إن العمل على مواجهة التضخم وخفض الارتفاع الكبير فى المستوى العام فى الأسعار يتطلب حزمة من الإجراءات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية بحيث تتضافر جميعها فى تحقيق هذا الهدف الرئيسى. ومما يزيد المشكلة تعقيدا فى مصر أن ظاهرة التضخم مقترنة ببعض مظاهر الركود الاقتصادى أى أننا نعانى من الركود التضخمى، وهذا يتطلب علاج مرضين يتعارض أحدهما مع الآخر، ومن ثم يجب أن تكون حزمة السياسات والإجراءات متوازنة ومتنوعة بحيث لا تعالج أحدهما وتضر بالآخر هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فيجب استخدام الأدوات الاقتصادية جميعها فى وقت متزامن بحيث لا ترهق إحداها أو تستخدم بدرجة غير مقبولة اجتماعيا، فمثلا يقتضى خفض معدل التضخم خفض القوة الشرائية للقطاع العائلى، فلا يصح أن تفرض ضرائب مرتفعة جدا كوسيلة وحيدة لتحقيق خفض الطلب بما يؤدى إلى عدم استجابة المجتمع لهذا الإجراء، بل يجب استخدام أدوات أخرى إلى جانب الضرائب المعقولة مثل تخفيض الدعم والتقييد الإدارى لرفع الأسعار وغيرها. والآن: ما حزمة العلاج فى ضوء أسباب التضخم التى ذكرناها فى مقال الأسبوع الماضى ؟ إن الإجراءات المطلوبة تشتمل على الأمد القصير الإجراءات التى تظهر ثمارها فى فترة وجيزة تتراوح بين 6 أشهر وسنتين، أما إجراءات الأمد الطويل فيتم اتخاذها الآن غير أن آثارها تظهر تباعا بعد نحو عامين. فى الأجل القصير: أهم الإجراءات فى الأمد القصير فى السياسات المالية والنقدية والتجارية هى ما يلى: 1 - خفض عجز الموازنة العامة للدولة إلى أقل من 7% بنهاية العام المالى 2017 - 2018 غير أن الموازنة التى تقدمت بها الحكومة تحتوى على عجر نسبته 9% من الناتج المحلى الإجمالى، وهذا هدف متواضع لا يحقق خفض معدل التضخم إلى المستوى الذى يتطلع إليه الشعب، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق زيادة حصيلة الضرائب لتقترب من المتوسط العالمى للدول التى فى مثل أوضاعنا وهى نحو 24% من الناتج المحلى الإجمالى بدلا من مستواها الحالى وهو أقل من 14%. 2- إقلال النفقات العامة وخاصة الدعم غير المبرر ( الوقود والطاقة ) بنسب متزايدة وبما يضمن وصول المتبقى منه للمستحقين. 3- القضاء على الهدر والضياع فى مختلف قطاعات الدولة من زراعة وصناعة وخدمات والذى إن تم بنسبة10% من الناتج المحلى الإجمالى فهو كفيل بتحقيق الأمل المنشود. 4 - الالتزام بمبدأ الحد الأقصى لدخول العاملين فى الحكومة والقطاع العام الذى يؤدى إلى خفض عجز الموازنة وله آثار حميدة فى انخفاض المستوى العام للأسعار؛ لأن أصحاب الدخول المرتفعة لا يأبهون بها ولا يشعرون بالآثار المدمرة لارتفاع المستوى العام للأسعار. 5 - حث البنوك والجهاز المصرفى على تشغيل المصانع المتوقفة أو زيادة الطاقات المستغلة بحيث يزيد المعروض من السلع والمنتجات. 6 - إعطاء حوافز سليمة للقطاع المالى للإقدام على إنشاء المشروعات الإنتاجية - زراعية وصناعية - وخاصة تلك التى تكتمل فى فترة وجيزة تتراوح بين سنة وسنتين. 7 - رفع سعر الفائدة إلى ما يقرب من معدل التضخم مع تخفيضه مع انخفاض معدل التضخم، وهذا إجراء يسهم فى خفض مستوى الاستهلاك بالإضافة إلى مساندة سعر الجنيه المصرى وتحسينه. 8 - فى ظل نظام التعويم المدار يجب رفع قيمة الجنيه المصرى بحيث يصل إلى نحو 13 أو 15 جنيها للدولار الذى قدره صندوق النقد الدولى ويمكن أن يتم ذلك خلال شهرين. وفى الأجل الطويل: إن هناك إجراءات تتخذ الآن وتظهر نتائجها فى فترة تتراوح بين 3 و 5 سنوات أهمها : 1 - الاهتمام الشديد بزيادة الإنتاج ورفع الإنتاجية. 2 - اتخاذ إجراءات فعالة لتشجيع الأسر على ألا يزيد عدد أبنائها على طفلين، وتعاقب تلك التى لا تلتزم بذلك. 3 - العناية الكافية بتحسين القيم الثقافية والسلوكية بحيث تؤدى إلى استدامة التنمية فى مصر. 4 - إن للإصلاح الاقتصادى تكلفة وأعباء على المواطنين، وكى يتحملوها يجب أن يكون هناك إصلاح سياسى لإشراكهم فى اتخاذ القرارات والمساهمة فى تقدم مصر. وقد يبدو للبعض أن هذا الإصلاح السياسى بعيد عن موضوع مكافحة التضخم، إلا أنه يقع فى قلبها، ويكفى أن نذكر هنا الحكمة الرائعة عن تلازم الإصلاح السياسى مع الإصلاح الاقتصادى التى تقول: «إن الإصلاح الاقتصادى بدون الإصلاح السياسى نبتة بلا جذور، والإصلاح السياسى بدون الإصلاح الاقتصادى نبتة بلا ثمار، والنبتة القوية المستدامة يجب أن يكون لها جذور وثمار». 5 - إرجاء مشروعات البنية الأساسية بعض الوقت إلى حين زيادة استغلال الموارد بحيث تمول نفسها بنفسها دون حاجة إلى زيادة العجز، وأتذكر أن الصين كانت الطرق بها إلى عام 1994فى حالة متردية بالرغم من تحقيقها معدلات نمو مرتفعة فى النصف الثانى من ثمانينيات القرن العشرين، وهذا ما جنبها المعاناة من ارتفاع معدل التضخم، ومكنها من تحقيق الاستدامة فى النمو والتخفيض الشديد فى نسبة الفقراء من السكان. هذا هو رأى العلم والعمل فى القضاء على التضخم والله أعلم