المتابعة الصحفية التى نشرها الاقتصادى فى العدد الصادر فى 2 اكتوبر الماضى تحت عنوان: سرقة خامات وتهريب الذهب للخارج.. الشورى يكشف اسرار استنزاف ثروات منجمى المغارة والسكرى، أثارت شهية الدكتور أحمد عاطف دردير رئيس هيئة المساحة الجيولوجية الأسبق لطرح وجهة نظره بخبرة السنوات ولبلورة رؤية جديرة بالاحترام فيما يخص واقع الثروات المعدنية فى مصر.. حيث يقول د. دردير: التعدين فى مصر واستثمارات ثروات البلاد التعدينية يجرى على أسس ونظم وقواعد متوازنة منذ أكثر من قرن من الزمان اكتشف خلالها المنجنيز والفوسفات والذهب والتلك، بالاضافة الى مواد البناء وترتب على هذه الاستكشافات اقامة صناعات عملاقة، اقصد صناعات افادت البلاد والعباد كثيرا وافادت الدولة كذلك، فأول قانون ينظم استثمار الثروة المعدنية صدر عام 1948، أما آخر هذه القوانين فقد صدر عام 1956، أسس هذا القانون ومبادئه لم تتغير فالمواد المعدنية ملك الدولة ومن أموالها وإذ ناءت الحكومة باستثمارها استعانت بخبرات أجنبية او محلية متخصصة وفق معايير وقواعد معلنة سلفا. فالمشكلة ليست فى تقادم القانون او فى عدم ملاءمته للتطورات، وان كنت لا أذكرها ولكنه لايزال البناء السليم الذى يحتاج كل فترة الى عمليات الصيانة والتجديدات حسب متطلبات العصر. ولحماية الثروة المعدنية وعدم تبديدها او إهدارها او إتلاف بيئتها فقد اخضعت الحكومة كل مناطق الاستثمار التعدينى تحت رقابتها بانشاء مكاتب اقليمية تسمى تفاتيش المناجم او تفاتيش المحاجر او تفاتيش الملاحات حسب الأحوال وظيفتها متابعة المستثمر وتوجيهه للصواب الا فيما ندر وارتكب المستثمر أخطاء متكررة وهنا يلزم اتخاذ الاجراءات القانونية التى قد تصل الى حد إلغاء الترخيص، وقد نص القانون على ان من يعمل بدون ترخيص ويستخرج خامات يعاقب بعقوبة السرقة لما لمفتش المناجم والمحاجر والملاحات من صفة الضبطية القضائية، ومن هنا ندرك ان المخالفة تثبت على المخالف وقت حدوثها ولا مجال للتهاون او الإهمال أو طمس الحقيقة فالسرقات التى فى مفهوم المناجم والملاحات لابد من نقلها بوسائل نقل: لوارى وسيارات فليست مما يمكن إخفاؤه او يتم نقله فى الظلام، فالجبل لا يخفى أسراره ابدا والدليل أننا مازلنا نردد أن أماكن الفراعنة لاستخراج الذهب وغيره من الخامات مازالت مسجلة ومحفوظة فى سجل اراضى الصحارى التى توجد فيها الذى لا يمكن محوه، بل ان أى عملية استخراج لصخر او حجر او معدن لا يمكن تخبئة أثره بل ومن الممكن حسب خبرات المهنة تحديد كمية ما استخرج بترخيص او بدون ترخيص بدرجة دقة كبيرة، ومن ثم تحدث المكافأة أو الجزاء ولا محل لوجود تلاعبات يصعب كشفها إن آجلا أم عاجلا .. أما موضوع الذهب فقد تناولته الصحافة ومن ثم الرأى العام من منطلق بريقه الأخاذ وسهولة التشكيك فلم يسبق لمصر ان مارست عمليات انتاجية معقدة وكبيرة بهذا الشكل منذ عصر الفراعنة حتى الآن، فما تم استخراجه من ذهب خلال هذه العهود كان يتم من عروق المرو الكوارتزالحامل للذهب الذى كان يلزم ان يتم استخراجه بمناجم من تحت الارض معظمها مناجم صغيرة قليلة الانتاجية أمكن للمستثمر الصغير فقط للعمل بها، ومن ثم فإن ما يجرى على ارض جبل السكرى من حيث الحجم وفلسفة استخراج الذهب من الصخر القليل المحتوى من ذرات من الذهب فكرة جديدة على مصر وان كانت مطبقة فى العالم منذ أعوام طويلة فى جنوب افريقيا واستراليا وغيرها. ويمكن القول هنا ان الحجم الكبير للمشروع وتعقيدات الانتاج لم يسبق لمصر ان مارسته من قبل ومن ثم حجم الهجوم على المشروع يأتى من قوم لا يملكون الخبرة الكافية او القدرة على الحكم او من مدعى العلم والمعرفة وكان الذهب يوجد مثل الكنز الفرعونى جاهزا بمجرد العثور عليه. لقد بلغت حملة التشكيك او تطرقت الى تكنولوجيا استخلاص الذهب وذلك المتبقى منه على الاعمدة الكربونية وهو ربما يكون من أوعز بذلك الامر لا يعرف شيئا عن تكنولوجيا الاستخلاص واصدر حكما وإشاعة دون علم بأن هذه الأعمدة وما يخرج منها خارج نطاق الرقابة، وليت من اوعز بذلك كان متخصصا فى مناجم الذهب، شاهد ما يحدث فى جنوب افريقيا او استراليا او حتى موريتانيا. أما الحديث عن النفايات فهو ايضا يدل على عدم الدراية والمعرفة بدقائق العمل وتفاصيله، يكفى ان نقول ان ما يستخرج من صخور من موقع المنجم يصل الى 15 الف طن يوميا وان محتواها من الذهب الذى هو الهدف الأساسى لا يزيد على 2 جرام لكل طن.. أى ان إجمالى كمية الذهب المنتجة يوميا تصل الى 30 كجم من هذه الكمية من الصخور ليدلنا أى خبير كيف لا تحتسب هذه الكميات على انها نفايات وقد استخلصت ما بها من ذهب وماذا يجرى فى العالم من طرق لمعالجة او التخلص من هذه النفايات. بحكم العمل فى مشروع انتاج الذهب اتفاقية موقعة بين كل من هيئة الثروة المعدنية والشريك الأجنبى من طرف والحكومة المصرية من طرف آخر، وتم التوصل الى هذه الاتفاقية عام 1994 م بعد مفاوضات عسيرة بين هيئة الثروة المعدنية والشريك الأجنبى المصرى الجنسية وروجعت بمجلس الدولة ثم بمجلس الوزراء ولجانه ثم المناقشة بلجان مجلس الشعب ثم العرض على الجلسة العامة بمجلس الشعب الذى أقر الاتفاقية ايضا بعد المناقشة المستفيضة وفوض وزير البترول من قبل المجلس ممثلا للحكومة بتوقيعها بعدها بدأت أعمال التنفيذ لعمليات البحث والاستكشاف بعد إقرار لجنة مشتركة من هيئة الثروة المعدنية والشريك لبرنامج البحث وتكاليف هذه العمليات التى يقدمها الشريك. استغرقت اعمال البحث الفترة من 1995 حتى 2005 عندما قدمت دراسة الجدوى الاقتصادية وبدأت تركيبات المصنع الذى يتم فيه استخلاص الذهب ثم بدأ الانتاج التجريبى أواخر عام 2009 ومنذ يناير 2010 م بدأ الإنتاج المنظم بمعدل 200 الف أوقية سنويا قيمتها بالسعر المعلن خلال شهر سبتمبر اكثر من 340 مليون جنيه.. المساحات التى اجازتها الاتفاقية بالقانون 222 تبلغ مساحتها حوالى 5000 كجم ولوجود معوقات دخل طرفا التعاقد فى خصومة ألجات الطرفين للقضاء قبل عام 2004 وبمجرد انتقال مسئولية هيئة الثروة المعدنية الى وزير البترول توصل الوزير سامح فهمى لصيغة توافقية للصلح مقابل تخلى الفرعونية عن المساحات الواردة فى الاتفاقية التى تغطى كل مناطق البرامية ووادى الحمامات وابومراوات وثلاثة ارباع منطقة السكرى واستبقى للمشروع مساحة 160 كم2 فقط وبمعنى اكثر وضوحا ان الوزير سامح فهمى ضحك على الشركة الفرعونية لتتنازل على باقى المناطق الواردة بالاتفاقية والصادرة بالقانون 222 سنة 1994 أى قبل ظهور الوزير سامح فهمى بعشر سنوات، وأتساءل من الذى قرر أن موقف مصر فى قضية التحكيم كان الأقوى؟ . ومن غير المتصور ان الحفر الاستكشافى لأعماق تحت السطح مهما كانت كبيرة يؤدى الى انهيار المنجم، هذا الحفر الذى لا يزيد قطر بئر الحفر على 200 ملليمتر، وتزيد المسافة بين البئر والأخرى على المائة متر فهل يعقل ان يتصور أحد ان ذلك يؤدى الى انهيار منجم.. وعجبت ان يتطرق التفكير الى ايقاف المرحلة الرابعة لاستخراج الذهب من منجم السكرى كيف ومن يقرر ذلك خاصة ان تنفيذ هذه المرحلة يتم داخل كتلة منجم السكرى وليست امتدادا له.. هل تتجاهل ان نتائج الاستكشاف العميق اثبتت وجود الذهب على العمق أكثر من 400 م وحتى 1000 متر تحت سطح الارض وبمتوسط محتوى من الذهب يصل الى 5 7 جرامات فى الطن، بمعنى ان هذا المحتوى اغلى كثيرا من محتوى المنجم المفتوج الجارى الاستخراج منه حاليا.. هل يفكر عاقل له خبرة بأعمال التعدين فى إيقاف مدة المرحلة نظير اقتسام الدولارات المتحصلة التى تزيد الى أكثر من الضعف عند بدء الإنتاج المنتظم ؟ ان منجم السكرى يعتبر اول منجم مركب فى مصر منذ تاريخ انتاج الذهب فى البلاد، حيث يتم باستحداث طريقة البحث عن الذهب وانتاجه المنتشر فى الصخر وليس فى عروق المرو الصغيرة الحجم مما مكن عن الانتاج التعدينى الكبير 15طن يوميا عدا الصخور العقيمة التى يلزم إزاحتها، مما يحقق يوميا أكثر من 30 كجم من الذهب الخام كما سبق ان ذكرنا الأمر الذى يستلزم ضرورة تنقيته ليمكن تحديد سعر بيعه فى البورصات العالمية. وأقول أخيرا للمتعجلين قطف الثمرة، رويدكم لا تتعجلوا قتل الوليد الطفل واتركوه ليكبر ويشب ليكون قدوة ومثلا لغيره من المشروعات ثم يجرى الحساب والعتاب.