يبدو أن عجز تنظيم القاعدة عن ضرب الولاياتالمتحدة في الأعوام العشرة الماضية التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 يظهر أن "الحرب على الإرهاب" قد أثبتت فعاليتها، وإن كانت الحكومة الأمريكية لا تزال تسعى حثيثا إلى تحسين إدارة جهود مكافحة "الإرهاب"، حسبما يقول بعض الخبراء. فالحرب العالمية التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد "الإرهاب" أضعفت تنظيم القاعدة الذي كان يقوده زعيمه الراحل أسامة بن لادن، وجعلته غير قادر بصورة كافية على شن هجوم آخر بحجم هجمات 11سبتمبر 2001، بل إنه لم يستطع شن هجوم كبير ضد أي أهداف غربية خلال الأعوام العشرة الماضية. يقول جون بايك، المحلل بموقع "جلوبال سيكيوريتي دوت أورج" الإلكتروني للتحليل العسكري: "من الواضح أننا نتخذ خطوات صحيحة". وأضاف: "لقد نلنا من بن لادن، ولم تتعرض أمريكا لأي هجمات كبرى، وبالتأكيد لم تتعرض لهجمات مروعة، منذ الحادي عشر من سبتمبر، كما لم تقع أي هجمات مروعة على مدار أكثر من ستة أعوام". كان شن هجمات في الدول الغربية هدف رئيسي لبن لادن، وآخر هجومين "إرهابيين" كبيرين شهدهما الغرب وقعا في مدريد عام 2004 وفي لندن عام 2005. بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أمر الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش بتدشين أكبر عملية إعادة هيكلة لجهاز الأمن القومي الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، وأنشأ وزارة الأمن الداخلي لتعزيز الوضع الأمني في البلاد. كما أنشأ بوش مكتب مدير الاستخبارات الوطنية لتعزيز عمل أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي يزيد عددها على 12 جهازا، ذلك أن السبب الرئيسي في العجز عن رصد هجمات 2001، التي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص، والحيلولة دون وقوعها قد عزي إلى عدم تبادل المعلومات بين أجهزة الحكومة. يقول ستيفن ويبر، أستاذ العلوم السياسية والسياسة الخارجية في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركيلي، إنه بينما تم إحراز تقدم في تحسين نظام تبادل المعلومات، إلا أنه لا يزال يفتقد إلى المعايير اللازمة للحفاظ على أمن البلاد. وأضاف ويبر: "في بعض الحالات لا يعمل نظام تبادل المعلومات بفاعلية كما ينبغي"، مضيفا أن أجهزة الاستخبارات لا تزال "مفتتة". ورغم أن الولاياتالمتحدة تقيم دفاعات أكبر للحيلولة دون وقوع هجمات "إرهابية"، إلا أن بعض المحاولات "الإرهابية" تسللت من بين صدوع تلك الدفاعات، ولو نجحت هذه المحاولات لربما كان لها عواقب كارثية. فبعد ثلاثة أشهر من أحداث سبتمبر 2001، حاول ريتشارد ريد، الذي كان يعيش في لندن، تفجير طائرة متجهة إلى الولاياتالمتحدة من خلال متفجرات مخبأة في حذائه، غير أن محاولته باءت بالفشل بعد أن منعه ركاب آخرون من تنفيذها، وحكمت عليه محكمة أمريكية بالسجن مدى الحياة. وفي عيد ميلاد السيد المسيح ( الكريسماس) لعام 2009، تردد أن النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب، الذي يشتبه بانتمائه لتنظيم القاعدة في اليمن، ركب طائرة متوجهة من مدينة أمستردام الهولندية إلى ديترويت الأمريكية وبحوزته متفجرات يخبئها في ملابسه الداخلية. لكن هذه المحاولة باءت هي الأخرى بالفشل، ولا يزال عبد المطلب في السجن الأمريكي ينتظر المحاكمة. وفي مايو من العام الماضي، حاول فيصل شاه زاد، وهو مواطن أمريكي مولود في باكستان، تفجير سيارة مفخخة في ساحة "تايمز سكوير" بمدينة نيويورك. وكان الفشل مصير هذه المحاولة أيضا، حيث لم تنفجر القنبلة، وألقي القبض على شاه زاد أثناء محاولته الفرار من الولاياتالمتحدة، إذ تقول السلطات الأمريكية إنه يعمل لصالح القاعدة. واعترف شاه زاد بالتهم المنسوبة إليه، ويقضي حاليًا عقوبة بالسجن مدى الحياة. هذه الهجمات تظهر أن "الإرهابيين" لا يزالون قادرين على التغلغل عبر الدفاعات الأمريكية والهروب من أعين أجهزة الأمن لفترة كافية لتنفيذ مخطط ما، غير أن القاعدة لم تظهر حتى الآن سوى عجزها عن تنفيذ عملية كبيرة في أي مكان في العالم بنفس حجم عملية 11 سبتمبر أو ما يقرب من مستواها. كما تظهر هذه الهجمات أن تنظيم القاعدة ضعف بشدة، إلى حد أنه لجأ إلى أفراد يعملون بمفردهم بمتفجرات بدائية الصنع لا تعمل. يقول بايك: "ذلك ليس عملا يستحق الاهتمام، إذا كان أفضل ما يمكنهم فعله هو إشعال النار في ملابسهم الداخلية". ومع ذلك، لا يزال تنظيم القاعدة نشطا، ورغم أن التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة قضى على وجوده على طول الحدود الأفغانية-الباكستانية، إلا أن التنظيم ظهر في اليمن. ومنذ ذلك الحين، تكثف الولاياتالمتحدة جهودها للضغط على عناصر القاعدة هناك، خشية أن تجد لها موطئ قدم قويًا في اليمن باستغلال حالة الضعف التي تعاني منها الحكومة جراء الاحتجاجات التي تشهدها البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونر في 27 يوليو الماضي: "نحن وشركاؤنا الدوليون مارسنا ضغطًا هائلًا على القاعدة وقلصنا كثير من قدراتها وإمكانياتها ، بما في ذلك قدرتها على التدريب وجمع الأموال وتدريب المجندين الجدد والتخطيط لهجمات خارج المنطقة، ورغم ذلك، لا تزال (القاعدة) تشكل تهديدا". تركزت معظم جهود مكافحة "الإرهاب" على الحربين في العراق وأفغانستان، والهجمات التي تشنها طائرات بدون طيار في باكستان وإلقاء القبض على قيادات القاعدة أو قتلهم، بما في ذلك بن لادن الذي لقي حتفه على أيدي قوات أمريكية خاصة في مايو الماضي. بيد أن الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأخرى عملت في هدوء خلف الكواليس لقطع الاتصال بين القاعدة ومؤسساتها المالية، مما جعل من الصعب على التنظيم جمع الأموال اللازمة لدعم عملياته حول العالم. يقول ويبر: " أمسكنا وقتلنا عددًا كبيرًا من قيادات القاعدة، لكن الحكومة كانت أكثر فاعلية بكثير في قطع التمويل" عن التنظيم. وأضاف: "من المحتمل أن يكون لذلك تأثير أكبر من قتل الأفراد، رغم أنه (القتل) يتصدر عناوين الصحف.