في لقائه مع مجموعة من المهتمين بأعماله، عرض الفنان السويسري "أوريال أورلو" في محاضرة قصيرة بمركز الجزيرة للفنون أمس مشروعه الفني الذي يضعه تحت عنوان "السفن الصفراء"، والذي يؤرخ لحادثة تاريخية أسقطتها ذاكرة التاريخ المعاصر، حتي جاء الفن ليعيد اكتشافها من جديد. تعود فكرة معرض أوريال الذي يقام بمركز الصورة المعاصرة بدعم من المؤسسة الثقافية السويسرية ويفتتح الأحد المقبل، إلي حادثة احتجاز 14 سفينة شحن عملاقة بالممر الملاحي لقناة السويس بالبحيرات المرة، والتي صادف وجودها في الممر إندلاع حرب يونيو بين مصر وإسرائيل عام 1967 وما تبعه من إغلاق للممر الملاحي للقناة، مما أدى إلى احتجاز السفن الأربعة عشر لمدة ثماني سنوات حتي أعيد فتح الممر في 1975، وتعود تسمية السفن بالأسطول الأصفر إلي هبوب عواصف رملية كثيفة أكسبت السفن لوناً أصفر. يقول أوريال أن سبب اهتمامه بتلك الحادثة ينبع من إسقاط كتب التاريخ المعاصر لها فهي حادثة لا تخص دولة بعينها، وتاريخها لا يخص أحدًا بعينه، فأحداثها وقعت في مصر التي كانت تنتمي إلي المعسكر السوفييتي في ذلك الوقت في حربها مع إسرائيل التي كانت تنتمي لمعسكر الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة، وتنتمي السفن الأربع عشرة إلى دول أوروبية مختلفة بعضها يقع في فك السوفييت وبعضها منتم للغرب. كانت البداية بطابع بريد مجهول المصدر وجده أوريال علي الإنترنت دون بلد منشأ وبتتبع مصدر الطابع اكتشف أوريال أن الطابع ليس طابعًا رسميًا، وإنما يعود لأحد البحارة الذين كانوا علي متن السفن المحتجزة بالقناة، وبدأ أوريال رحلة بحث شاقة عن صور وملفات تلك الرحلة العجيبة التي لم تكتب من قبل، وأتي إلي مصر ليري بنفسه المكان الذي وقعت فيه الحادثة. يقول أوريال "حين أتيت إلي مصر، وزرت القناة، كانت السفن قد اختفت وتغير شكل المجري الملاحي، ولم تكن هناك كتب أو وثائق تؤرخ لتلك الحادثة وكان علي أن أجلس أمام القناة لأتأمل الحادثة وأحاول إعادة تخيل الأحداث وترك المكان يستحضر التاريخ، كان الأمر أشبه بالهلوسات التاريخية، فلم يعد هناك دليل مادي أو وثائقي علي الحادثة". حاول أوريال الحصول علي معلومات ووثائق من قناة السويس إلا أن محاولته باءت بالفشل، إذ لم يسمح له بالوصول للوثائق، فعاد إلي أوروبا واستطاع الوصول إلي بعض أفراد الطواقم البحرية الأحياء وجمع منهم مواد فيلمية وفوتوغرافية ووثائقية، كون منها المادة الخام لمعرضه مضيفًا إليها المواد البصرية التي قام بتصويرها بنفسه خلال زيارته للقناة. يتكون معرض أوريال من تلك المواد التي لم يرتبها زمنياً، وبحسب محاضرة أوريال فإن عدم اهتمامه بالترتيب الزمني للصور يعود إلي أنه لا يريد أن يحكي قصة كاملة، توحي بوجود خط سير معين للأحداث التي يؤرخ لها معرضه، ففضل أن يعمل بشكل انتقائي، ويضع عناصر معرضه كشذرات يحكي كل منها جزء مختلف من الحكاية. يلفت أوريال النظر إلي أن كل مرة يقيم فيها المعرض يكون ترتيب الصور مختلف، ففي كل مرة يعيد أوريال رواية الحكاية بشكل مختلف، كما نفعل تمامًا حين نحكي قصة لأشخاص متعددين، فعمله الفني هنا بمثابة عمل مفتوح قابل للإضافة باستمرار، وتعد النسخة التي يعرضها بمصر هي النسخة السابعة للمعرض. يشير أوريال إلى أن الهاجس الأبرز في معرضه هو الزمان، إذ يركز علي الزمن الذي قضاه البحارة علي متن السفن، وكيف أمضوا هذه الأوقات الطويلة منعزلين عن العالم، ويجاور أوريال في أحد عروض الفيديو المصاحبة للمعرض بين صور البحارة التي استطاع جمعها وبين أحداث تاريخية شهدها العالم في الثمان سنوات التي قضوها محتجزين في الممر الملاحي، متتبعًا خطي سير للزمان أحدهما يبدو ساكنًا والأخر يتغير وكأنه سيال.