خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو العالمى فى 2018 من 3.9% إلى 3.7%. وعلى الرغم من أن الخفض لم يكن كبيرا، فإنه أثار موجة بيع مكثفة فى أسواق الأسهم مؤخرا، لتشهد وول ستريت يوما مظلما مع هبوط مؤشر داو جونز إلى أدنى مستوى له منذ فبراير، وسط قلق المستثمرين إزاء ارتفاع معدلات الفائدة. وخلال أسوأ جلسة منذ فبراير، انخفض مؤشر داو جونز الصناعى بنسبة 3,20%، بينما كان قد وصل إلى مستوى قياسى قبلها بثمانية أيام. أما مؤشر ناسداك فتراجع 4,1% فى أسوأ خسارة له منذ تصويت بريكست فى يونيو 2016، فيما هوى مؤشر ستاندرد أند بورز 3,3%.
الإيكونومست تحذر من تفاوت النمو بين الاقتصادات المتقدمة ومجموعة الأسواق الناشئة
وفى رأى محللى مجلة الإيكونومست فإن مخاوف المستثمرين لها أسباب قوية بالإضافة إلى رفع الفائدة الأمريكية، وأبرزها التفاوت الكبير فى معدلات النمو بين الاقتصادات الناشئة بعضها بعضا وبين الاقتصادات المتقدمة (بين الاقتصاد الأمريكى والاقتصادات الأخرى).
فى الوقت نفسه، هبوط البورصات العالمية يعكس أيضا مدى مخاوف المستثمرين بخصوص تأثير التوترات التجارية بين أمريكا والصين على أرباح الشركات، مع ظهور مؤشرات على تراجع الأرباح لا سيما بالنسبة لقطاع التكنولوجيا الذى دفع بأسهم شركة أبل للانخفاض 4.6% خلال يوم واحد فقط.
التفاوت الكبير فى معدلات النمو، مثلما كشفت توقعات صندوق النقد الدولى فى تقريره الأخير، يثير قلق الكثيرين من الخبراء والمحليين.
فالتفاوت فى معدلات النمو يعد مصدرا لعدم استقرار النظام المالى العالمى، سواء بين الولاياتالمتحدة والدول المتقدمة الأخرى أو داخل مجموعة الأسواق الناشئة، وهى التى ارتفعت حصتها من الناتج العالمى إلى 59% حاليا مقارنة ب43% قبل عشرين عاما وقت اشتعال الأزمة المالية الآسيوية.
كان التقرير الصادر عن صندوق النقد الدولى حول الاستقرار المالى العالمى قد أفاد بأن النمو العالمى قد يكون فى خطر إذا شهدت الأسواق الناشئة مزيدا من التدهور أو تصاعدت حدة التوترات التجارية.
وحذر خبراء صندوق النقد الدولى من «نقاط ضعف جديدة» فى النظام العالمى. فأشارت مديرة الصندوق كريستين لاجارد خلال اجتماع صندوق النقد الدولى والبنك
الدولى فى بالى فى إندونيسيا، إلى ضرورة تكاتف الجهود من أجل تخفيف التوتر وحل النزاعات التجارية.
وحذر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبيرتو ازيفيدو، من أن نشوب حرب تجارية على نطاق واسع قد يؤدى إلى تراجع (حجم) التجارة العالمية بنسبة 17,5% وانخفاض الناتج العالمى 1,9% بحسب دراسة أجرتها المنظمة.
كما حذر صندوق النقد من أن الأسواق النامية مثل تركيا والأرجنتين والعديد من الدول الآسيوية تواجه خطر فقدان مفاجئ لثقة المستثمرين، والذى يمكن أن يؤدى إلى هروب جماعى للاستثمارات بما قد يصل إلى 100 مليار دولار أو أكثر وبما يحاكى سيناريو الأزمة المالية العالمية لعام 2008.
وبحسب تقديرات صندوق النقد فإن الولاياتالمتحدة هى الاقتصاد الكبير الوحيد الذى سينمو بأكثر من المتوقع خلال العام الحالى. ويرجع الفضل لسياسات دونالد ترامب فى خفض الضرائب والبطالة. فى حين تواجه منطقة اليورو أزمة اقتصاد إيطاليا التى قد تنتقل إلى دول أخرى مثقلة بالديون والعجز.
وبحسب ماريو دراجى، رئيس البنك المركزى الأوروبى، تزايد الحمائية هو «المصدر الرئيسى للمشكلات» فى اقتصاد منطقة اليورو، حيث أظهرت استطلاعات الشركات الأخيرة وبيانات التصنيع الرسمية انخفاض الثقة وتباطؤ مبيعات التصدير.
ويوضح محللون أن الأداء الجيد للاقتصاد الأمريكى يقود الدولار للارتفاع، ما يثير اضطرابات واسعة النطاق فى صناعة التمويل العالمية ويقوض النمو فى الأسواق الناشئة. فرفع أسعار الفائدة الأمريكية أدى إلى هبوط عملات الأسواق الناشئة، حيث تزيد الضغوط على الدول المثقلة بديون دولارية.
ومع ذلك، الازدهار الأمريكى لن يستمر طويلا. والتخفيضات الضريبية سوف يكون تأثيرها سلبيا على التحفيز الاقتصادى بحلول 2019. ويبدى البعض مخاوفه من وقوع الولاياتالمتحدة فى أزمة ركود بحلول 2020. ويتوقع محللون أنه فى ظل شيخوخة الأمريكيين، سينخفض معدل النمو عن 2% سنويا على المدى الطويل، ما لم تزد الإنتاجية كثيرا.
من جانبها، دافعت لاجارد عن سياسة البنوك المركزية بخصوص رفع أسعار الفائدة فى انتقاد ضمنى للرئيس دونالد ترمب الذى اعتبر أن الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى «أصابه الجنون» ويسهم فى اضطرابات أسواق المال.
وقالت لاجارد: إن الزيادات التى أقرتها البنوك المركزية مثل التى قررها الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى مبررة وفقا لأساسيات الاقتصاد.
وأفادت خلال مؤتمر صحفى فى بالى بأن الأمر يعد بوضوح تطورا ضروريا لتلك الاقتصاديات التى تظهر الكثير من النمو المتزايد وارتفاعا فى التضخم وبطالة متدنية للغاية.
وأضافت أن الأمر حتمى أن تتخذ البنوك المركزية القرارات التى اتخذتها.
كما دافع وزير الخزانة الأمريكى ستيفن منوتشين، عن رفع الفائدة، مؤكدا براءته من تراجع الأسواق المالية.
وقال لوكالة أنباء بلومبرج: إن الأسواق ليست كفؤة وهى تتحرك فى الاتجاهين وأحيانا تتخطى الحدود فى الاتجاهين، وأكد أن أسس الاقتصاد الأمريكى لا تزال قوية للغاية.
كان جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى، قد أدهش فريقا من المتابعين بالمديح الذى قاله للاقتصاد الأمريكى مؤخرا، لكن أداء الاقتصاد الأمريكى الجيد كان بالفعل أحد الاتجاهات الرئيسية للأسواق هذا العام. لكنه جاء فى وقت كان فيه جزء كبير من بقية العالم يتباطأ، ما بات يثير قلقا بخصوص تفاوت النمو.
وفى السياق نفسه كان رأى كبير خبراء مجموعة اليانز محمد العريان، الذى اعتبر أن تقديرات صندوق النقد تشاؤمية فيما يتعلق بأكبر اقتصاد فى العالم.
وقال العريان لشبكة «سى إن بى سى»: إن الاقتصاد الأمريكى سينمو بمعدل أسرع مما توقعه صندوق النقد، ونفى احتمال تعرضه لأزمة ركود. وقال: إن الإنفاق الحكومى وزيادة ثقة مناخ الأعمال سيعززان النمو الاقتصادى للولايات المتحدة. غير أن الخطر الحقيقى -فى رأيه- هو الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم.
أما المحلل الاقتصادى مارتن وولف فيرى أن معدلات أسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة كشفت عن ضعف عدد من الاقتصادات الناشئة، وقال إنه يتوقع بالتالى مزيدا من الاضطراب.
وأضاف فى مقال له بصحيفة فاينانشال تايمز أنه بمجرد انطلاق شرارة الأزمات المالية الكبيرة، يكون الأوان قد فات. ويشير تحليل الضوابط التنظيمية الوارد فى تقرير صندوق النقد «الاستقرار المالى العالمى» لشهر أكتوبر إلى تجاهل وتذمر المصرفيين ضد التنظيم. والأهم ضرورة المحافظة على زيادة متطلبات رأس المال.