إن أمن وسلامة اليمن واستقراره يساوى أكثر بكثير من التكلفة المادية للعملية العسكرية» هكذا عقب بوضوح وحسم العميد أحمد العسيرى المستشار بمكتب وزير الدفاع السعودى الناطق الرسمى باسم قوات التحالف العربى على سؤال وجهه له أحد الصحفيين فى مؤتمره الصحفى اليومى الذى كان يوجز فيها وقائع عملية عاصفة الحزم عن كلفتها المالية ،وهو ملف لم يتطرق اليه طرف من المشاركين فى التحالف على نحو رسمى ،فضلا عن أنه لم تتوافر حتى الآن بيانات ومعطيات محددة ومعينة عما تم إنفاقه خلال عاصفة الحزم،والتى انتهت رسميا مساء الأربعاء قبل الماضى بعد 27 يوما من الغارات التى شاركت فيها طائرات تسع دول عربية من بينها مصر والتى ساهمت بقطع بحرية والتى تولت مسئولية تأمين باب المندب ، وإن استمرت تحت مسمى آخر هو عملية إعادة الأمل والتى أعطت الأولوية لتحقيق هدفين رئيسيين هما تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المحليين والذىن كابدوا، وما زالوا، أوضاعا بالغة الصعوبة من جراء استمرار الجماعة الحوثية المدعومة من قوات الرئيس المعزول على عبد الله صالح فى شن الهجمات والعمليات العسكرية على المدن والمناطق المختلفة فى اليمن والثانى هو دفع العملية السياسية فى ضوء المحددات التى نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2216 ومع ذلك ثمة من يشير من الخبراء الى أن كلفة عاصفة الحزم ربما تبلغ أكثر من 20 مليار دولار شاملة كل الأبعاد من أعباء خاصة بالتجهيزات والسلاح والطائرات والوقود وهو ما تحملته بصورة رئيسية المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى الأربع المشاركة فى العملية وهى الكويت والإمارات وقطرالبحرين فى حين أن مصر والأردن والمغرب والسودان ، لم تتحمل أى تبعات مالية مكتفية بالمشاركة العسكرية فقط ،وفق ما يؤكده الدكتور حمدى عبدالعظيم، الخبير الاقتصادى والرئيس الأسبق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وهو ما يعنى أن الكلفة اليومية للعملية العسكرية اقتربت من مليار دولار يوميا ،وذلك على الرغم من انخفاض أسعار النفط خلال العام المنصرم، والذى تسبب فى عجز واضح فى موزانا ت دول مجلس التعاون مما جعلها قادرة - وفق رؤية خبراء عسكريين وماليين - على أن تتحمل بكل سهولة التبعات المالية للعمليات العسكرية فى اليوم ومن المستبعد أن تقف التكلفة حائلا أمام طول فترة العمليات الحربية أو أن تحد من نطاقها كما أن كلفة العمليات العسكرية سواء ضمن عاصفة الحزم أو عملية إعادة الأمل أصغر من أن تضيف عبئا كبيرا إلى ميزانية الدفاع والأمن فى المملكة العربية السعودية ، تحديدا، التي بلغ حجم مخصصاتها، في العام الماى، 81 مليار دولار. وبعيدا عن الأبعاد الاقتصادية فإن عملية عاصفة الحزم وامتدادها - إعادة الأمل شكلت تحولا نوعيا فى أداء النظام الإقليمى العربى بل وفى الشرق الأوسط وستحدث تغييرا فى المفاهيم السياسية والعسكرية فى المنطقة ، خاصة فى ظل السرعة التي التأم بها تحالف من تسع دول عربية وهو ما اعتبر سابقة سياسية وعسكرية نادرة ، وبعث برسالة واضحة إلى أطراف عديدة إقليميًّا وعالميًّا، خاصة أولئك الذي يشكِّكون في الوحدة والتضامن العربي، وقد حملت الرسالة مغزى آخر هو أن العالم العربي راغب وقادر على التحكم في مصيره، وحماية مصالحه، ومنع انهيار أو احتلال دولة عربية أخرى ، كما مهَّدت الطريق أمام الجامعة العربية لتأسيس قوة عربية مشتركة لردع أي تهديد وجودي يمكن أن يواجه المنطقة . ووفقا للعديد من الخبراء فإن عاصفة الحزم تعد حرب ضرورة لا اختيار بعد استنفاد كل المبادرات الدبلوماسية لإيجاد حل للأزمة المتفاقمة فى اليمن فى أعقاب استيلاء الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء فى سبتمبر الماضى ، واستهدفت بالأساس لمنع البلاد من الانهيار، وتجنُّب حدوث كارثة إنسانية مشابهة لكارثتي سوريا والعراق؛ حيث بدأت العملية في الساعات الأولى من صباح 26 مارس الماضى بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة متفاوتة من قطر والبحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن والمغرب والسودان وتمثلت أهم المحددات والأهداف العامة لهذه العملية في تأسيس توازن قوى سياسي وعسكري جديد في الشرق الأوسط، ومنع إيران من التدخل في شئون جيرانها، في ضوء التصريحات العدائية التي أطلقها العديد من القيادات السياسية والعسكرية في الشهور القليلة الماضية؛ حيث أعلن بعض القادة الإيرانيين أنه بعد وقوع صنعاء فى قبضة الحوثيين أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي تقع تحت سيطرتهم . وينطوى وصول النفوذ الإيرانى وتمدده عبر الحوثيين وشركائهم فى اليمن على تهديد قاتل لأمن واستقرار منظومة مجلس التعاون الخليجى والمنطقة ككل؛ وهو ما يعنى إن أي إخلال بالأوضاع في اليمن سيؤدي إلى انتكاسة اقتصادية وعسكرية لدول المجلس بصفة خاصة، والدول العربية لاسيما مصر والسودان اللتين تمثلان قوتين على البحر الأحمر ، وسوف تتحمل دول المجلس أية تبعات اقتصادية أو أمنية تترتب على اضطراب اليمن. وبالتالي، كان التدخل العسكري ضروريًّا لمنع وقوع كارثة إنسانية وأمنية في البلاد، ومنع إيران من التدخل في شئون دول المجلس والدول العربية الأخرى؛ إذ يُعتبر أمن اليمن ضروريًّا لأمن دول المجلس والمجتمع الدولي فالسماح لأي دولة غير مسئولة أو لأطراف غير دولية بتهديد أمن اليمن أو منافذه المائية تكون له بدون شك نتائج اقتصادية وأمنية خطيرة على المنطقة، ولعل أهم ما حققته عاصفة الحزم يتجسد فيما يلى وفقا لرؤية الباحث المتخصص فى قضايا الشرق الأوسط غسان شبانة : - العرب قادرون وراغبون في الدفاع عن أنفسهم - إيران تمثِّل تهديدًا لوحدة واستقرار العرب، ولذلك يجب ردعها - بوسع العرب طرح بديل للوضع الراهن وتفنيد الرواية الإيرانية عن المنطقة - تحقيق أمن المنطقة العربية وتنميتها يتحقق من الداخل - ما يوحِّد العرب أكبر وأهم مما يفرقهم - العرب قادرون على صياغة رؤيتهم السياسية والدفاع عنها بدون العودة إلى الغرب - العرب بوسعهم كتابة روايتهم بأنفسهم وبالقراءة الأولية لنتائج عاصفة الحزم، تكون العملية حققت الأهداف التالية: منعت سقوط اليمن بالكامل في قبضة الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع صالح، وأضعفت قدراتهم؛ ودعمت تشكيل قوى مضادة للحوثيين، وأحدثت شرخا في صفوف القوات العسكرية المولية لصالح، وحدَّت من تدفق أعداد هائلة من اللاجئين اليمنيين إلى دول الجوار وزعزعة استقرارها؛ وأخيرًا -وهو الأهم- ستقدِّم العملية رواية مضادة لرواية إيران؛ فقد كانت طهران تتلاعب بالمنطقة طوال العقد الأخير: في لبنان والعراق وسوريا، واليمن الآن. وفي كل بلد يزرع التدخل الإيراني بذور الحرب الأهلية والدمار وبذل يكون التحالف العربى قد نجح فى تقديم رواية مضادة لتلك الصورة الكئيبة؛ فإيران تعني الحرب الأهلية والدمار؛ بينما يعني التحالف الذي تقوده السعودية الوحدة والتنمية والانتعاش الاقتصادي، والازدهار. أما إيران فهي مثل كل القوى الإمبريالية الأخرى تُسبِّب الفوضى والدمار؛ بينما يحقق البديل -مثل أي حركة تحرر- الاستقلال والوحدة. ولكن أخطر التحديات - كما يضيف غسان شبانة، هو استمرار الحرب؛ فإذا استمرت عملية عاصفة الحزم أطول من المتوقع، فقد تُسبِّب العديد من الصعاب للتحالف في الأجل الطويل؛ إذ إن طول أمد الحرب يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين؛ وتدمير البنية التحتية لبلد يُعدُّ من أفقر البلدان في العالم العربي؛ وزيادة التوتر الطائفي، وتعقيد أي جهود مصالحة بين جميع الأطراف، ويُحوِّل التعاطف العالمي تدريجيًّا من تعاطف مع التحالف إلى تعاطف مع الحوثيين ومسانديهم على الأرض ،وهو ما يجب معه أن يكون كسب الحرب تكتيكًا للتحالف، وأن لا يكون إستراتيجية؛ فالإستراتيجية الحقيقية هي تحقيق السلام والأمن والاطمئنان من خلال النمو الاقتصادي. فاليمن في حاجة ماسَّة إلى المساعدات الاقتصادية والتنمية في كل القطاعات ويجب البدء بخطة اقتصادية داخلية ضرورية وحيوية لتغيير الآليات الاجتماعية والسياسية في البلاد. وسوف تؤدي استعادة الأمل لدى المواطن اليمني البسيط دورًا حيويًّا في إعادة تشكيل البلاد ومستقبلها في السنوات القادمة ، وكذلك فإن تقديم حزمة اقتصادية سخية لإعادة تنمية البلاد سيؤدي إلى زيادة القوة الناعمة للتحالف، وسيُضعف إيران ومؤيديها ، وكذلك يمكن أن تصبح تنمية اليمن نموذجًا للعراقيين والسوريين لتشجيعهم على الابتعاد عن النموذج الإيراني وتبني النموذج اليمني ومن ثم فإن إقحام قوى التحالف في حرب استنزاف - الكلام للباحث نفسه - هو أفضل خيار يهدف إليه الحوثيون في هذه المرحلة الحرجة، لأن ذلك يؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية، ويثير المزيد من الضغط السياسي والدبلوماسي على قوات التحالف، ويمنع النصر الحاسم في أقصر وقت ممكن، وسيحول الرأي العام بعيدًا عن هادي وقوات التحالف العربى . ولاشك أن الميزة النسبية لعاصفة الحزم ثم عملية إعادة الأمل تتجسد فى قدرتها على تفعيل معاهدة الدفاع العربى المشترك عمليا بعد الدعوات التى وجهها الدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية خلال العام الأخير، وبالذات منذ سيطرة تنظيم داعش الإرهابى على مناطق شاسعة من العراق وسوريا ،يقدرها بعض الخبراء بأنها تعادل مساحة دولة عظمى مثل بريطانيا ،وإن كانت هذه السيطرة قد تعرضت لاختراقات نوعية بفعل الضربات القوية التى وجهها الجيش العراقى مؤخرا، واستعاد بها محافظة صلاح الدين وعاصمتها تكريت ،ثم دخوله فى عمليةعسكرية واسعة لتحرير محافظة الأنباء اعتبارا من يوم الأربعاء الماضى ، ترقبا لعملية تحرير مدينة الموصل الاستراتيجية قريبا ،ووفقا لما يراه الدكتور أيمن سلامة، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وأستاذ القانون الدولي فى هذا الصدد فإن الضربة التي قام بها الائتلاف الخليجي والعربي بقيادة السعودية، وذلك استجابة للدعوة الرسمية من الرئيس اليمني المنتخب، عبدربه منصور هادي، ناشدهم فيها بتفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك لجماعة الدول العربية، هي ضربة شرعية وغير مخالفة للمواثيق العربية والدولية ،لافتا الى أن المادة 51 من ميثاق منظمة الأممالمتحدة، هو الأساس القانوني الذي ارتكزت عليه دعوة الرئيس اليمني، والتي ترخص للدول الأعضاء فرادى أو جماعة، بأن تقوم بالدفاع عن النفس ضد أعمال العدوان التي تهدد استقلال الدول ووحدتها الإقليمية، فى ظل قيام قوى إقليمية - ألمح اليها الرئيس هادى - بالعدوان ضد اليمن في اشارة صحيحة الى إيران.