يشارك شريط "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة" للبنانية رانيا إسطفان في مسابقة الأفلام الوثائقية في مهرجان الدوحة ويتناول سيرة حياة "سندريلا الشاشة العربية" كما صورتها السينما المصرية في عهدها الذهبي. ومن خلال الأدوار التي أدتها سعاد حسني تعد المخرجة "بورتريه" متخيلا لتلك المرأة المركبة والتي انتهت حياتها قبل عشرة أعوام انتحارا أو قتلا ربما. ويعتمد الفيلم في سياقاته وتركيبه بشكل حصري على لقطات من الأرشيف مأخوذة من أفلام الممثلة التي أدت في السينما المصرية 82 دورا متنوعا للمرأة في كل أشكال وجودها واحتمالاتها. ويعيد الشريط بالصورة وأيضا في عملية إعادة منتجة صوتية وانطلاقا من أكثر من ستين فيلما، رسم حياة متخيلة لتلك الفنانة ذات الحضور المتميز. وقالت مخرجة الفيلم على هامش عرض عملها في الدوحة "أنجزت أطروحتي للدكتوراه عن سعاد حسني. وحين توفت أحببت أن أكرمها بفيلم عن موتها، وبما أنها لم تكن موجودة لأكلمها ونظرا لكل ما قيل في الإعلام بعد موتها، اتجهت بالفيلم صوب وجهة أخرى". وأوضحت إسطفان "سألت نفسي :ما الذي كانت تريد أن تقوله هذه المرأة ولجأت إلى كل المعلومات المتوافرة عن حياتها وسيرتها قبل أن أعتمد حلا مختلفا". وأتى العمل من خلال أشرطة "في إتش إس" التي لم تعد موجودة، حاملا لرؤية خاصة لأعمال حسني التي تبدو وكأنها تطل على حياتها وتحاول تذكر تفاصيلها وعقباتها في مرحلة امتدت من الثورة على الملك وصولا إلى الثمانينيات، وهو ما شكل العهد الذهبي للسينما المصرية. ويتناول الفيلم مستويات عدة لحياة الشخصية توزع في ثلاثة فصول. فشرحت رانيا إسطفان: "شاهدت 67 فيلما لها واقتبست صورا وأصواتا من 60 منها تشكلت في تراجيديا، يختتمها موتها الدرامي". هذه قصة مونتاج وإعادة قراءة وتركيب لهذه الحياة مع مشاهد وصور من أعمالها نظمت كلها بالنظر إلى نهاية سعاد حسني المأساوية، وعلى ضوء ما استدعته تلك النهاية الفظيعة. في الجزء الأول من العمل ووفق المقاطع التي اختيرت، تبدو سعاد حسني وقد نسيت كل شيء عن حياتها وطفولتها والحب وخروجها إلى الحياة وبداية رحلتها الفنية وأدوار المرأة التي أدتها من أفروديت إلى تلك التي يحلم كل الرجال بالاقتران بها. أما في الجزء الثاني فتعود إلى سعاد حسني في حياتها المتخيلة ذاكرتها. وفي هذا الجزء يسجل الشريط الوثائقي الأجزاء العنيفة التي صورتها في أعمالها والتي تمهد وتفضي إلى كابوس المرحلة الثالثة. ويبدو الشريط كله عبارة عن حلم أو أحلام متتابعة تنتهي بالموت، لكنه عبر ذلك يشكل رحلة في تاريخ السينما المصرية كما مثلتها سعاد حسني وحيث حاولت المخرجة أن تحزر ما كان يدور في خلد تلك الشخصية. فقالت: "كان يجب أن أغوص في المادة بشكل فيزيائي عضوي وبعقل الممثلة لأعيد تركيب العمل بشكل منطقي، لكن العلاقة كانت حسية مع المادة، حيث جرت الصورة وتوالد الفيلم من نفسه في تركيبة متماهية، راسما بعد التراجيديا". ويتمازج في الفيلم الروائي مع الوثائقي والتجريبي وهو النهج الذي دافعت عنه المخرجة اللبنانية منذ بداياتها وتواصل العمل عليه عبر مزجه بأساليب أخرى متعددة التوجه الفني، وهذا ما أوصلها إلى متحف الفن الحديث في نيويورك، حيث يعرض الفيلم حتى نهاية الشهر كعرض "إنشائي" كما يعرض ضمن برنامج "خرائط الذات". وكان الفيلم قد نال جائزة في يوليو الماضي من مهرجان الفيلم الوثائقي في مرسيليا كما نال جائزة في بينالي الفن الحديث في الشارقة باعتباره فنا إنشائيا. إلى ذلك منحه المركز السينمائي الفرنسي جائزة "رينو فيكتور" التي تتيح عرضه في المكتبات السينمائية الفرنسية.