اختلف الخبراء في تفسير أسباب الانخفاض الكبير حاليا» في أسعار السلع الرئيسية،البعض رأي أن وفرة المعروض هي السبب في حين ألقي البعض الآخر باللوم على انخفاض الطلب .لكن في النهاية ،ما يثير قلق المحللين يستفيد منه آخرون ومنهم الدول النامية التي تعتمد علي الاستيراد مثل مصر، فأين الاستفادة من انخفاض الأسعار العالمية ؟ ناقش تقرير لمجلة الفاينانشال تايمز انخفاض أسعار السلع كفئة من فئات الأصول مشيرا» إلي أن تباطؤ النمو يلحق أضرارا بالغة بمستثمرى السلع. وتعاني أسواق السلع الرئيسية ،مثل الذهب والنفط والغاز والذرة من أسوأ أداء منذ أزمة عام 2008 . في ذلك الحين كان سبب انخفاض الاسعار واضح وهو ازمة الائتمان والهلع بخصوص النمو الاقتصادي العالمي. اليوم، في حين أن النمو العالمي أكثر بطئا من المأمول في بعض الدول - وخاصة في الصين - الا ان الآفاق الاقتصادية تبدو أكثر إشراقا مما كانت عليه في عام 2008 في عام 2014، تحول التركيز إلى العرض مع تعهد منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بالحفاظ على ثبات حجم إنتاجها على الرغم من تراجع أسعار النفط وزيادة إنتاج الولاياتالمتحدة من النفط الصخري . وفي نهاية المطاف، يبدو أن قرارات الاستثمار في العالم المتقدم هي السبب في وفرة المعروض.ويري محللو السلع في سيتي بنك انه وعلى نحو متزايد في جانب العرض دورات الاستثمار تخلق وفرة في بعض القطاعات (مثل النفط والغاز الطبيعي، وخام الحديد والحبوب) في حين أدى تراجع الاستثمار في المعادن الصناعية بشكل عام والنحاس بشكل خاص الي تقييد الإمدادات. استنادا» الي التوقعات الحالية يقول المحللون في سيتي بنك أن استمرار انخفاض النمو في الاسواق الناشئة في عام 2015 معناه عودة الي عصر «صنع في أمريكا» وانتهاء عصر برميل النفط الذي يساوي مائة دولار . أما بالنسبة للحبوب فمن المتوقع ان يسفر تحسن الظروف المناخية عن ارتفاع المخزونات لمدة عام أو اثنين. التحليل المباشر التقليدى لديناميات العرض والطلب على السلع يشير الي أن انخفاض أسعار السلع سوف يدفع المستهلكين الي زيادة الطلب مما يعزز ارتفاع الأسعار مرة أخرى. ولكن لن يكون الأمر هكذا بالنسبة للمناجم وغيرها من الشركات المرتبطة بالسلع الرئيسية والتي شهدت أسهمها تراجعا في الشهر الماضي . ويقول محللو رابو بنك ان انخفاض اسعار السلع مدفوع بتراجع الطلب وليس زيادة الإنتاج . الاستثمار في العقود الآجلة للسلع تحول إلي عملية مبهمة يكتنفها الغموض خلال السنوات العشر الماضية ،استنادا إلى فرضية أنها كانت توفر حماية من التضخم وعوائد مساوية للأسهم دون ربطها بأسواقها . وكانت هذه الفرضية بالتأكيد صحيحة مع ارتفاع متواضع لمعدلات التضخم ،وفي السنوات الخمس الماضية انخفض مؤشر بلومبرج للسلع بنسبة 27 ٪ دون ان يكون له علاقة بالأسهم المرتفعة. وفي شهر يناير أصيب المستثمرون بخيبة أمل مع انخفاض مؤشرات البورصات الرئيسية في الدول الصناعية الكبرى، فلم تنخفض أسعارالأسهم فحسب وإنما أسعار السلع الرئيسية مثل النفط ،الغاز والمعادن وتعددت الأسباب في ذلك لكن أبرزها في الأيام الماضية كان الخوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي الضعيف بالفعل. كان البنك الدولي في منتصف يناير قد خفض توقعاته للنمو العالمي في 2015 من 3.4٪ إلي 3٪ . وكما كان الوضع في عام 2010 سادت مخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو، لكن قبل خمس سنوات كان الاقتصاد الألماني يحقق نموا بمعدل يقترب من 4٪ ،وكان متوسط نمو دول مجموعة بريكس (البرازيل ،روسيا،الهندوالصين) حوالي 9٪.لكن في عام 2014 لم يتجاوز معدل نمو الاقتصاد الألماني 1.5٪ ،وتباطئ نمو بريكس الي ما يزيد قليلا» عن 5٪. انخفاض الطلب والخوف من استمرار تباطؤ النمو يفسر تسارع وتيرة تراجع أسعار السلع ،حيث يتزايد تأثير القلق بخصوص الصين علي أسواق السلع . فما يقرب من نصف استهلاك الشركات الصناعية في العالم من المعادن - الألومنيوم، النحاس ،الرصاص ،النيكل،والزنك - تشتريه شركات صينية .وقد انخفضت التوقعات بالنسبة للنمو الصيني .ويتوقع البنك الدولي نمو اقتصاد الصين بنسبة 7.1٪ في عام 2015. ومن ثم تتجه الأسواق إلي التراجع،وعلي سبيل المثال ،انخفضت أسعار النحاس الي أقل مستوى في خمس سنوات . ومع انخفاض أسعار المعادن هبطت أسهم شركات المناجم ،مثل جلينكور وانجلو امريكان اللتين انخفضت أسهمهما بنسبة 9٪ في منتصف يناير . ايضا ارتفاع انتاج الذرة والقمح وفول الصويا كان له تأثير علي أسعار تلك السلع . وحتي الاقتصادات القوية تبدي بعض الوهن ،مثل تباطؤ مؤشر استثمارات قطاع الأعمال في بريطانيا وانخفاض مبيعات التجزئة في الولاياتالمتحدة. ويرجع تقرير لمجلة الإيكونومست السبب في تراجع أسعار النفط من 110 دولارات للبرميل قبل عام مضي الي أقل من 40 دولارا حاليا زيادة انتاج الولاياتالمتحدة من النفط الصخري . انخفاض أسعار الطاقة خبر سار للمستهلكين ، لكن انخفاض الاسعار يهدد الدول الغنية بالوقوع في دائرة الانكماش. وقد رأى التقرير أن الصراع بين التفاؤل والتشاؤم بات واضحا في الأسواق المالية. فقبل أيام قفز مؤشر الخوف،وارتفعت مؤشرات أخرى تقيس حالة المستثمرين ،كما اتجهت أسعار الذهب الي الارتفاع مرة أخرى ،وكذلك عوائد سندات حكومية - والتي تعتبر ملاذا آمنا- تقلصت ايضا ، ومنها سندات الخزانة الألمانية التي انخفضت الي مستوي قياسي عند 0.5٪ . قلق الأسواق لا يقتصر علي أسعار السلع فحسب وإنما بخصوص الخطوة المقبلة للبنوك المركزية.انخفاض التضخم يدعو للتساؤل حول الزيادات المتوقعة في أسعار الفائدة هذا العام في بريطانيا والولاياتالمتحدة. من ناحية أخري أوضح تحليل الفاينانشال تايمز ان انخفاض انتاج النفط الصخرى الأمريكي بنهاية عام 2015 يعتمد علي عدد من العوامل أهمها استثمارات الشركات الصغيرة والمتوسطة . ففي ظل انخفاض الأسعار قد تتراجع الشركات عن خططها . ومن ناحية أخرى خفض التكاليف والتقدم التكنولوجي قد يساعد في تعزيز انتاجية الآبار. وأشار الي تتطلع اسواق السلع الي اي اشارة من الصين بخصوص سياساتها الداعمة للنمو.وفي اجتماع نواب الشعب يوم 5 مارس سيتم الكشف عن معدلات النمو المستهدفة وسياسات الإصلاح ما يشير الي مدي الرغبة في الاعتماد علي الاستهلاك المحلي للنمو . ////////// « الأسوأ والأفضل أداء » في 2015: أشار تقرير برايس ووتر هاوس كوبرز لعام 2015عن أسعار السلع العالمية الي ان التحديات الاقتصادية العالمية وارتفاع النمو الأمريكي بالإضافة الي عدم توازن العرض والطلب كان له تأثير مدمر علي أسواق السلع. انخفاض الأسعار أدي إلي انخفاضات واسعة النطاق في القطاع بدء» من التنقيب إلي الإنتاج .كانت الفضة الأكثر تضررا في السنوات الثلاث الماضية .وفي شهر ديسمبر الماضي تراجعت أسعار الفضة الي 14.16 دولار بانخفاض نسبته 71٪ مقارنة بأعلي مستوياتها التي وصلت اليها في ابريل 2011 وكانت عند 49.8 دولار في لكن في يناير ارتفعت مرة اخري 16.3٪ وهي أكبر زيادة تشهدها سلعة رئيسية ويليها الذهب بارتفاع 9.3٪. أما أسوأ اداء للسلع في 2015 فهو من نصيب النفط الذي انخفض 15٪. فالعالم ينتج حوالي 500 ألف برميل يوميا فوق الطلب العالمي وبالتالي المخزونات العالمية تمتلئ عن آخرها ، ووفقا لتقرير وكالة الطاقة الدولية الاخير سيصل حجم المخزون العالمي الي 300 مليون برميل في النصف الأول من 2015 مما يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية ومشاكل مالية للدول المنتجة .وبحسب التوقعات الحالية 2015 سيكون العام الذي سيشهد العالم فيه تدمير أسطورة النفط الصخري الأمريكي.