لم تعد فرضية حدوث أزمة اقتصادية في الصين مسألة محل شك ولكنها باتت مسألة وقت. وذلك وفقا لتحليل مطول نشرته الايكونوميست حول تضخم الديون الصينية مشيرا إلي أن الصين كانت على صواب عندما قررت فتح صنابير الاستدانة والاقتراض من أجل دعم التنمية في الصين عقب حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية من أجل دفع عمليات النمو الاقتصادي ولكنها كانت بالتأكيد مخطئة عندما لم تعاود غلق هذه الصنابير مرة أخرى. وبصفة عامة فقد ارتفع معدل مديونيات هذا البلد العملاق الداخلية بسرعة كبيرة من 150% من إجمالي الناتج المحلي قبل عقد من الزمان إلى 260% وهو معدل استدانة يدرك معه الاقتصاديون جيدا أن القادم بالتأكيد سيكون أزمة مالية حادة. ويرى محللون أنه يجب على الصين أن تبدأ في كبح جماح ديونها المتزايدة بشكل كبير، وفرضية أن حكومة رئيس الوزراء الصيني “زي جين بينج” سوف تواصل تسديد فواتيرها وقروضها إنما تعبر عن مزيد من العند لا أكثر ولا أقل، كما يجب على الصين أيضا أن تتحمل مزيدا من التراجع في النمو وتغلق الشركات الخاسرة وتترك المجال لمؤشر النمو نحو التراجع، صحيح أنها إجراءات قاسية ولكن الصين تأخرت كثيرا ويجب عليها تحمل هذه الإجراءات المؤلمة، حيث بات الهدف الرئيسي الآن هو تجنب ما هو أسوأ، وفي كل الأحوال نصحت الإيكونوميست الصين بتجميد خططها الرامية إلي تدويل عملة اليوان حيث ترى أنها خطوة استباقية لن تؤدي سوي إلى مزيد من التدهور للنظام المالي الصيني باعتبار أنه نظام مالي مهتز. وبعد أن قفز معدل الاستدانة الداخلية للصين إلى 062% من إجمالي الناتج المحلي أي ما يعادل 72 تريليون دولار فقد احتلت الصين المرتبة الأولى كأكبر مدين على مستوى العالم وذلك إذا استبعدنا الولاياتالمتحدة وتأتي بعدها اليابان حيث بلغ معدل استدانتها 230% بالنسبة إلى الناتج المحلي بقيمة تتجاوز تريليون دولار. ورغم كل ما سبق إلا أن الواقع بات أكثر إزعاجا فتقريبا خمسا ديون الدول حول العالم يذهبان سدادا لفوائد قروضها الخارجية، ففي عام 2014 تعرض ملاك أكثر من ألف شركة صينية للاستدانة بسبب فوائد القروض بما يفوق أرباحهم الفعلية قبل حتى خصم الضرائب منها. وتحتاج الصين إلى مزيد من الأموال من أجل إتاحة الفرصة لاستمرار مؤشر التنمية البطئ بالأساس، حيث تقوم حاليا باقتراض 4 يوانات من أجل إضافة يوان واحد للناتج المحلي الإجمالي بزيادة 3 يوانات عن ما كان الوضع قبل الأزمة الاقتصادية في 2008 ومن المرجح أن يرتفع مستوى الاستدانة وعوائدها بصورة أكبر خلال الأعوام القادمة. وعندما تدور عجلة الديون فسوف تتعرض كل من أسعار الأصول الصينية والاقتصاد الفعلي لصدمة حقيقية، صحيح أن الصين تستطيع بنجاح أن تسدد التزاماتها الخارجية إلا أنه يمكن القول إنها تواجه خطرا اقتصاديا محلي الصنع بما يهدد بوقوع انفجار اقتصادي هائل عما قريب. فالصين هي ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم وقطاعها البنكي هو الأضخم بأصول تعادل 40% من الناتج الدولي الإجمالي، والبورصة الصينية رغم انهيار العام الماضي تساوي قيمتها 6 تريليونات دولار وتأتي في المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة، وسوق السندات الصينية هو ثالث سوق سندات على مستوى العالم من حيث النمو بقيمة 7.5 تريليون دولار وقد تسبب تخفيض قيمة اليوان الصيني بنسبة 2٪ الصيف الماضي في إحداث أزمة بالبورصات العالمية، وعليه من الممكن أن تتكرر الأزمة الاقتصادية مرة أخرى لو شهد العالم تكرر هذه المأساة مرة أخرى. المتفائلون بشأن الاقتصاد الصيني يرتكزون في تفاؤلهم هذا على عنصرين أساسيين، العنصر الأول: هو أن المسئولين الصينيين أثبتوا عبر 30 عاما من الإصلاحات أنه لديهم الإرادة والمهارة اللازمتين للتعامل مع أي مشكلة بمجرد التعرف عليها، أما العنصر الثاني فهو التحكم الجيد في النظام المالي الصيني حيث تملك الدولة معظم البنوك ومعظم دائنيها في الداخل يمنحونها الوقت الكافي لسداد مديونياتهم. إلا أن مصادر التفاؤل تلك يبدو أنها تختفي فما يتضح أن الحكومة الصينية لا يبدو وأنها تتحكم في سير الأمور بقدر ما تبدو وكأنها تكافح من أجل التعايش معها، ففي العام الماضي فقط أنفقت الصين نحو 200 مليار دولار من أجل دعم البورصة وتعثرت الحكومة في سداد قروض بما قيمته 65 مليار دولار وكلفت التعاملات المالية المشبوهة المستثمرين نحو 20 مليار دولار فضلا عن مغادرة استثمارات بقيمة 600 مليار دولار فضلا عن وجود مؤشرات مقلقة بشأن انسحاب بعض الاستثمارات القديمة في الصين، وتتسع الديون في الصين بسرعة تضاعف سرعة نمو الاقتصاد. وفي الوقت نفسه يبدو أن قبضة الحكومة على النظام المالي تلين، فعلى الرغم من المحاولات المستمرة لإحكام السيطرة عليه، إلا أن عمليات الاقتراض المتزايدة والمستمرة تخفف من هذه القبضة. وبناء عليه فقد تزايدت أصول الظل بنسبة تزيد على 30% سنويا خلال السنوات الثلاث الماضية، ونظريا فبنوك الظل - أي البنوك التي تمنح الحكومة قروضا على أنها استثمارات كنوع من أنواع الغش والخداع المصرفي- تنوع من مصادر الاستدانة وتخفف من درجة المخاطرة مقارنة بالبنوك العادية، إلا أنه عمليا الخط الرابط بين بنوك الظل والبنوك العادية يبدو غير واضح، وهو ما يخلق نوعين من المخاطرة، المخاطرة الأولى: هي حدوث خسارة أكبر من المتوقع بالنسبة للبنوك حيث إنها متعطشة إلى تحقيق الفوائد في اقتصاد ينمو أصلا ببطء وكثير من البنوك قامت بتصنيف القروض الممنوحة للحكومة على أنها استثمارات وذلك في شكل من أشكال المراوغة من أجل الوفاء باحتياجات الدولة المالية، وتقدر قروض الظل تلك بحوالي 16٪ من إجمالي القروض في الصين وذلك وفقا لتقديرات عام 2015 بزيادة قدرها 4% عن عام 2012. أما المخاطرة الثانية: فهي تكمن في السيولة، فالبنوك باتت أكثر اعتمادا على ما يعرف بمنتجات إدارة الثروة حيث تقوم بدفع معدلات فائدة أعلى للإيداعات قصيرة الأمد وتقوم بوضع هذه الإيداعات في أصول طويلة الأمد. ولسنوات كانت الصين تحظر على البنوك منح القروض التي تقل في قيمتها عن نسبة %75 من إيداعاتها لدى البنوك في تأكيد على أن السيولة المادية لديها كانت متوافرة ولكن النسبة الحقيقية الآن باتت 100% وهي البداية التي قد تتسبب في كارثة بنكية حال عجزت الحكومة الصينية عن توفير التمويل اللازم لأقساط وفوائد هذه القروض. ولن تكون نهاية مشهد تراكم الديون في الصين كما يتوقعه كثيرون وفقا لنموذج الانهيارات الاقتصادية في الأعوام الماضية، فنظام الظل البنكي في الصين بات ضخما ولكنه لم يتورط بعد في أنشطة اقتصادية دولية أو معقدة يمكنها أن تؤثر في أنحاء عدة بالعالم كما حدث في أزمة القروض العقارية في الولاياتالمتحدة عام 2008، فالنظام المالي الصيني معزول إلى حد ما بما يعني أنه سوف يشبه في انهياره الكارثة الآسيوية بين عامي 1997 1998 عندما اقترضت دولتا تايلاند وكوريا الجنوبية من الخارج. فالبعض يخشى أن تكون الصين في طريقها نحو الركود كما كانت اليابان عام 1990 إلا أن النظام البنكي الصيني في حقيقة الأمر في وضع أكثر كارثية ويضغط على النظام الحكومي بوتيرة أسرع من تلك التي في اليابان، فالأزمة في الصين أكثر حدة وأكثر مفاجأة من الأزمة اليابانية التي كانت إلى حد ما وعكة اقتصادية مزمنة. والشيء الوحيد المؤكد في كل ما سبق أنه كلما تأخرت الصين في تصفية مشكلاتها كانت العواقب أكثر حدة، فبشكل مبدئي يجب أن تستعد الصين لحدوث فوضى اقتصادية، حيث إن سياسات الصين في التعامل مع أزمة البورصة العام الماضي كانت مروعة، ويجب على المسئولين عن النظام المالي والاقتصاد أن يجدوا طريقة لمراقبة الأوضاع والاستعداد برد فعل للطوارئ. وعوضا عن نشر الحوافز المالية والنقدية من أجل إبقاء النمو فوق المعدل الرسمي المستهدف بنسبة 6.5٪ يجب على الحكومة أن توفر قواها من أجل الاستعداد للأزمة القادمة، كما يجب على البنك المركزي أن يخطط لكيفية جعل عملة اليوان عملة دولية.