حذرت تقارير سابقة من خطورة تفاقم مشكلة الديون الرديئة فى الصين على سلامة نظامها المالى، وجاء اعلان افلاس احدى شركات الدولة ليلقى الضوء مرة أخرى على القضية مع تسارع خطوات الحكومة للتعامل معها. من المعروف ان الصين لديها أكبر احتياطى من النقد الاجنبى فىالعالم، ولكن فى المقابل لديها مشكلة بنحو 28 تريليون دولار تمثل حجم ديون حكومتها وشركاتها وقطاعها العائلى. وتعثر شركة صناعة المحولات الصينية «باودنج تيانوي» عن عجزها سداد قسط فوائد سندات بقيمة 85.5 مليون يوان (14 مليون دولار)، سابقة تعد الأولى من نوعها بأن تسمح فيها الصين بإفلاس شركة تديرها الدولة، ما يثير عدة تساؤلات حول معنى الحدث وتداعياته على الاسواق والمستثمرين . كانت السندات التى تصدرها المؤسسات الحكومية الصينية تعتبر حتى الآن ملاذا آمنا بالنسبة للمستثمرين على أساس أن الدولة ستتدخل بطريقة ما عند الضرورة. ولكن يمكن النظر الى إعلان إفلاس «باوندنج تيانوي» محاولة من جانب الحكومة للحد من التوسع الزائد لسوق سندات الشركات حيث يسمح لقوى السوق بلعب دور أكبر فى إصلاح الاقتصاد. من قبل كان هناك أكثر من حالة إفلاس بين شركات خاصة، مثل شركة «شنغهاى شاورى سولار إنيرجي» التى فشلت فى الوفاء بالتزاماتها المالية بالكامل منذ عام واحد فقط. يذكر أن ديون الشركات فى الصين أعلى من مثيلاتها فى أى دولة ليس فقط من حيث الأرقام المجردة لكن أيضا بالنسبة للأداء الاقتصادى بحسب أحد مستشارى البنك المركزى الصيني. ووفقا لمجموعة ماكينزى الاستشارية يقدر إجمالى حجم الديون (الحكومية والعائلية والشركات) الصينية بنحو 28 تريليون دولار، أو 282٪ من اجمالى الناتج الاقتصادى السنوى للبلاد. وتستهدف الحكومة الصينية تقليص هذا العبء الضخم الى مستويات يمكن التحكم فيها وذلك عن طريق إعادة رسملة البنوك وإصلاح المالية العامة وإلغاء الضمانات الضمنية لإقراض الشركات، التى ساعدت من قبل المتعثر منها، مثل «باودنج تيانوي». وفى الوقت نفسه، تسعى الصين الى تعزيز نمو اقتصادها البالغ حجمه 10.4 تريليون دولار والذى يعانى من التباطؤ وربما سيستمر كذلك خلال العام المقبل ايضا، بحسب توقعات صندوق النقد الدولى. هذا فى حين سجل الاقتصاد الصينى نموا بنسبة 7٪ فى الربع الاول، وهو أقل معدل منذ عام 2009، وأقل كثيرا من متوسط النمو السنوى خلال الفترة من عام 1980 وحتى 2012 والبالغ 10٪. وكان تعثر شركة «كايسا» ايضا عن سداد مليار دولار من السندات ناقوس خطر بالنسبة للمستثمرين الدوليين. وتقدر قيمة السندات المستحقة على الشركات الصينية بنحو 275 مليار دولار بحسب بيانات بلومبرج. ويتوقع محللو الائتمان فى وكالة فيتش فى شنغهاى المزيد من حالات التعثر عن السداد للشركات غير الاستراتيجية المملوكة للدولة غير القادرة على تحقيق ارباح تجارية. ويقول البعض: ان مثل هذه الاحداث سوف تعمل على ترسيخ المزيد من الانضباط المالى فى السوق، وكذلك إعادة تخصيص رأس المال بكفاءة أكبر فى الاقتصاد. وفى ظل تلك المؤشرات، استحوذت مجموعة من الاجراءات الحكومية على اهتمام الاسواق الدولية حيث يبدى المستثمرون اهتماما كبيرا هذه الايام بالمخاطر المتزايدة للنظام المالى الصينى مع تتنامى المخاوف بخصوص الديون الرديئة فى النظام المصرفى وقطاع الشركات المثقل بديون، بعضها كانت دولارات رخيصة لكنها لم تعد كذلك. وتقدر حصة الديون الحكومية بنحو 40٪ من الناتج المحلى الاجمالى للبلاد، مما يمثل تهديدا خطيرا بالنسبة لاستقرار النظام المالى برأى خبراء، لاسيما أنه قد ارتفع مبلغ تلك الديون بنسبة 25٪ فى 18 شهرا فقط. الجدير بالذكر ان الزيادة فى الدين الصينى على مدى السنوات الخمس الماضية (باجمالى حوالى 70٪ من الناتج المحلى الاجمالى) هى الاكبر من نوعها فى تاريخ الدول النامية منذ الحرب العالمية الثانية. وكان معظم الزيادة من نصيب قطاع الشركات (أو 200٪ من الناتج المحلى الاجمالى) بحسب مورجان ستانلى لادارة الاستثمارات. والمشكلة برأى تقرير للفاينانشال تايمز، هى معاناة الاقتصاد الكلى من التباطؤ، حيث انخفض النمو الى أقل مستوى فى 6 سنوات خلال الربع الاول، علاوة على تراجع الصادرات وانخفاض مؤشر اسعار المنتجين لاكثر من ثلاث سنوات. وهذه الضغوط الانكماشية تؤكد تضخم الطاقة الفائضة فى الاقتصاد وكذلك الافتقار الى قوة التسعير بالنسبة لمعظم الشركات. ففى ظل ضعف الاقتصاد سوف يكون من الصعب على المقترضين سداد خدمة الديون وان كانت الحكومة تتساهل مع بعض الشركات لاسيما فى قطاعات مثل العقارات والصلب والاسمنت. ويرصد محللون اتجاه الصين الى نموذج جديد لن يسمح فيه للشركات الكبيرة بالفشل، لكن الشركات الصغيرة المملوكة للدولة فى قطاعات لديها طاقة فائضة سوف تفشل. ونظرا الى مخاوف من ان يكون مصدر آخر للفشل مستقبلا هو البنوك نفسها لاسيما الصغيرة، فمن المتوقع القيام بإصلاحات تنظيمية تشمل برنامج تأمين الودائع وإلغاء الحد الاقصى للفائدة على الودائع الذى دعم الائتمان وأثر سلبا على المدخرين. من ناحية أخرى، يقول محللو مورجان ستانلى ان البنوك هى خط الدفاع الاول فى الاقتصاد الصينى وحتى الآن كان اداؤها جيدا على مستوى التمويل والربحية، لكنها لم تحقق الكثير فيما يتعلق بتخصيص رأس المال وجودة الأصول. غير ان غالبا ما تحرص البنوك على ابطاء نمو الاصول لاسيما خارج الميزانية. وقد بدأت العمل على فصل المقترضين اصحاب القروض المتعثرة بحسب الجدارة الائتمانية لكل منهم. إجراءات التحفيز الجديدة ومن المقرر ان يحصل المقترضون (ومن ثم مقرضوهم) على مساعدة من البنك المركزى فى شكل خفض الفائدة. فبغرض دعم السيولة لدى البنوك وخفض التكاليف المالية للشركات قام بنك الشعب الصينى مؤخرا بخفض نسبة الاحتياطى الإلزامى لجميع البنوك 100 نقطة أساس إلى 18.5٪. وهو أكبر تخفيض منذ الازمة العالمية فى 2008 . وهذه الخطوة سوف تسفر عن زيادة السيولة لدى البنوك الصينية وبنحو 194 مليار دولار بحسب تقديرات وكالة بلومبرج. كما ضخ البنك المركزى الصينى ما قيمته 62 مليار دولار من رأس المال فى اثنين من البنوك المملوكة للدولة، التى يشار إليها بأنها بنوك «السياسة» حيث انها معنية بتنفيذ اهداف الحكومة. وخلال الاسابيع الاخيرة دعا رئيس الوزراء البنوك لدعم النمو الاقتصادى وتمديد أجل القرض إذا لزم الأمر للمقترضين الرئيسيين. مجموعة «كايسا» القابضة التى اعلنت إفلاسها مؤخرا هى أول شركة عقارية فى الصين تتعثر عن سداد دينها الدولارى. من ناحية أخرى اعتبر تقرير الفاينانشال تايمز ارتفاع عدد حالات الديون الرديئة المسجلة مؤشرا إيجابيا أكثر منه مثيرا للقلق لانه يعنى تحسنا فى مستوى الشفافية مشيرا الى اتخاذها خطوات صغيرة لكن فى الاتجاه الصحيح. ////////// البنوك الصينية طاردة للكفاءات ! تشهد الصين ظاهرة جديدة بترك أعداد متزايدة من المصرفيين العاملين بأكبر بنوك الدولة وظائفهم بسبب خفض الأجور والحوافز وانتقالهم للعمل بأنواع جديدة من الشركات المالية مثل شركات التأجير والصناديق والشركات التى تعمل عبر الانترنت. ففى إطار حملة للتقشف ومكافحة الفساد خفضت بعض البنوك الحكومية أجور جميع العاملين بها بعدما قامت بكين بتقليص أجور بعض كبار المصرفيين فى بنوك الدولة العام الماضي. ومن ثم قد تجد البنوك الحكومية صعوبة فى تعيين كفاءات جديدة أو الاحتفاظ بما لديها من كفاءات نظرا لضعف الإقبال على فرص العمل فيها مما يقلص من قدرتها على منافسة مؤسسات الإقراض الحديثة. ولكن هذا التطور قد يكون لصالح الشركات المالية الجديدة. الجدير بالذكر ان أجر المصرفى المتوسط الخبرة فى بنك مملوك للدولة بين 600 و800 ألف يوان (نحو 97-129 ألف دولار) سنويا إلا أن المصرفيين يقولون إن متوسط الأجور أقل. ويحصل العاملون على عطلة سنوية خمسة أيام فقط. وعلى النقيض فإن الشركات الإلكترونية والصناديق وشركات التأجير تعرض أكثر من مثلى الأجر.