فى 13 سبتمبر الماضى، بدأ العمل رسميا بقانون حظر التدخين فى الأماكن العامة، لكن مازال التدخين مستمرا رغم " أنف " القانون، الذى لايطبق، و" عين " الحكومة، التى مازالت تسمح بالتدخين فى منشآتها ومصالحها. وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما صدرت أكثر من خمسة قوانين خاصة بمكافحة "التدخين"، وكل مرة يعدل القانون القديم بآخر جديد فى محاولة - يائسة ، كما يصفها البعض ، للقضاء على التدخين فى مصر، لكن التساؤلات التى تسيطر على ألسنة الكثيرين: لماذا فشلت الحكومة فى تفعيل قوانين منع التدخين؟.وهل العيب فى القائمين على تنفيذ تلك القوانين، أم أن العيب فى المدخنين أنفسهم؟. واذا كان العيب فى القائمين على التنفيذ فما المطلوب فعله تجاههم؟. ولو كان المدخنون هم السبب فلماذا أدارات لهم وزارة الصحة ظهرها وتركتهم "ضد القانون" ،لتدفع 3 مليارات جنيه سنويا ،تكاليف الإنفاق على علاج الأمراض، التى يسببها التدخين للمصريين؟. يقول الدكتور أحمد عطية، رئيس جمعية مكافحة التدخين إن مسئولية تطبيق قوانين مكافحة التدخين، تقع على عاتق المحافظين، مشيدا بما قام به اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية بتطبيق قانون منع التدخين بحذافيره، وكما تمت صياغته، وبلا استثناءات لأحد ، متمنيا أن تعمم تجربة الإسكندرية على جميع المحافظات، وقال:" يكفينا أن نشعر الشخص المدخن بأنه منبوذ من المقربين منه، ومن المجتمع بأثره، لكن يتطلب ذلك ، الإصرار على تنفيذ بنود القانون ، فالجميع يتمنى، منع السجائر نهائيا". و"نهائيا"، تبدو ضربا من المستحيل، فعدد المدخنين فى مصر يرتفع يوما بعد يوم، وقد كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن وجود مواطن مصرى مدخن من كل خمسة من المصريين ، وأن متوسط السن عند بداية التدخين حوالى 17 % عاما لكل من الذكور والإناث، كما بلغ متوسط الإنفاق الشهرى للمدخنين على السجائر، نحو 140 جنيها، بمعنى أن إنفاق الفرد على السجائر ثلث الملبغ، الذى حدده المجلس القومى للأجور، والبالغ 400 جنيه كحد أدنى لأجر العامل شهريا. كما ترتفع نسبة الوفيات بسبب التدخين، وهو ماجعل الدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء، ورئيس لجنة الصحة بمجلس الشعب يؤكد أن الحكومة فشلت فى تطبيق قانون حظر التدخين فى المصالح والهيئات والأماكن المغلقة، مشيدا بتجربة محافظة الإسكندرية الأخيرة، بتطبيق قانون منع التدخين بكل صرامة، وقال:" الأمنيات ليست كافية لتوقف الحكومة استيراد التبغ، لكن لو تم تطبيق القانون بحذافيره، سنحد من زيادة ضحايا التدخين".. مبديا غضبه من توقف اجتماعات المجلس الأعلى لمكافحة التدخين، كاشفا عن انعقاده مرة واحدة منذ إنشائه. وقال:"على مديريات الصحة بالمحافظات متابعة تنفيذ قانون منع التدخين، وتطبيق بنوده على كل المخالفين دون استثناءات، فلو طبق على شخص، سنجد الكل خائفا من أن تطوله المخالفة، وسينفذ القانون رغما عنه، لكن .."هنقول لمين"؟ وبتسليط الضوء على تجربة محافظة الإسكندرية فى الحد من التدخين "بالقانون"، وجد أن المفتشين القضائيين مهمتهم مراقبة التنفيذ فى المصالح الحكومية، والأماكن العامة المغلقة، والمقاهى، ويقوم المفتش القضائى بإعطاء المدخن أو مدير المنشأة، التى تم التدخين فيها "غرامة أول مرة"، واذا تكرر الأمر يتم إغلاقها، ولايستلزم الضبط أن يشاهد المفتش القضائى أن يشاهد مدخنا أمامه حتى يغرمه، بل يقوم بالبحث عن أعقاب السجائر، أو بقياس نسبة أول أكسيد الكربون فى المنشأة، ويعاقب مخالف القانون هنا، بالغرامة التى لاتقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على 20 ألف جنيه، وغرامة لاتقل عن عشرة جنيهات ولا تزيد على خمسين جنيها على كل من يدخن فى وسائل النقل العام، وإذا تكرر الفعل تكون العقوبة الحبس مع الغرامة". فى شأن متصل، قال الدكتور سعد عبيد مدير إدارة مكافحة التدخين بمديرية الصحة بالبحيرة إنه تم تفعيل الضبطية القضائية بأفراد مؤهلين لذلك، وهذا ما خفض من ظاهرة التدخين بالمحافظة بنسبة كبيرة، لأن المدخن السلبى ليس له ذنب فى أن يجاوره شخص يدخن، سواء فى المكتب أو بالمدرسة أو بالسيارة، بالإضافة إلى الهدف الإساسى لذلك، وهو حماية المدخن نفسه، لما فى التدخين من أخطار تدمر الجهاز الحيوى للجسم ، وقال:" منع استيراد التبغ مسألة حكومية ،لكن إذا طبقت القوانين بحذافيرها، سنصل إلى الهدف المنشود". والمتتبع لتاريخ قوانين مكافحة التدخين فى مصر ، يجد أن عمرها يتجاوز ال 30 عاما، حيث تنبه المشرع المصرى إلى خطورة التدخين، فصدر قانون فى عام 1981 بحظر التدخين فى الأماكن العامة المغلقة، ووسائل النقل والمواصلات ثم تلاه قانون آخر يحظر التدخين فى الأماكن العامة، ثم صدر عام 1994 قانون رقم 4 والذى يعطى الحق للمدير التنفيذى، لأى منشأة مسئولية مراقبة تنفيذ القوانين الخاصة بمنع التدخين، ويقرر أول غرامة مالية وتتراوح بين ألف و20ألف جنيه على المدير لو لم يطبق القانون وسمح بالتدخين فى مصلحته ، ثم جاء القانون رقم 85 لسنة 2002 ليحظر الإعلان والترويج للتبغ بالوسائل المقروءة والمرئية والمسموعة. وفى عام 2007 صدر القانون رقم 154 والذى يحظر التدخين فى:"المنشآت الصحية والتعليمية والمصالح الحكومية والنوادى الرياضية والاجتماعية ومراكز الشباب"، كما نص القانون على تشكيل لجنة عليا على مستوى الدولة لمكافحة التدخين . وفى ذروة التمنى بإلغاء استيراد التبغ ، وجعل مصر دولة خالية من التدخين ، قررت الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومبانى" إيفاد بعثات إلى دول إفريقية فى منطقة حوض النيل لزراعة التبغ، وتصديره إلى مصر لتصنيعه، وقرر مسئولو الشركة -أيضا- إرسال بعثات مصرية إلى كل من: ليبيا والسودان واليمن لإقامة مصانع مشتركة لمنتجات التبغ المصرية فى هذه الدول، على غرار المصنع الذى أقيم فى الأردن لإنتاج السجائر المصرية، وتوزيعها للدول المجاورة للأردن، فى الوقت الذى تستورد فيه مصر تبغا من الدول المنتجة له بقيمة 250 مليون دولار، وبكميات تترواح بين 50 و 60 ألف طن سنويا. على النقيض من ذلك ، قال عبد الوهاب مصطفى أحد مسئولى فرع الشركة الشرقية للدخان بالإسكندرية إن الشركة تأثرت بسبب القرارات الصارمة، التى اتخذها محافظ الإسكندرية، وانخفضت القوة الشرائية على جميع أنواع السجائر. وقال:"أنا شخص غير مدخن، رغم أننى فى محيط تصنيع السجائر، وذلك لأن التدخين فعلا يدمر الصحة".