يكتسب الدور التنموى للادارة العامة اهتماما متزايدا ، كما يثير العديد من القضايا والاشكاليات ، فالادارة العامة هى المسئولة عن ترجمة الاهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة الى سياسات ثم وضع الخطط والبرامج لتنفيذها وتحديد المشاريع واولوياتها، مع تهيئة المناخ المناسب لمشاركة القطاع الخاص فى تحقيق التنمية الشاملة للبلاد. ولما كانت قضية التنمية باعتبارها عملية مجتمعية متكاملة هى قضية ضخمة ومتشعبة، الامر الذى يتمخض عن تحمل الادارة العامة بأعباء من نوع جديد لم تكن مهيأة لها تعليما وتدريبا أو عملا وممارسة، لذلك كان من الضرورى لكى تتمكن أجهزة الدولة وتنظيماتها من القيام بدورها التنموى بالتوازى مع دورها التقليدى الذى يتعلق بتنفيذ القوانين واللوائح، أو اداء الخدمات العامة، كان من الضرورى مع اتساع هذه المهام وتزايد اعبائها تطوير دور ووظائف الجهاز الادارى للدولة وتأهيله لكى يكون اداة رئيسية لتحقيق التنمية أو بعبارة أخرى يكون جهازا لادارة التنمية تتوافر له القدرة علي الحركة والابتكار والمبادأة. فادارة التنمية الفعالة هى التى تملك القدرة علي بلورة تطلعات المجتمع برسم السياسات الاكثر ملاءمة ، وتصميم الخطط والبرامج وتنفيذها أو متابعة تنفيذها بكفاءة من منطلق قدرتها علي تحريك قوى المجتمع من خلال مشاركتها الفاعلة فى التنمية المجتمعية وتطوير رأس المال البشرى والمادي واستثمار الموارد الاستثمار الامثل الذى يحقق المستوى الحضارى المتطور ذاتيا فى جميع القطاعات. والواقع أن أداء هذا الدور التنموى بالقدر المطلوب كما وبالكفاءة المطلوبة نوعا يتطلب تنمية قدرات الجهاز الادارى وإمكانياته بما يؤهله للوفاء بالمهام الانمائية الموكلة إليه ويحقق التنمية المستدامة بمعدلات عالية وتحفيز القطاع الخاص ، وتنمية موارد الدولة وكفاءة استغلالها، لهذا كله كان التوجه الي تنمية الادارة كتنظيم وافراد واجراءات عملية حتمية لكى تتمكن من القيام باعباء ادارة التنمية علي الوجه الامثل. ومن منطلق هذا التلازم بين الادارة والتنمية وكيف يمهد كل منهما للأخر ويؤثر فيه ويتأثر به فى علاقة جدلية "Dialectic" يمكن القول بالآتى: أن ثمة علاقة ارتباطية طردية، وتغذية مرتدة بين درجة فاعلية الادارة وبين كفاءة حركة التنمية. أن كفاءة عنصر الادارة فى علاقته بالتنمية الشاملة لايمكن النظر اليه علي أنه متغير تابع فحسب ولكن ينبغى النظر اليه ايضا باعتباره متغيرا مستقلا. أن تحقيق التنمية الادارية يجب أن يأتى كمقدمة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ومواكبا لها باعتبار أن كفاءة ادارة العمل الانمائى أمر ضرورى للاسراع بمعدلات النمو وتحقيق التنمية المجتمعية. وعلي ذلك ، فإذا كان تحديد مفهوم ادارة التنمية بأنه يشمل جميع الانشطة المتعلقة بإعداد وتنفيذ وتقويم السياسات والبرامج التى تهدف الي تحقيق التطوير الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والادارى للمجتمع بما يتضمنه هذا من تحريك وتنظيم واستخدام جميع الموارد المتاحة استخداما أمثل فان تنمية الادارة إذن تتضمن تطوير الهياكل التنظيمية ، وتحسين بيئة العمل وزيادة القدرات الادارية باختيار العناصر القيادية المناسبة، واكسابها المهارات والقدرات والاتجاهات التى تؤهلها لاداء عملها بطريقة افضل فى عالم يتسم بالتغير الدائم والمنافسة الجادة. ونظرا لأن الادارة العامة لاتعمل فى فلك منفصل أو مستقل، بل هى تمثل جزءا من نسيج البيئة التى تعمل فيها فليس غريبا أن يعمل الجهاز الادارى للدولة النامية عامة فى اطار اجتماعى لايخلو من التأثيرات الضارة حيث تنعكس علي الادارة ايجابا وسلبا سمات وخصائص مجتمعها بل مشكلاته مما قد يؤثر فى مستوى ادائها ومعدلاته. إن وضع المشكلة الادارية فى الدول النامية عموما شديد الصعوبة، ذلك أن هذه الدول وهى تسعى الي تحقيق التنمية تجد أن أعباء النمو أقوى من طاقة الادارة وقدرتها علي مواجهتها والتصدى لها . ومما يزيد الوضع صعوبة وتعقيدا أن المشكلة الادارية ليست منقطعة الصلة بالمشكلات الانمائية الاخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة فى المجتمع بل إن هذه المشكلات تتشابك نظرا لقوة علاقات السبب والنتيجة فيما بينها فتقيد قدرة الادارة علي الحركة، ومن ثم يصبح ضروريا تحقيق التنمية الادارية بشكل يواكب التنمية فى جميع القطاعات الانتاجية فى المجتمع. وبالرغم من اختلاف المشكلات الادارية فيما بين البلدان النامية تبعا لاختلاف البيئة والظروف ، فان هناك مشكلات رئيسية تشترك فيها أغلب هذه البلدان وهى تتمثل فى الآتى: ضعف العلاقة بين الترقى الوظيفى من ناحية والخبرة والتأهيل من ناحية أخرى، الامر الذى تمخض عنه نتيجتان مهمتان : الاولي ظهور طائفة من الاداريين غير الاكفاء علي قمة الجهاز الادارى الأمر الذى يؤثر بالسلب علي الاداء الانمائى، أما النتيجة الثانية فهى نقص الكفاءات الفنية الضرورية لقيام الاجهزة العامة بالدور المسند اليها. الميل نحو النمطية فى الانظمة وأساليب العمل بغض النظر عن اختلافات طبيعة العمل وبيئته . التضخم الوظيفى مما يؤدى الى ظهور البطالة المقنعة فى القطاع الحكومى. المركزية الشديدة فى اتخاذ القرارات. ولاشك أن هذه المشكلات وغيرها تثقل كاهل الادارة العامة، الامر الذى يجعلها وهى تئن تحت وطأة هذه الاوضاع تعجز فى كثير من الاحيان عن أداء الخدمات الموكولة اليها علي الوجه المطلوب وبالكفاءة المطلوبة. من هنا تبرز أهمية الادارة لضمان ادارة أكثر كفاءة للتنمية بعناصرها البشرية وطرقها وأساليبها بحيث تصبح أعلي حساسية للتطور، وأكثر اهتماما باستشراف المستقبل والتخطيط والاستعداد له ، وأكثر تقبلا للتغيير. [email protected]