حقائق ومعلومات ثرية ومهمة كشفها خبراء وأساتذة المالية خلال ورشة العمل التي عقدتها الجمعية المصرية للصحفيين الاقتصاديين برئاسة سالم وهبي رئيس تحرير الاهرام الاقتصادي ورئيس الجمعية بالتعاون مع مؤسسة' فريدريش ايبرت' الالمانية تحت عنوان الموازنة العامة وترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية وتناولت المبادئ والمفاهيم الاساسية للموازنة العامة, و اللامركزية واهميتها وادوات الراقبة علي المال العام, والعدالة الضريبية, والتامينات الاجتماعية والمعاشات. وشارك فيها27 محررا اقتصاديا من مختلف الصحف والمجلات القومية والحزبية والخاصة, وحاضر فيها خبير المالية العامة عبد الفتاح الجبالي رئيس مجلس ادارة الاهرام السابق, والدكتور خالد زكريا استاذ الادارة بكلية الاقتصاد بالجامعة الامريكية, والدكتورة منال متولي استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. كشف عبد الفتاح الجبالي عن خطورة نسبة العجز الذي تواجهه الموازنة العامة للدولة هذا العام والمقدرة نسبته ب10.8% من الناتج المحلي تعادل166.7 مليار جينه, واوضح ان النسبة الامنة لعجز الموازنة لا تتعدي5%, وبالتالي فان مضاعفتها الي النسبة الحالية تشكل خطورة واضحة علي الاقتصاد المحلي, لافتا الي ان قياس عجز الموازنة العامة تقدر خطورته بالقياس امام حجم الناتج المحلي الاجمالي وذلك بالاسعار الجارية لان الموازنة- كما يعرف- تتعامل مع تدفقات جارية وليس ارصدة. واشار الي ان العجز في الموازنة يعكس مدي قدرة الموازنة العامة في تحقيق اهدافها التي تتركز علي3 نقاط اساسية اولاها مدي تنشيطها للاقتصاد المحلي ومن ثم انعكاسه علي معدل النمو, والثانية: تشجيع مجالات صناعية او استثمارية معينة او تحجيمها حسب حاجة الاقتصاد ومدي استفادته منها, والثالثة: دورها الاجتماعي في الانفاق علي المجالات الاجتماعية التي تخدم الشرائح الدنيا والفقراء, لذلك فان الموازنة- حسبما اكد- تمثل قضية اقتصادية محورية علي مستوي العالم اجمع وليس مصر وحدها, غير ان تركيز اهميتها يتضاعف لدينا نتيجة عجزها حاليا, وما يترتب علي ذلك من اثار سلبية علي الاقتصاد القومي. وحول سبل تغطية عجز الموازنة العامة, قال الجبالي ان الاقتراض يعد الوسيلة الوحيدة الامنة نسبيا مقارنة بباقي الوسائل, موضحا ان السحب علي المكشوف او طباعة البنكنوت تعد إحدي الوسائل لكنها غير امنة ويترتب عليها اضرار بالغة الخطورة, ابسطها التضخم في حال طباعة البنكنوت, اما بالنسبة للاقتراض فنوعان الاقتراض الداخلي من الجهاز المصرفي, او الاقتراض الخارجي من الجهات الدولية المقرضة كصندوق النقد الدولي او البنوك الدولية, موضحا ان الاول الذي تنتهجه الحكومة حاليا يعاب عليه بانه يؤثر سلبا علي النشاط الاستثماري بالبلد لانه يؤدي الي مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص في طلب القروض لدي البنوك التي تفضل اقراض الاولي نتيجة ارتفاع سعر فائدة اقراضها مقارنة بالقروض التقليدية, بما يترتب عليه تراجع حركة الاستثمار وتأسيس المشروعات بالدولة. وحول مدي استفادة الخزانة العامة من ايرادات الهيئات الاقتصادية لتغطية عجز الموازنة, كشف الجبالي ان الهيئات الاقتصادية- التي تنفصل موازنتها عن الموازنة العامة وفقا للقانون- مدينة بحوالي54 مليار جنيه وتسعي الدولة لسد هذا العجز, ويتعين علي الدولة اتخاذ حلا جذريا لمواجهة خسائر هذه الهيئات من خلال اصلاح هياكلها المالية بهدف الحد من الخسائر في المقام الاول قبل جني المكاسب. واوضح ان قانون الموزانة العامة يقضي بأن تنفصل الهيئات الاقتصادية عن بنود الموازنة العامة وذلك بحجة انها كيانات اقتصادية قادرة علي المكسب بمفردها, ويؤول جزء من مكاسبها وفوائضها للخزانة العامة علي ان تتولي الدولة مهمة تغطية عجزها في حال الخسارة, وذكر بعض الهيئات الاقتصادية المنفصلة عن حساب الموازنة ومنها شركة مصر للطيران, وهيئة السكك, واتحاد الاذاعة والتليفزيون, هيئة المصل واللقاح, وشركة مياه الشرب والصرف, وهيئة مواني البحر الاحمر. واضاف الجبالي: ان الموازنة العامة المصرية لا تتمتع بالقدر المطلوب من المرونة وذلك لقيامها علي بنود ضرورية لا يمكن توفيرها او الاستغناء عنها, حيث يتضح من تقسيم بنود الموازنة ان نسبة كبيرة من الموازنة تخص الاجور والدعم وهكذا من البنود الاساسية, موضحا ان معيار المرونة يعني مدي الحيز الذي يمكن التحرك به لتعديل الموازنة بالخفض او الزيادة لبنودها, وعلي ذلك فان ذلك الحيز ضيق جدا في الموازنة المصرية وذلك لضرورية غالبية بنودها. غير انه اكد ان الباب السادس من الموازنة العامة والخاص ب الاستثمار يعد الباب الوحيد الاكثر مرونة مقارنة بباقي الموازنة, حيث يمكن التحكم فيه بالخفض في حالات العجز وذلك نظرا لطبيعة النشاط الاستثماري الذي يتسم بالفترات المفتوحة والمستغرقة لاوقات زمنية طويلة, غير ان ذلك ينعكس بالسلب علي مستوي النشاط الاقتصادي ومن ثم معدل النمو. وحول مدي شفافية الموازنة العامة, كشف الجبالي عن انخفاض مستوي شفافيتها بشكل ملحوظ بعد الثورة وان من اهم الخطوات الواجبة لضمان شفافية الموازنة قيام الجهاز المركزي للمحاسبات بدوره الصحيح ازاء متابعة الموازنة, حيث يتعين عليه مراقبة الموازنة واصدار تقرير لتقييم مدي صحة وتوازن بنودها وقياس مدي قدرتها علي تحقيق اهدفها الثلاثة- سبق ذكرها- في التنشيط الاقتصادي وتحديد السياسة الاقتصادية العامة وتحقيق العدالة الاجتماعية, مشيرا الي انه كلما زادت المدة اللازمة لاصدار هذا التقرير لعدة سنوات كان اكثر صحة ودقة, مضيفا ان نشر التقرير يعد من المعايير المهمة لقياس شفافية الموازنة, لافتا الي ان تفعيل قانون حرية تداول المعلومات يعد ايضا من معايير شفافية الموازنة. وبالنسبة للتنسيق فيما بين السياسة المالية والنقدية, اكد الجبالي انها مسألة صعبة للغاية وذلك ليس في مصر فقط وانما في مختلف دول العالم, موضحا ان السياسة النقدية المقصود بها السياسات المصرفية في تحديد سعر الصرف والفائدة, وتستهدف استقرار الاسعار والاحالة دون التضخم وتسند ادارتها للبنك المركزي, مشيرا الي ان سبب الصراع الازلي بين السياستين ان تغيير السياسة النقدية بتغيير سعر فائدة بالرفع- علي سبيل المثال- يصب في صالح البنوك لجذب المدخرات في حين لا يتوافق مع صالح السياسة المالية لانه يؤدي الي زيادة ترفع حجم الدين الحكومي. وحول الصناديق الخاصة اكد الجبالي انه ليس بالضرورة ان تخضع جميعها للخزانة العامة, موضحا ان الدولة اتجهت لاخضاع الصناديق الخاصة في حساب الخزانة الموحد من خلال تحويلها من البنوك التجارية وانشاء حسابات صفرية بالبنك المركزي, وذلك حتي تكون تحت نظر ورقابة وزراة المالية, غير انها لم تعم جميع الصناديق بذلك, فمثلا هناك صناديق تخضع مباشرة للخزانة مثل صناديق التنمية الثقافية والتنمية المحلية ومعهد الكلي بالمنصورة, في حين هناك صناديق لا تخضع لانها تؤول للغرض المنشأة من اجله, كما ان هناك صناديق حق عليها الانضمام للحساب الموحد غير انها لم تلتزم بعد, كاشفا عن ان عدد الصناديق التي جري تحويلها لحساب الخزانة الموحد بلع6.5 الف صندوق خاص بقيمة تقدر بحوالي42 مليار جنيه. وكشف الجبالي ان وضع حد اقصي للاجور لن يؤدي الي التوفير المأمول في حجم الانفاق ولن يؤثر بشكل ملموس في سد عجز الموازنة السنوات المقبلة, وذلك لان حجم التوفير سيكون محدودا للغاية وغير ملموس, غير انه اكد ان الهدف من وراء الحد الاقصي للاجور تحقيق العدالة الاجتماعية في الاجور بين افراد المجتمع. وفي الجلسة الثانية من ورشة العمل تحدث الدكتور خالد زكريا استاذ الادارة بكلية الاقتصاد بالجامعة الامريكية عن اللامركزية واهميتها وامكانية تطبيقها في مصر واقلاعها عن المركزية الحالية حيث نفي تماما ان تكون اللامركزية احدي صور الفيدرالية مستبعدا المخاوف المثارة حول هذا الاتجاه التي تتمثل في فتح الباب امام تشتيت الدولة وانفصال محافظاتها, مؤكدا عدم صحة هذه الادعاءات والمخاوف جملة وتفصيلا, بل علي العكس- حسبما قال- فان اللامركزية تقوي من وحدة الدولة وتبعد بينها وبين شبح الانقسام والتفتت, مستشهدا بنماذج الدول التي اقدمت علي هذا النظام وتمثل نحو78% من دول العالم وانها تشكل نماذج واقعية لنجاح اللامركزية في تقوية الدولة وتماسك وحدتها مثال ذلك دول اوروبا الشرقية بالاضافة الي الهند وماليزيا, في المقابل استحضر تجربة السودان في مركزية الدولة وانها كانت السبب الحقيقي وراء انقسامها شمالا وجنوبا. وقال:' انه بالمقارنة بوضعنا الراهن فلا يوجد سيناريو اسوأ مما تشهده مصر الان', مؤكدا ان مركزية الدولة كانت احدي اهم اسباب قيام الثورة خاصة فيما يخص المحافظات. واضاف انه بفحص تبعات مركزية الدولة لدينا يتضح ان نصيب المحافظات من الخطة الاستثمارية القومية لا يتعدي7% وان اجمالي ايرادات المحافظات نسبة لايراد العام لا يقدر ب3% وان اجمالي انفاقها يقدر ب11% من الانفاق العام فضلا عن ان85% من تمويل نفاقتها تمول من مصادر مركزية. واشار زكريا الي ان الدستور الحالي تناول امكانية التحول الي اللامركزية من خلال وضع استراتيجية لتحقيق ذلك علي مدي تدريجي مدته10 سنوات وذلك بعد دراسة تجارب نحو40 دولة اقدمت علي التحول الي اللامركزية بدء من التسعينيات, غير ان مواد الدستور الخاصة بالتحول للامركزية يشوبها عدم الوضوح واحتمالية اكثر من معني بما يمثل مشكلة في تفسيرها ومن ثم تفعيلها بالشكل المستهدف. واوضح زكريا اهمية اللامركزية في ادارة الدولة مشيرا الي انها تساعد في رفع الكفاءة الاقتصادية للدولة ومن ثم زيادة معدل النمو الاقتصادي, كذلك تضمن وصول الدعم لمستحقيه بآليات اكثر قربا من المستفيدين منه حيث تستهدف الفقراء, بالاضافة الي تفعيل دور الاحزاب علي المستوي المحلي وبث الروح للحياة السياسة والاقتصادية بالمحافظات. واكد زكريا ان قرار التحول الي اللامركزية يعد قرارا صعبا وذلك لتطلبه خطوات عديدة وصعبة وتحتاج وقتا طويلا حيث يتطلب التحول اعادة هيكلة الدولة واعادة تشريع معظم القوانين خاصة قوانين الموازنة والمناقصات, كذلك اعادة توزيع الوظائف والمسئوليات, مضيفا ان التحول يتطلب ايضا مزيدا من القوة لوزارة مالية خاصة فيما يتعلق بالعمل الفني, وان يجري نقل السلطة الي المجالس المحلية وذلك باعتباره المجلس المنتخب ليكون المفوض المسئول في كل محافظة. وتناولت الجلسة الثالثة النظام الضريبي في مصر ومدي صلاحيته لجمع الضرائب وزيادة ايرادات الدولة من حصيلتها وحاضرت بها الدكتورة منال متولي استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة, حيث اكدت ان تغيير ثقافة المجتمع وتصحيح مفهوم الضريبة في اذهان الافراد أصبح ضرورة لنجاح اي نظام ضريبي في مصر وزيادة حصيلة الخزانة العامة منها, مؤكدة ان المواطن لابد ان يعي اهمية الضرائب في تنمية الدولة وانها ليست جباية وانما وسيلة لمساعدة الدولة علي تقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين. واشارت إلي ان الضرائب في مصر تعاني مشكلة حيث انها منخفضة بشكل ملحوظ فتقدر نسبة الحصيلة الضريبية للناتج القومي الاجمالي بحوالي15% وتمثل68% من اجمالي الايرادات وتغطي حوالي44% فقط من اجمالي النفاقات العامة فضلا عن انخفاض معدل نموها سنويا من20% عام2007 الي6% عام2011, مشيرة الي انها تعد بذلك الاقل علي مستوي دول الشرق الاوسط. وكشفت متولي عن ان الشركات تعد من اكثر الفئات تهربا من الضرائب, حيث تقدر ضرائب الدخل علي الشركات والافراد45.5% من اجمالي الحصيلة وتحتسب هئيات البترول من ضمن الشركات المسددة للضرائب وتغطي الجزء الاكبر من الضرائب المفروضة مقارنة بالشركات الخاصة. واكدت ان اخضاع الاقتصاد العشوائي للضرائب يعد من اكبر التحديات التي تواجه المنظومة الضريبية حاليا موضحة انه رغم اهميته واضافته المعززة لحصيلة الضرائب فان هناك صعوبة شديدة في ضمه للمنظومة الرسمية وان تحقيق ذلك يستغرق سنوات طويلة رغم الاعفاءات والاغراءات العديدة التي بدأت الدولة تنتهجها لجذبه. ورأت ان الضريبة التصاعدية ليست الحل الامثل لزيادة الحصيلة الضريبية وذلك لانها تتوقف علي مدي غني المجتمع وزيادة عدد افراده ذوي المستويات الاقتصادية المرتفعة لذلك فانه بالتطبيق علي المجتمع المصري لن تكون الضريبة التصاعدية مجدية لضآلة حجم الفئات ذات المستويات الاقتصادية المطلوبة لاحداث الزيادة الملموسة بالحصيلة الضريبية. وحول ضريبة المبيعات علي السلع والمنتجات اكدت ضرورة الحرص عند احداث اي زيادة في مستوياتها خاصة فيما يتعلق بالسلع الاساسية كالغذائية وذلك للتأثير المباشر علي رفع الاسعار ومن ثم التأثير سلبا علي احتياجات فئات محدودي الدخل. وحول المتأخرات الضريبية, افاد عبد الفتاح الجبالي بأنها تقدر بنحو63.4 مليار جنيه منها10.9 مليار جنيه علي المؤسسات الصحفية, و2.7 مليار جنيه ضريبة دمغة, و39.6 مليار جنيه علي القطاع الخاص. وتابع الجبالي في جلسة اخيرة حول التأمينات والمعاشات الاجتماعية ان نظام المعاشات المصري افضل نظام علي مستوي العالم من حيث المزايا حيث انه يغطي جميع افراد الاسرة بخلاف باقي الدول غير ان عيبه الاساسي يظهر في الانخفاض الفريد ايضا في قيمة المعاش, وكشف كذلك عن ان هناك فجوة بين قيمة الاشتراكات التأمينية وبين المعاشات المصروفة هذا العام وتقدر بحوالي34 مليار جنيه.*