طالعتنا الجريدة الرسمية بعددها الصادر برقم فى 11 / 12 / 3 2015/1 بقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 5102 ملغيا قانون العاملين المدنيين بالدولة 74 لسنة 7891 وتأسيسا على ستة عشر تشريعا سابقا، بالإضافة لموافقة مجلس الوزراء وما ارتآه مجلس الدولة. وقد أوجبت أحكامه على رئيس مجلس الوزراء إصدار اللائحة التنفيذية له خلال ثلاثة شهور اعتبارا من تاريخ العمل به فى 31/ 3 / 5102 ، فهل هذا يمثل حلا لقضية الفساد الذى أصاب بعض المرافق الإدارية بالبلاد.. هذا ما سوف تكشف عنه الحقائق التالية : تسعى الدولة جاهدة منذ منتصف القرن الماضى نحو تطوير وتحسين أداء جهازها الإدارى وصولا بالخدمات التى يقوم بها إلى المستوى الأمثل والمطلوب، حيث بدأت بجمع شتات التشريعات المنظمة له على أسس موضوعية تبعد بقدر الإمكان عن الاعتبارات الشخصية التى قد يمثلها ضغوط بعض طوائف الموظفين فانتهت الى صدور قانون العاملين المدنيين بالدولة 47 لسنة 1987 وقانون الوظائف المدنية العقارية فى الجهاز الادارى للدولة 5 لسنة 1991 ومن الملاحظ أن مبررات التعديل التشريعى فى كل مرة غالبا ما تقوم على أن التطبيق العملى للتشريع محل التعديل قد أسفر عن بعض الثغرات والقصور فى الأحكام بما يحول دون أداء الجهاز الإدارى للدولة بالمستوى المطلوب، فضلا عن ذلك فإن التشريع محل التعديل لا يحقق توفير الاختيار السليم للقيادات الإدارية الوطنية ذات الأهلية والجدارة والقدرة على البذل والعطاء، كما لا يوفر لها المناخ والحوافز الضرورية اللازمة لمباشرة مهمتها نحو تحقيق الهدف المنشود، ولسد تلك الثغرات ومعالجة هذا القصور تقوم الجهة الإدارية الطالبة للتعديل التشريعى بتقديم مشروع القانون الجديد ملغيا أو معدلا للقانون القائم.. تلك هى أهم مبررات طلب التعديل التشريعى فى غالب الأحيان، ولكن الحقيقة الدامغة القاطعة الدلالة والثبوت غير ذلك على الإطلاق، فهى تكمن فى سوء إدارة وانعدام دراية الأجهزة الادارية المسئولة عن تنفيذ القوانين نتيجة قيامها بإيقاف تلك القوانين بالعمد أو بالإهمال فهى تارة تغض بصرها عن تنفيذ القوانين وتصدر قرارات من شأنها إيقاف تنفيذ القوانين فليست القضية فى اصدار تشريعات بقدر الحاجة إلى أجهزة إدارية تحترم القانون وتعمل على تنفيذ أحكامه على النحو الصحيح، لذا فإن هذا الوصف يضع مثل هذه الأجهزة الادارية موضع المساءلة الجنائية عملا بالمادة 123 من قانون العقوبات التى تقضى بحبس وعزل كل موظف عام أساء استخدام سلطة موقعه الوظيفى فى إيقاف تنفيذ أحكام القانون على النحو الصحيح. وما نحن ببعيد من قانون الوظائف المدنية القيادية فى الجهاز الإدارى للدولة 5 لسنة 1991 المعدل بالقانون 781 لسنة 2010 الذى أوجبت أحكامه على كل جهة إدارية فى الدولة الاعلان عن شغل الوظائف الادارية القيادية الخالية بها أو التوقع خلوها خلال ستة شهور فى صحيفتين يوميتين واسعتى الانتشار أو على الموقع الإلكترونى للجهة الإدارية إن وجد أو موقع الحكومة المصرية على الانترنت، ويتضمن هذا الإعلان مسميات الوظائف ودرجاتها المالية ووصفا موجزا لها وشروط شغلها والقدرات اللازمة لشغلها والمدة المحددة لتلقى الطلبات والجهة التى تقدم إليها بحيث يتقدم لهذا الإعلان العاملون بالوحدة وغيرهم ممن استوفوا شروط شغل الوظيفة محل الإعلان، بالاضافة الى تشكيل لجنة دائمة من الخبراء فى مجال التخصص وإدارة الموارد البشرية والحاسب الآلى واللغات برئاسة الوزير المختص بالنظر فى الترشيح لشغل الوظائف محل الإعلان على أساس الحاصل على أعلى الدرجات وفقا للتقييم النسبى للمعايير والمهارات والقدرات المطلوبة لإيفادهم للدورات التدريبية المخصصة لشغل الوظائف الخالية المعلن عنها، كما أوجب هذا القانون على إدارة شئون العاملين المختصة إعداد بيان عن موقف الوظائف القيادية التى تنتهى مدة شاغليها وذلك قبل انتهاء هذه المدة بستة أشهر على الأقل ويعرض هذا البيان على السلطة المختصة بالتعيين لتتخذ ما تراه بشأن تجديد مدة شاغل الوظيفة أو تقرير نقله إلى وظيفة غير قيادية، وفى حالة تقرير تجديد مدة شغل الوظيفة القيادية تصدر السلطة المختصة بالتعيين القرار اللازم قبل انتهاء المدة لشغل الوظيفة بستين يوما على الأقل . تلك هى قواعد القانون وفقا لمبادئ الدستور التى تحقق العدالة الاجتماعية فى اختيار القيادات الادارية بشفافية مطلقة دون أيادى الفساد والاستبداد. وللأسف الشديد فقد ضربت قرارات لرئيس مجلس الوزراء وبعض الوزراء بتلك القواعد عرض الحائط، وترتب على ذلك خلو عدة وظائف قيادية بوزارات متعددة نذكر منها على سبيل المثال وزارة التموين والتجارة الداخلية خلوا بلغ عدة أسابيع وشهورا دون الإعلان عن تلك الوظائف وبغير تعيين أحد عليها. وقد يتخذ الوزير من أسلوب الندب وسيلة لشغلها دون توافر الضمانات القانونية فى اختيار العناصر القيادية الملائمة فنيا وإداريا بالصلاحية الحقيقية والشفافية السليمة، الأمر الذى يصيب تلك القرارات بالبطلان، كما أن قرارات التجديد لشاغلى تلك الوظائف تصدر مخالفة للمادة 20 من القانون 5 لسنة 1991 التى تقضى بانه فى حالة تقرير تجديد مدة شغل الوظيفة يصدر الوزير قرار التجديد قبل انتهاء المدة المحددة لشغل الوظيفة بستين يوما على الأقل، إلا أن قرار رئيس الوزراء 2 لسنة 2014 فى 1 / 1 / 2014 وقرار وزير التموين 21 لسنة 2014 فى 8 / 1 / 2014 صدرا بمد خدمة رئيس قطاع التجارة الداخلية لمدة سنة بعد إحالته للمعاش فى 31 / 12 لسنة 2013 ومن العجيب انه لم يصدر حتى الآن قرار بتعيين رئيس لهذا القطاع وكذلك الحال للادارتين المركزيتين للرقابة والمعاملات التجارية ولتنمية التجارة الداخلية.. مصر فى حاجة لأجهزة ادارية تحترم القانون والدستور اكثر من حاجتها لتعديلات تشريعية حتى نصل بمرافق مصر الداخلية لمقام مصر العالمية.