جمات الإسلام السياسي هناك من بينهم جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية. وتضاربت الأنباء حول المدينة التي من الممكن أن يكون نجل القذافي اختارها للاستقرار فيها بعد إطلاق سراحه في ظل رفض المقربين منه إعلان مكان وجوده لدواع أمنية. إلا أن مصادر أكدت أن القذافي الابن موجود في مدينة أوباري جنوب ليبيا ، على اعتبار أن الجنوب الليبي لا يخضع لسيطرة أيا من الميليشيات المسلحة ، ومعظمها يدين بالولاء للعقيد الراحل معمر القذافي ، وينظر إلى ما حدث في ليبيا على أنه مؤامرة ، وتحافظ أغلب مدن الجنوب الليبي على ولائها لنظام القذافي، وتتركز في هذه المدن قبائل القذاذفة التي ينحدر منها معمر القذافي. وينتظر الليبيون خطابا من المزمع أن يلقيه سيف الإسلام خلال الأيام القليلة القادمة يكون بمثابة الإعلان الرسمي عن عودته إلى المشهد السياسي، ويرى زعماء سياسيون ليبيون، أن الإفراج عن سيف الإسلام يمكن أن يساهم في بناء مصالحة وطنية تدفع نحو توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء الصراع العاصف بالبلاد منذ ست سنوات. وأفرجت النيابة العامة في طرابلس عن عدد من السجناء المتهمين بقمع "ثورة 17 فبراير" كانوا محتجزين لدى كتيبة "ثوار طرابلس" الموالية لحكومة الوفاق. على أية حال فإن سيف الإسلام القذافي سيكون أمام جملة من الاختبارات لتوضيح ما إذا كان يستطيع التغلب على كل العقبات التي تحيط بالعملية السياسية في ليبيا أم لا ، فجميع الأطراف في ليبيا ينظرون إلى سيف الإسلام من زاوية أنه ربما يستطيع لم الشمل ، وتحقيق مصالحة كاملة ، من خلال ما يمكن أن تكون لديه من إمكانيات وقدرة على على التحالفات العسكرية وخلافه ، كما يمكنه استغلال علاقاته القبائلية وتوافق معظم الكيانات عليه في تحقيق هذه الاختراقة. عبدالستار حتيتة الخبير في الشأن الليبي لفت إلى أن سيف الإسلام القذافي كان قد شكل ما يسمي ب"اللجنة الشعبية لتحرير ليبيا" وهو في المعتقل ولكنها لم تحقق شيئ يذكر في تحقيق نجاحات سياسية ، فربما يعيد القذافي الإبن صياغة هذه اللجنة وتكون نواة لانطلاقته من جديد ، لاسيما أنها تضم بين جنباتها سياسيين وشخصيات قبلية يمكن التعويل عليهم.