بالرغم من عدم استقرار الأوضاع السياسية في مصر وما يصاحبها من صعوبات يواجهها الاقتصاد المصري فإن رؤساء بنوك الاستثمار العالمية لم يبدوا اي نية في الخروج من السوق المصري مما يعد بمثابة اعتراف منهم بتماسك وقوة الجهاز المصرفي المصري. ولمعرفة اهمية دور هذا القطاع في دعم الاقتصاد ولتحليل والاطلاع علي السياسيات المصرفية المصرية اجري الاهرام الاقتصادي هذا الحوار المفصل مع الدكتورة مني البرادعي المدير التنفيذي للمعهد المصرفي المصري والعميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. تقول د. مني انه بالرغم من إفتاء شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية بمطابقة المعاملات البنكية التجارية العادية للشريعة حيث انها تعمل بنظام الوكالة الذي هو نوع من أنواع التمويل الإسلامي, يفوض فيه المودع البنك بالاستثمار بالإنابة عنه. إلا أن عددا كبيرا من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة مازالوا محجمين عن التعامل مع البنوك التجارية لاعتقادهم انها حرام وبالتالي توفير منتج إسلامي لهم سوف يجتذبهم للتعامل مع البنوك. وتضيف د. مني انها لا تري اي ضرر من تنويع العرض بل تراه مفيدا اولا لتنشيط الاقتصاد. وثانيا لتوسيع قاعدة العملاء المتعاملين مع قطاع البنوك الذين لا يتخطون نسبة10% فقط من اجمالي السكان في الوقت الحالي. وتؤكد د. مني ان العبرة ليست بإطلاق مسميات إسلامية علي المنتجات فقط بل يجب ان تكون هناك مشاركة حقيقية في الربح والخسارة بين البنك والعميل أسوة بما كان يقوم به بنك مصر في الماضي حيث ساهم في العديد من الشركات. أعلن البنك المركزي مرارا وتكرارا ان سعر الجنيه مقوم بقيمته الحقيقية كما انه لم يحدث اي تعويم لسعر الجنيه وكل ما شهده الدولار من ارتفاع في سعر الصرف كان فقط نتيجة لزيادة الطلب علي الدولار كرد فعل للأسباب التالية: أولا: الشائعات فرفع سعر الدولار لم يستند إلي أسباب حقيقية وان كل ما حدث كان من نتاج شائعة تخريبية تم تداولها علي' الفيس بوك' فحواها ان السيد فاروق العقدة محافظ البنك المركزي السابق تقدم باستقالته لعدم قدرته عن إعلان إفلاس مصر. و تعتقد د.مني ان تلك الشائعة كانت مقصودة لإحداث بلبلة لان اي شخص يمتلك قدرا من الرشادة لا يمكن ان يعلن مثل ذلك الخبر لأنه يقوم بتخريب الاقتصاد بنفسه. ورغم نفي العقدة للخبر وإعلانه انه كان خارج البلاد في ذلك الوقت فإن هذا لم يهدئ من روع المودعين. بالاضافة الي ترويج بعض أصحاب شركات مالية زورا وبهتانا في الاعلام ان الحكومة سوف تضع يدها علي الودائع بالعملات الاجنبية والمصرية مما اثار فزع المواطنين ودفعهم الي سحب اموالهم من البنوك. ثانيا: المضاربة كانت سببا في رفع سعر صرف الدولار لكن آلية إجراء مزاد علي بيع وشراء الدولار أسهم في استقرار السعر بعض الشيء وأنا أثق في قدرة هشام رامز محافظ البنك المركزي علي تحقيق استقرار سعر الصرف من خلال اتخاذه حزمة من الإجراءات الناجحة. تؤكد د. مني البرادعي ان من أهم الصعوبات التي تواجه الجهاز المصرفي هي عزوف أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن التعامل مع البنوك وليس العكس فبعضهم يتوجس من البنوك نتيجة عدم قدرته علي قراءة وملء الاستمارات مثلا. ولتشجيع اصحاب تلك المشروعات قام المعهد المصرفي بعمل دورة تدريبية توضح كيفية التعامل مع البنوك بدءا من ملء الاستمارة وشرح الضمانات المطلوبة وكل ما يستعصي عليهم فهمه من إجراءات. وفي الجهة المقابلة تم تدريب المصرفيين العاملين في إدارات المشروعات الصغيرة علي طريقة التعامل مع تلك الشريحة من العملاء لاستقطابهم للتعامل مع الجهاز المصرفي. وتضيف المدير التنفيذي للمعهد المصرفي المصري ان المعهد أجري بالتعاون مع الجهاز المركزي للمحاسبات مسحا شاملا للوقوف علي حجم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي وصل عددها38 الف منشأة مسجلة. وقد تمت إتاحة نتائج هذا البحث للبنوك لمعرفة العملاء المحتملين الذين لا يتعاملون مع الجهاز المصرفي في الوقت الحالي. وايضا كنوع من الحافز قام البنك المركزي بتخفيض نسبة الاحتياطي للقروض الممنوحة لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. علاوة علي ذلك توجد حاليا بعض البنوك تتعامل مع القطاع غير الرسمي منها البنك الاهلي علي سبيل المثال. لكن في النهاية لابد من الاعتراف انه لم يحدث اقراض لتلك المشروعات بالنسبة التي كان يأملها البنك المركزي. تقول د. مني البرادعي ان تلك البنوك تقوم بالفعل بتمويل كل المشروعات الاستراتيجية مثل الكهرباء والبنية التحتية لكن المطلوب منها التوسع في إقراض المشروعات المتوسطة والصغيرة لتدعيم الاقتصاد في الوقت الراهن حيث وجد ان القطاع الأكبر من المصريين يقبل علي شراء المنتجات المصرية التي تنتجها تلك المشروعات التي يمكن ان تحل محل المنتجات الرديئة المستوردة من الصين وبلاد شرق آسيا. لكن في نهاية الامر لا نستطيع اتهامها بالحذر وبالإحجام عن الدخول في استثمارات ذات مخاطرة عالية الربح حيث انها مطالبة بالحفاظ علي ودائع العملاء بالاضافة الي تحقيق ارباح مثلها مثل البنوك الاخري. تؤكد د. مني انها ليست قلقة من تخفيض تصنيف مصر الائتماني لأنها تراه عارضا مؤقتا ناتجا عن عدم استقرار الأوضاع السياسية حيث ان الاقتصاد المصري لم يشهد كوارث حقيقية او هزات عنيفة. وان كل ما حدث هو توقف بعض الاستثمارات الأجنبية والسياحة مما اثر علي معدل النمو لانهما كانا مصدرين كبيرين للعملة الأجنبية, ويتوقع العديد من الخبراء عودة السياحة والاستثمارات في غضون ثلاثة أشهر علي الأكثر في أعقاب هدوء الأحوال السياسية. وتضيف د. مني انه بالرغم من عدم توقف الإنتاج حتي الآن فإنه مهدد بهذا في المستقبل نتيجة اعتمادنا علي استيراد المواد الخام وقطع الغيار والسلع الوسيطة المستخدمة في كثير من الصناعات التي تستلزم وجود وفرة في العملة الأجنبية. شهد الجهاز المصرفي عدة موجات إصلاحية خلال العقدين الماضيين فقد تم تطبيق بازل1 و2 بنجاح في البنوك المصرية وجار تطبيق بازل3 التي تركز علي مفاهيم الرقابة الرشيدة والمحاسبة في البنوك. وتؤكد د. مني ان البنك المركزي مهتم بشدة بتطبيق هذا الجزء للحفاظ علي ما تم من إصلاحات في الجهاز المصرفي في الفترة الماضية. اما بالنسبة للأموال التي هربت خارج مصر في العهد السابق, فتنفي د. مني انها أحدثت اي هزة في القطاع المصرفي المصري الذي وللغرابة شهد زيادة في معدلات القروض بشكل ملحوظ بعد الثورة في كل البنوك مما يشير الي رغبة المستثمرين في العمل لكن المشكلة تكمن في عدم الاستقرار السياسي والامني. في اعتقاد د. مني ان الاقتراض من الخارج أفضل من الاقتراض من الداخل, وأكدت ان المباحثات التي تمت مع صندوق النقد لم تشهد اي إملاءات علي الجانب المصري من قبل الصندوق. وان كل ما طلب هو وضع برنامج محدد لخفض عجز الموازنة عن طريق فرض ضريبة عقارية ورفع دعم الطاقة تدريجيا وزيادة ضريبة الدخل بحد اقصي25%. فصندوق النقد أعطي فقط خطوطا استرشادية بينما الكلمة الأخيرة تظل للحكومة المصرية التي يمكنها التفاوض مع الصندوق لتحقيق برنامجها الوطني الذي تعتقد انه الأنسب لمصر. وحصولنا علي قرض صندوق النقد سيكون بمثابة شهادة اعتراف دولية علي قدرة الاقتصاد المصري علي التعافي وان السياسات الاقتصادية المتبعة تسير في الاتجاه السليم كما انه كان سيفتح الباب امام10 مليارات اخري في صورة قروض ومنح واستثمارات اجنبية مما سوف ينعش الاقتصاد. الوقت ليس مناسبا لفرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية في البورصة في رأي د. مني نظرا لاضطراب الأوضاع في البورصة وهي تحبذ فرض ضريبة علي الأرباح الرسمالية عند بيع او انتقال ملكية الاراضي التي يتم' تسقيعها' مثلا حيث يحقق البائع ربحا يقدر بملايين الجنيهات دون ان يبذل اي مجهود. فضلا عن تأييدها لتطبيق الضريبة التصاعدية في المستقبل مع زيادة حد الاعفاء وزيادة عدد الشرائح الضريبية بالنسبة لمحدودي الدخل واصحاب الدخول المرتفعة. بينما هي تري حاليا ان الاولوية يجب ان تكون لتنشيط الاقتصاد وجذب الاستثمارات باي طريقة مثلما الحال في دبي التي لا تفرض اي ضريبة علي الشركات لجذب الاستثمارات. 70% من الموازنة موجهة للدعم وسد الدين المحلي ومرتبات العاملين بالدولة وأهم خطوة في اعتقاد د. مني للخروج من تلك الحلقة المفرغة هي إلغاء دعم الطاقة البالغ65 مليار جنيه وتخصيص ما تم توفيره من أموال الي زيادة مرتبات الطبقات الفقيرة وتحسين أحوال التعليم والصحة. ومن جانبها تري د. مني انه ليس أمامنا بديل للحد من الدين المحلي سوي زيادة الإنتاج. والي ان تستطيع مصر الخروج من عنق الزجاجة يجب علي الحكومة خلق قنوات اتصال مع الشعب لتفسير الوضع الاقتصادي بكل شفافية وشرح خطة الحكومة والبدائل المطروحة امامها وتحديد المدي الزمني لتطبيق تلك الخطة. فالشعب ممكن ان يتحمل لفترة لو رأي بصيص نور في نهاية النفق وان لم يحدث هذا فالبديل هو الاضطرابات التي نشهدها في الشارع الآن. تري د. مني ان الدولة تخلت خلال الثلاثين سنة الماضية عن دورها في وضع السياسات العامة واهملت التعليم والصحة والبنية التحتية مما نتتج عنه ان اغلب المشروعات التي شهدتها مصر في تلك الحقبة كانت مشروعات استهلاكية قليلة القيمة. ومن هنا تأتي أهمية دور الحكومة في تحفيز المستثمرين وتوجههم الي النشاط الامثل للنهوض بالاقتصاد. فمصر تحتاج الي مشروعات زراعية كبري ومشروعات لاستغلال الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء والبدء في ممر التنمية عند قناة السويس مما يستوجب من الحكومة إنشاء بنية تحتية داعمة لتلك المشروعات. اما فيما يخص مشروعات القطاع العام فتعتقد د. مني أن أي مسئول لن يجرؤ علي الإقدام علي خصخصة اي منها حاليا حتي لو كان يحقق خسارة, لذلك الحل من وجهة نظرها هو اعادة تشغيلها في ظل ادارة كفؤة مع إعطاء تعويضات عادلة لمن يراد تسريحه من العمال. تقول د. مني ان الله حبا الاقتصاد المصري بالكثير وان كل ما ينقصنا هو الادارة الرشيدة التي تحسن توظيف هذه الإمكانات وعلي رأسها سياحة الشواطئ والصحاري والآثار ويمكن اللجوء الي حلول مبتكرة مثل استغلال القري السياحية المبنية بالفعل بمحاذاة الساحل الشمالي وإعطائها لشركة لتأجيرها بنظام' التايم شير' كما هو الحال في اسبانيا مما سوف يزيد من أعداد السائحين. كما يجب الاستعانة بشركات زراعية كبري تغنينا عن استيراد الغذاء وطريق مصر- اسكندرية الصحراوي خير مثال علي انه عند وجود بنية تحتية معقولة يتهافت المستثمرون علي قطاع الزراعة. وبالنسبة للصناعة فزيادة عدد السكان جعلت من مصر سوقا ضخما يمكن اي مستثمر من توزيع انتاجه في الداخل دون الحاجة الي التصدير. ناهيك عن موقع مصر الجغرافي المتميز الذي يجب استغلاله في انشاء محور قناة السويس وما سوف يتبعه من تشييد مدن وصناعات. ولا يجب اهمال مشروعات الطاقة المتجددة التي تعد بمثابة كنز لمصر وكل ما نحتاج إليه هو إعادة تدريب وتأهيل الايدي العاملة فقط*