ذكرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي اعتمدها تحت شعار "أمريكا أولا" خلال 2017، العام الأول لرئاسته، شهدت تخلي الولاياتالمتحدة عن دورها الريادي في العالم، غير أن ذلك لم يؤدِ إلى تدهور الأوضاع على صعيد التعاون الدولي كما كان متوقعا، بل على العكس تدخلت دول أخرى لتحتل الريادة، وحققت نجاحات. ونشرت المجلة، مقالا تحليليا - نُشر أولا على موقع مجلس العلاقات الخارجية (منظمة أمريكية مستقلة) - يلقي الضوء على عدد من القضايا الدولية التي شهدت تغيرا في السياسات الأمريكية تجاهها، وتخلي واشنطن عن دورها الريادي فيها، إلا أن هذه القضايا حققت نجاحات ولم تتأثر كثيرا بغياب دور الولاياتالمتحدة، وعلى رأسها قضايا التغير المناخي والتجارة العالمية والهجرة وحظر الانتشار النووي إلى جانب شؤون المؤسسات الدولية. وفيما يتعلق بالتغير المناخي، أبرز المقال أن إعلان ترامب في يونيو الماضي اعتزامه انسحاب الولاياتالمتحدة من اتفاق باريس للمناخ، كان الضربة الأكبر التي وجهها للتعاون الدولي، وعلى عكس التكهنات بأن انسحاب واشنطن سيؤدي إلى تخلي دول أخرى عن التزاماتها أو تباطؤ التقدم في مسألة الحوكمة البيئية، فقد نجح مؤتمر المناخ العالمي، الذي عقد في مدينة بون الألمانية، في وضع اللمسات النهائية على اتفاق باريس، ونجحت الدول المشاركة في تدبير تمويل إضافي للمبادرات المناخية واتفقت على عدة أهداف. كما استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون - الذي تبنى سياسة خاصة لمكافحة التغير المناخي - مؤتمر قمة مناخ آخر في ديسمبر نجح في إيجاد تمويل إضافي للوفاء بالتزامات "اتفاق باريس"، في دلالة على شبه إجماع دولي على دعم اتفاقيات باريس، وعلى أن التعاون متعدد الأطراف في قضية التغير المناخي سيستمر دون قيادة الولاياتالمتحدة. وبالنسبة للتجارة العالمية، أوضح المقال أنه بالرغم من قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ وتهديده بالانسحاب من اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، فإن أيا من الاتفاقين لم يفن، فأعضاء اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ أعادوا إحياء فكرة الاتفاقية من خلال منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا - المحيط الهادئ (أبيك) في نوفمبر الماضي، وأحرزوا تقدما ملحوظا في اتفاق جديد للتبادل الحر بينها، من دون الولاياتالمتحدة. ومع تنازل واشنطن عن زعامة التجارة العالمية، أحرز الاتحاد الأوروبي تقدما في العديد من الاتفاقيات الهامة الخاصة به، والتي ضمت دولا تمثل في مجملها نسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أهمها اتفاقية مع اليابان سيترتب عليها ضرر بصادرات الولاياتالمتحدة، مما يعني أن ترامب في تطبيقه سياسة "أمريكا أولا" سيضر بمصالح الولاياتالمتحدة التجارية. أما بالنسبة للهجرة، فبالرغم من إدلاء ترامب بآراء سلبية عن المهاجرين وتوقيعه عدة قرارات تنفيذية رامية إلى وقف استقبال اللاجئين، وأخرى لحظر دخول المهاجرين من دول مسلمة، وغيرها من الخطوات، إلا أن جهود المجتمع الدولي في التعاون من أجل قضايا اللاجئين ظل مستمرا بالرغم من بعض الانتكاسات التي شهدتها أوضاع اللاجئين حول العالم. وتناول المقال مسألة حظر الانتشار النووي، لافتا إلى أنه على الرغم من قرار ترامب عدم التصديق على الاتفاق النووي الإيراني ظل الاتفاق المعروف أمميا ب "خطة العمل الشاملة المشتركة" على قيد الحياة، حيث أدان الاتحاد الأوروبي قرار ترامب، وتعهدت الصين وروسيا بالاستمرار في الالتزام بالاتفاق ما دامت إيران ملتزمة به حتى إن انسحبت الولاياتالمتحدة. ولفت المقال إلى أن استمرار نجاح الاتفاق أمر حيوي لمستقبل حل التوترات مع كوريا الشمالية سلميا، حيث يرى البعض أنه قد يمثل نموذجا لاتفاق مماثل مع كوريا الشمالية، وأنه في حال انسحاب إدارة ترامب منه فستفقد الولاياتالمتحدة أية مصداقية لها في تفاوضها مع كوريا الشمالية. واختتم المقال بأن الرئيس الأمريكي بانسحابه من التعاون الدولي، يحرم الولاياتالمتحدة إلى الأبد من دورها المهم تاريخيا في تشكيل الأعراف الدولية والسياسات متعددة الأطراف، وأن دولا على استعداد لقبول التحدي مثل الصين وفرنسا، هي التي ستحدد شكل القوانين والمؤسسات الدولية لتتناسب مع أولوياتها دون النظر لأولويات الولاياتالمتحدة، ولن تكون تلك الدول على استعداد للتخلي عن نفوذها المكتسب حديثا إذا ما قررت الولاياتالمتحدة أن تستعيد نفوذها العالمي من جديد.