توماس ترانسترومر بات اسمه يتردد بقوة فى العالم بعد حصوله على جائزة نوبل للأدب أمس الأول "الخميس" فإن هناك من النقاد الغربيين من اعتبروا أن هذا الشاعر كان يقترب من أفاق العالمية حتى قبل حصوله على ام الجوائز بفضل حساسيته العالية وعدم جنوحه خلافا لكثير من الشعراء المعاصرين للانكفاء على الذات والتشرنق داخلها فيما وصفت حساسيته الشعرية بأنها "خلابة وآسرة وفاتنة". ومن وجهة نظر دانيل هالبيرن ناشر ترجمات أعماله بالإنجليزية فإن توماس ترانسترومر شاعر وكاتب منفتح ومثقف ومثير للتأمل فيما يرى الكاتب والناقد البريطانى نيل استلى ان ترانسترومر "شاعر صاحب رؤية فلسفية لما وراء الطبيعة" لافتا إلى أن تخصصه فى علم النفس ساعده فى النفاذ بقوة بصيرة داخل النفس الانسانية. وعلاوة على علم النفس-درس توماس ترانسترومر الأدب والتاريخ والعقائد فى جامعة ستكهولم غير انه يبدو بعيدا فى إبداعه الشعرى عن السياسة والأيديولوجيات بالمعنى المتعارف عليه ومهموما بالبشر العاديين "وهو يسرع قاطعا الشوارع كواحد منهم" ومن ثم فإن قصائده لايمكن وصفها بالتجريدية أو الابتعاد عن الواقع ومخاصمة الواقعية والانفصال عن الحياة وبنايات الجوع العالية وأبنية الرأسمال. وإذا كان هذا الشاعر السويدى هو القائل :"الحقيقة ملقاة على الأرض لكن لاأحد يجرؤ على التقاطها" فلايمكن مع ذلك وصف ترانسترومر بالمناضل السياسى غير انه يحق القول بأنه منافح عتيد عن الإنسان بهمومه وتساؤلاته وقلقه وقضاياه الوجودية وتحول جوهر الأيام إلى شرارات وارتطامات العتمة بعيدا عن ضجيج مفتعل تصطنعه أحيانا بعض وسائل الإعلام أو أصوات تلهث وراء الشهرة وتدعى الدفاع عن رجل الشارع وهى تتاجر بقضاياه. ويرى نقاد أن هذا الشاعر السويدى الذى يصعب تصنيفه ضمن مدرسة أو تيار أدبى بعينه يتطلب قراءة واعية تميز مابين الظاهر والباطن فيما يتمتع بملكة تفكيك الواقع وإعادة بنائه بصور شعرية تحيل العالم إلى أنفاس مبثوثة فى بنية القصيدة المرتكزة على الذات والكون كما تجمع مابين الفكر والجمال والمرئى واللامرئى. وإذا كان يجوز التساؤل عن امكانية وصف توماس ترانسترومر بأنه شاعر وجودى متفرد لايمكن تصنيفه او وضعه حتى داخل الفلسفة الوجودية فإنه من المؤكد تميزه بقدرة عالية على إبداع الصور الطازجة الندية وتغيير النظام المتعارف عليه بين اللغة والأشياء ليقدم قراءته الخاصة بحساسية وجدانية لروح العالم وهموم الإنسان وخطوات القلب الثقيلة. وكانت الأكاديمية السويدية قد أعلنت فى سياق حيثيات قرار منح الجائزة التى تقدر قيمتها المادية بعشرة ملايين كرونة سويدية اى نحو مليون ونصف المليون دولار أمريكى أن الشاعر السويدى توماس ترانسترومر يمنحنا مدخلا جديدا للواقع عبر صوره المكثفة الشفافة كما تتيح اشعاره للبشر القاء نظرة جديدة ومغايرة على العالم. ورأت ان غالبية دوواين ترانسترومر تتسم بالايجاز والوضوح والاستعارات المعبرة فيما مالت مجموعاته الأخيرة نحو مزيد من الايجاز والتركيز وبمزيد من الجدة لااستشراف الحقيقة فيما ذهب نقاد إلى أن شعره يخلق الواقع خلافا للسائد والمألوف كما أن لغته عاشقة دوما للتغيير ويوصف توماس ترانسترومر الذى ولد فى ستكهولم عام 1931 وتخرج من جامعتها عام 1956 وتخصص فى علم النفس بأنه من أكبر شعراء السويد واحد الأصوات المشكلة لثقافة هذا البلد الواقع شمال أوروبا فيما يجمع شعره مابين الايجاز والمجاز كما يجمع مابين الحداثة والكلاسيكية وبين الحميمية والغربة والواقع والمخيلة. وكان يهوى عزف البيانو غير أن إصابته بالشلل النصفى جراء جلطة دماغية افقدته القدرة على النطق عام 1990 وارغمته على تغيير مسار هواياته ليندفع بقوة اكبر للشعر الذى يختزن الموسيقى الآسرة ويقف الشلل عاجزا امام بيان الشاعر وينحنى لسحر البيان وثراء الروح المتعاطفة دوما مع الانسان اينما كان. وتجاوز عدد مجموعاته الشعرية ال 15 مجموعة ترجمت لما يربو على60 لغة من بينها العربية وله العديد من الكتب الأخرى مابين الشعر والنثر استمدها من معين الطبيعة ووقائع الحياة اليومية . ورغم الترجمة الكثيفة لقصائد هذا الشاعر السويدى فانه لايمكن الزعم بأنه كان من مشاهير الشعراء على مستوى العالم وهاهى جريدة نيويورك تايمز تؤكد فى تقرير بقلم جولى بوسمان على ان "السيد توماس ترانستروم مجهول كشاعر الى حد كبير للغاية فى الولاياتالمتحدة وحتى بين هؤلاء الأمريكيين الذين يحبون الشعر" وهى حقيقة تنطبق دون حاجة لكثير من الجدل على شهرة ترانستروم كشاعر فى العالم العربى حتى وان كانت قصائده قد ترجمت للعربية منذ نحو ستة اعوامعلى يد الصحافي اللبناني المقيم بالسويد قاسم حمادي وهي ترجمة راجعها أدونيس. لكن توماس ترانستروم سيعرف اعتبارا من الآن معنى الشهرة كشاعر على مستوى العالم قاطبة ،فقد بدأت بالفعل الطلبات تنهال من القراء حول العالم على أعمال هذا الشاعر السويدى سواء فى نسخها الورقية او الالكترونية بمجرد الإعلان عن فوزه بجائزة نوبل فى الأدب وعرف عن ترانسترومر الذى بدأ فى نظم الشعر وهو صبى فى الثالثة عشرة اهتمامه بترجمة اشعار السيراليين الفرنسيين مثل اندريه بريتون فيما كان بيتر انجلوند الأمين العام للأكاديمية السويدية قد نوه بأن توماس ترانسترومر الذى يعد اول سويدى يفوز بجائزة نوبل للأدب منذ 40 عاما يعالج قضايا الموت والذاكرة والتاريخ ويشعر المرء بأنه أكبر بعد قراءة أشعاره التى تسعى لارتياد المجهول وفهمه. وفى بدايات مسيرته كشاعر-تمحورت اهتماماته حول الطبيعة بصورة تقليدية قدر له فيما بعد أن يتحرر منها نحو أفاق أكثر حميمية وحرية وان تترجم أشعاره إلى مايربو على 60 لغة وأن يظفر بالعديد من الجوائز الأدبية سواء على مستوى دول المجموعة الاسكندنافية او على مستوى القارة الأوروبية كلها.