تصريح صادم منسوب لرئيس غرفة صناعة الملابس باتحاد الصناعات اختزل فيه حجم المكاسب المتوقعة نتيجة فوز مصر بتنظيم كأس الأمم الإفريقية على الصناعة بزيادة إنتاج ومبيعات قمصان المنتخب الوطنى بما يحقق عوائد إضافية تتراوح بين 30 و40% من الناتج الحالى، وفضلا عن عدم معقولية النسبة مقارنة بحجم إنتاج الملابس الرياضية إلى كل نشاط صناعة الملابس، فقد كان الأولى برجل الصناعة أن يرفع من سقف طموحاته بدعوة أسواق صناعة الملابس والمنسوجات لاستغلال هذه المناسبة الرياضية المهمة لتعريف الزوار الأفارقة وغيرهم بمدى ما وصلت إليه الصناعة المصرية من تقدم فى هذا المجال وبالتخطيط للقفز بمبيعات الملابس عدة أضعاف خلال فترة انعقاد المسابقة الرياضية التى تزيد على الشهر. وكرجل صناعة أيضا فقد كان عليه كذلك أن يحث زملاءه من العاملين فى صناعات المنتجات الجلدية والأثاث والأدوات الكهربائية والمنزلية والتحف والهدايا وغيرها على استغلال هذه المناسبة القارية للترويج لمنتجاتهم بين الرياضيين وآلاف المشجعين الذين يزورون البلاد بهذه المناسبة، ومن ثم زيادة مبيعات عشرات السلع التى تحظى باهتمام السياح.. ولاسيما إذا كانوا من الأفارقة. وقد أصبح معروفا الآن أن تنافس الدول على استضافة مسابقات كرة القدم الدولية والإقليمية له دوافعه الاقتصادية وذلك بعد التطورات المتصاعدة التى شهدتها صناعة كرة القدم وأصبحت سوقا متضخما حجمه مئات المليارات من الدولارات وتدر عشرات المليارات كل عام على الاتحادات والأندية واللاعبين والعاملين بها والشبكات الإعلامية الرياضية. وقد شهدت عوائد الدول من تنظيم كأس العالم نموا متسارعا فى الألفية الجديدة حيث بلغت أرباح ألمانيا من تنظيمها كأس العالم فى 2006 نحو 4.5 مليار دولار ارتفعت إلى 6.5 مليار دولار تمثل أرباح جنوب إفريقيا من تنظيمها لمسابقة 2010، وفى 2014 حققت البرازيل إيرادات بلغت 11 مليار دولار ووفرت المناسبة نحو مليون فرصة عمل إضافية، أما مونديال روسيا فى 2018 فقد در عوائد اقتصادية ناهزت 14 مليار دولار توزعت على أنشطة السياحة والفنادق التى استضافت 600 ألف مشجع، وشكَّل الإنفاق على المشتريات والمطاعم الجانب الأكبر من الدخل، وأنفقت البعثات الرياضية والسياح 317 مليون دولار فى قطاع النقل بمفرده. بالطبع نحن لا نتوقع مثل هذه الأرقام للاختلاف البين فى حجم الاهتمام الجماهيرى لكأس العالم عن كأس الأمم الإفريقية ولطبيعة الفرق ولنوعية المشجعين أيضا. ومع ذلك فإن إقامة المسابقة فى مصر تمثل سلسلة من الفرص على عدة أصعدة لعل أهمها دعم سياسات الدولة الرامية إلى عودة الاهتمام بإفريقيا، والتى أصبحت على كل حال محل اهتمام العالم سياسيا واقتصاديا. اقتصاديا، تمنح استضافة مصر لفعاليات كأس أفريقيا فرصة رحبة لتعريف الأفارقة بالتطور الذى طرأ على الإنتاج الوطنى فى مختلف المجالات، كما ستكون للحفاوة والطيبة الفطرية لدى المصريين أثرها فى جذب المشجعين والرياضيين الأفارقة للبلاد على غرار ما كان عليه الحال فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى، ومع ذلك فإن القائمين على التنظيم يتعين عليهم العمل بكل قوة لتجنيب الزوار كل ما يمكن أن يعكر صفو إقامتهم فى البلاد. وقد اعترف مسئولون ورياضيون أن مصر لم تنجح فى تحقيق الاستفادة المتاحة خلال تنظيمها لمسابقات كأس إفريقيا السابقة التى كان آخرها فى 2006 ، ولاشك أن لجانا عدة سوف تشكل لتنظيم وإدارة المسابقة التى ستبدأ منتصف يونيو المقبل أى بعد نحو 5 أشهر، وهنا قد يحسن التفكير فى إضافة لجنة للشئون الاقتصادية تكون معنية بتعظيم الاستفادة من هذا الحدث سواء على الجانب الترويجى أو على جانب إنعاش الأسواق خلال فترة إقامة المباريات. هناك الكثير مما يمكن عمله على هامش إقامة مسابقة كأس الأمم الإفريقية وربما تكون الفترة المتبقية على افتتاح المسابقة بالكاد تكفى لعمل منظم ودقيق لتعظيم الاستفادة من هذا الحدث، وقد يصح أن تضم اللجنة ممثلين عن رجال الأعمال وغرف التجارة والسياحة لضمان توافر الخبرة التجارية. ولو أحسن التسويق الجيد والتنظيم الدقيق ولو كانت الأسعار مدروسة وملائمة للمتسوقين والسياح الأفارقة، فإن الاقتصاد الوطنى يمكن أن يستفيد إيرادات طيبة جراء فوز مصر بتنظيم هذه المسابقة الرياضية ذات العوائد المجزية على مختلف الأصعدة.