أثار قرار المجلس الأعلى للأجور بوضع 400 جنيه كحد أدنى لأجر العامل، جدلا واسعا، خاصة أنه صدر بعد حكم المحكمة الإدارية العليا بوضع حد أدنى للأجور 1200 جنيه. وقد أصدر المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بيانا أكد فيه رفضه لقرار المجلس الأعلى للأجور، وقال إن هذا القرار بصيغته التي صدر بها يخالف الحكم القضائي، وبدلا من أن يقر المجلس حدا أدنى للأجر في مصر وضع حدا أدنى للأجر الشامل والفارق بينهما كبير، فالحد الأدنى للأجر الذي صدر بشأنه الحكم القضائي يقصد به بداية الأجر أي (الأجر الأساسي)، أما الأجر الشامل الذي تناوله المجلس الأعلى للأجور في قراره فيقصد به إجمالي ما يتقاضاه العامل من الأجر الأساسي مضافا إليه العلاوات والبدلات والمكافآت، والتي يخصم منها اشتراكات التأمين الصحي والاجتماعي، والضرائب، ورسم اشتراك النقابة، وصندوق العاملين إن وجد. وقد علق ناجي رشاد العامل بشركة مطاحن القاهرة وصاحب حكم محكمة القضاء الإداري الملزم للحكومة المصرية بوضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 1200 جنيه، قائلا: إن قرار المجلس الأعلى للأجور ما هو إلا عملية تجميل أمام عمال مصر حيث جعل الحد الأدنى للأجر الشامل 400 جنيه وليس الأجر الأساسي. وتساءل ناجي عن المعايير التي تم وضع الحد الأدنى على أساسها، مؤكدا أنه عند رفع دعواه القضائية في عام 2009 طالب الدولة بالالتزام بوضع حد أدنى للأجور التزاما بالمادة 23 من الدستور، والتي تنص على التزام الحكومة بربط الأجر بالإنتاج وضمان حد أدنى للأجور، ووضع حد أعلى يكفل تقريب الفروق بين الدخول، وقد قدم وقتها جميع الدراسات التي تقول إن الحد الأدنى لحياة كريمة هو 1200 جنيه. ويقول مجدي صبحي الخبير الاقتصادي ونائب رئيس مركز الدراسات الساسية بالأهرام، إن قرار المجلس الأعلى للأجور جاء سريعا ومفاجئا، وجاء مباشرة بعد حكم المحكمة الإدارية بتفعيل الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه، وأكد أنه سينتظر ما سيسفر عنه الاجتماع مع اتحاد العمال ومجلس الوزراء لأنه يقال إن هذا القرار مبدئي. ويري صبحي أنه من الصعب تطبيق القرار في القطاع الخاص، لأن القطاع الخاص له أساليب ملتوية تجبر العامل على تخفيض أجره – على حد قوله - مضيفا أن زيادة الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص سيكون تأثيره على التضخم طفيفا، ولكن لو كانت زيادة الحد الأدنى للأجر في القطاع العام والخاص معا، فإن ذلك سيزيد معدل التضخم في البداية، ولكنه سيعمل على تنشيط الإنتاج المحلي مما يحقق نموا، ومن ثم يصبح تأثيره إيجابيا. فيما أكد حسين مجاور، رئيس اتحاد العمال في تصريحات صحفية، إنه ينوي خلال لقائه مع عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية، وعائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة، عرض الدراسة المقدمة من الاتحاد العام لنقابات عمال مصر لتقسيم الحد الأدنى للأجور وفقا ل3 مستويات، الأول 500 جنيه للعامل المبتدئ، و750 للعامل، متوسط المهارة، و1000 جنيه للعامل الماهر، بالإضافة إلى بحث إمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع العام، وإضافة القطاع الخاص. ويرى جودة عبدالخالق الخبير الاقتصادي أنه لابد من أن يكون ال400 جنيه التي حددها الأعلى للأجور مجرد أساس، فحتى لو كان العامل مبتدئا وغير ماهر ولا يعول كما أورد القرار، فهو يحتاج لأن يعيش حتى يستطيع العمل ويتحمل أسعار السلع الاستهلاكية اليوم. وأكد أن الحد الأدنى الضروري لا يجب أن يكون 400 أو 500 أو 750 جنيها؛ لأن تكاليف المعيشة البسيطة في مصر أعلى من ذلك بكثير. وكانت دراسة صدرت عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار النايع لرئاسة الوزراء عن سياسة الأجور في مصر في سبتمبر الماضي، انتقدت القانون رقم 53 لسنة 1984، الذي ينص على ألا يقل الحد الأدنى للأجر عن 35 جنيها شهريا، والذي لم يتغير من وقتها وحتى الآن، ولم تتم مراجعة الحد الأدنى للأجور المقررة قانونا في مصر. واكتفى قانون العمل لعام 2003 بوضع حد أدنى للعلاوات السنوية الدورية، بحيث لا تقل عن 7% من الأجر الأساسي الذي تحسب على أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية، ومع العلاوات الدورية والزيادات السنوية المتراكمة وصل مستوى الحد الأدنى الفعلي للأجور في مصر – شاملا المكافآت والإضافات الأخرى- في أول يوليو 2008 إلى 394 جنيها للدرجة السادسة، وهو وفقا لتقدير الدراسة منخفض ويقل عن خط الفقر، وعن نصف متوسط الأجور الثابتة. وتذكر الدراسة المعايير التي ينبغي الرجوع إليها عند تحديد الحد الأدنى للأجور لدولة ما، ومن هذه المعايير خط الفقر للدولة، ومتوسط الأجر السائد في المجتمع، وتكاليف المعيشة، وقد اعتمد الباحثون على مثل هذه المعايير في حساب حد أدنى للأجور في مصر. واتسمت جميع المقترحات بالتضارب لعدم وجود سياسة متسقة للأجور في مصر تحسم قضية الحد الأدنى وعلاقته بهيئة الأجور. وقال د. عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية، في تصريحات سابقة نشرتها "بوابة الأهرام" بخصوص هذا الشأن: "هنجيب منين لرفع الحد الأدنى؟". ويجيب هنا جودة عبد الخالق على هذا السؤال قائلا: بالرجوع إلى الموازنة العامة سنجد أن هناك بنود إنفاق من الممكن تخفيضها، مثل الإنفاق في الحفلات العامة، ومواكب المسئولين، والبعثات الترويجية للاستثمار. ومن الممكن أيضا تخفيض ميزانية التليفزيون المصري للنصف، فليس من المعقول أن يجوع المواطنون لمشاهدة فوازير رمضان. ويضيف عبدالخالق أن المضاربين في البورصة، كبارهم وصغارهم، لا يتم فرض ضرائب عليهم رغم ارتفاع أرباحهم، بالإضافة إلى ذلك فإن المخصص للأجور في الميزانية العامة هو 94 مليار جنيه، وهذا للموظفين في القطاع العام فقط، ورغم أنه يعتبر مبلغًا معقولًا، فإننا سنجد أن الجزء الأكبر منه يذهب في مكافآت وبدلات لكبار العاملين في الدولة، مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بين أجور صغار العاملين وكبار العاملين في الدولة، وسوء توزيع الدخل، لذا يجب أن يعاد النظر في هيكل الأجور الحالي والنظر لقاع السلم الوظيفي.