نشرت بوابة الأهرام الإلكترونية المسودة الأخيرة لقانون «تطوير منظومة الاستثمار» وفى ضوء خبرتى العلمية فى هيئة الاستثمار لأكثر من ثلاثين عاماً، واستطراداً لما سبق أن أبديته من آراء فى المقالين اللذين سبق نشرهما بالمجلة بتاريخ 30 نوفمبر 2014 بعنوان: «الاستثمار وأوهام الشباك الواحد»، وبتاريخ 7 ديسمبر بعنوان : «الشباك الواحد بين الحلم والواقع» . فقد وجدت أنه من واجبى أن أقول رأيا أخيراً حول «المسودة الأخيرة» لهذا القانون الذى هالنى ما تضمنه من مواد وما استحدثه من إنشاء هيئة ثانية للترويج للاستثمار والعديد من المناصب الإدارية التى ترسخ المزيد من البيروقراطية والأعباء المالية، ناهيك عن غموض الصياغة فى بعض المواد وتعارض البعض الآخر مع قوانين أخرى بل مع بعض مواد الدستور.. ولتكن البداية مع الاسم المقترح للقانون: «قانون تطوير منظومة الاستثمار»، وبفرض أن كلمة «منظومة» صحيحة لغوياً فما الداعى لهذا الاسم المركب، ولماذا لا يظل القانون الجديد بذات المسمى «قانون الاستثمار» ، ذلك أن العبرة ليست بتغيير الاسم وإنما بمضمون القانون. ولأننى لست من المتخصصين فى القانون فلن أتناول مواد القانون من حيث الصياغة أو الاشتباك والتعارض مع قوانين أخرى، وسوف أكتفى بإبداء الرأى فى بعض المواد التى أرى من واجبى التنبيه إلى خطورة مضمونها والنتائج التى ستترتب عليها. تضمنت المادة الأولى من الأحكام العامة تعريفا لكل من المستثمر، والمستثمر الأجنبى مما يوحى بالتفرقة بين كل منهما، كما تضمنت تعريفا واسعا «للمال المستثمر» لم يتضمنه أى قانون سابق مثل: توقعات المكسب أو الربح وتحمل المخاطر، والحقوق العينية كالرهونان والتأمينات وغيرها مما يعنى أننا سوف ندخل فى دوامة تقييم هذه الأصول، كما شمل تعريف المال المستثمر الامتيازات التى تمنح بمقتضى القانون العام بما فى ذلك امتيازات التنقيب عن الموارد الطبيعية.. إلخ ما جاء بهذه الفقرة التى أرى حذفها نهائيا. كما تضمنت المادة الثانية من الأحكام العامة أن يكون للشركات والمنشآت مزاولة كافة الأنشطة فى المجالات الاستثمارية والتمتع بالضمانات الواردة بهذا القانون فى إطار «حسن النية» مع عدم الإخلال باعتبارات الأمن القومى والنظام العام والآداب العامة والصحة العامة. والسؤال هنا هو هل يمكن أن تتضمن مجالات الاستثمار أصلا ما يتعارض مع هذه الاعتبارات ؟ أما المواد 9 ، 10 ، 11 ، 12 ، 13 ، 14 فيجب حذفها لتعارضها مع قوانين أخرى أو لأن هناك قوانين أخرى تنظمها.. كما أن المادة التاسعة على سبيل المثال تنص على أنه «لا يجوز لأى جهة إصدار قرارات متعلقة بتنظيم إنشاء وتشغيل مشروعات تخضع لأحكام هذا القانون، ولا يجوز فرض رسوم ومقابل خدمات عليها أو تعديلها إلا بعد أخذ رئيس مجلس إدارة الهيئة وموافقة مجلس الوزراء. وتجدر الإشارة هنا إلى أن رئيس مجلس إدارة الهيئة هو وزير الاستثمار. أما الباب الثالث بعنوان حوافز الاستثمار، ويشمل الفصل الأول منه الإعفاءات الضريبية فلم يتضمن الأنشطة التى تتمتع بالحوافز والإعفاءات وإنما نصت المادة (22) منه على أن: «يكون تمتع الشركات والمنشآت ذات الأغراض والأنشطة المتعددة بالحوافز مقصوراً على الأنشطة المنصوص عليها فى اللائحة التنفيذية لهذا القانون»، فهل يعقل أن نترك تحديد الحوافز والإعفاءات للائحة التنفيذية ؟ وهل يجوز قانونا أن تكون هناك إعفاءات أو حوافز بمقتضى لائحة؟ وهل مثل هذا القانون الغامض هو الذى سنقدمه للمستثمرين فى المؤتمر الاقتصادى فى مارس القادم ؟ أما المادة (23) فقد نصت على أن: «لمجلس الوزراء بناء على عرض رئيس مجلس إدارة الهيئة تقرير حوافز وإعفاءات ضريبية إضافية للشركات والمنشآت الآتية: - الشركات ذات الشهرة العالمية التى تهدف إلى جعل توطنها الرئيسى فى مصر للإنتاج وتغطية الأسواق المجاورة. - الشركات والمنشآت العاملة فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، أو فى إحدى مجالات التقنية الحديثة المتطورة، أوفى مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة. وكذا الشركات العالمية المتخصصة فى مجال تنمية التجارة الدولية وزيادة التصدير أو الشركات التى تستثمر فى مشروعات تعمل على تعميق نسبة المكون المحلى فى المنتج النهائى. - الشركات والمنشآت التى تعمل على الاستثمار فى المشروعات ذات التشغيل الكثيف العمالة. - الشركات والمنشآت التى تعمل على الاستثمار فى المناطق النائية أو المناطق التى ترى الدولة ضرورة تشجيع الاستثمار أو التوطن فيها. - الشركات التى تعمل على الاستثمار فى مجال تحديث إحدى شركات القطاع العام أو قطاع الأعمال أو الشركات المملوكة للدولة أو التى تؤول إلى البنوك. كما يجوز لمجلس الوزراء بناء على عرض رئيس مجلس إدارة الهيئة منح المستثمرين بشكل عام ما يراه مناسبا من تيسيرات وحوافز إضافية غير ضريبية. هل يتصور أحد أن يحتوى القانون على هذه المادة التى تعطى لرئيس الهيئة أن يقترح على مجلس الوزراء تقرير حوافز وإعفاءات غير محددة ؟ أو أن تترك الأنشطة التى تتمتع بالحوافز والإعفاءات للائحة التنفيذية التى تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء، بينما ينص الدستور على: إن الإعفاء من الضرائب العامة لابد أن يكون فى الأحوال المبينة فى القانون؟ مرة أخرى هل هذا هو القانون الذى نعول عليه فى جذب الاستثمارات سواء فى المؤتمر الاقتصادى أو بعد المؤتمر؟ كما تضمن «قانون تطوير منظومة الاستثمار» المقترح فى الفصل الثالث الخاص بالمناطق الحرة فى المادة (32) أنه يجوز بقرار من رئيس مجلس إدارة الهيئة بناء على عرض الرئيس التنفيذى إنشاء مناطق حرة خاصة تشمل كل منها مشروعا أو أكثر.. ولست أدرى كيف يمكن أن تكون هناك منطقة حرة خاصة تشمل مشروعا أو أكثر، ذلك أن المنطقة الحرة الخاصة فى كل قوانين الاستثمار السابقة تعنى مشروعا واحدا فضلا عن أن المشاكل التى نجمت عن التوسع فى إنشاء المناطق الحرة الخاصة تقتضى وضع ضوابط محددة لإنشاء هذه المناطق مثل التى سبق إقرارها من مجلس إدارة الهيئة عام 2009 . أما الباب الرابع بعنوان تيسير إجراءات الاستثمار، فقد نصت المادة (56) على أن : «ينشأ بالهيئة نظام للإنابة القانونية بين الهيئة والمستثمر فى التعامل مع كافة جهات الدولة سواء فى استيفاء التراخيص والموافقات اللازمة أو فى التعاقد على المرافق المتعلقة بتنفيذ مشروعاته .. وتنظم اللائحة التنفيذية لهذا القانون إجراءات وقواعد التعامل بنظام الإنابة القانونية والشباك الواحد.. إلخ ما ورد بهذه المادة، التى تعنى فى النهاية أن تفعيل نظام الشباك الواحد يتطلب من المستثمر أن يفوض الهيئة تفويضاً قانونياً سوف تتحدد معالمه عند إصدار اللائحة التنفيذية.. وهذا أمر شديد الغرابة فهل المستثمر قاصر لا يجوز له التعامل بنفسه مع كافة أجهزة الدولة ؟ .. وماذا إذا فشلت الهيئة فى الحصول على كافة الموافقات والتراخيص بحكم ما تفرضه القوانين واللوائح التى تنظم عمل أجهزة الدولة ؟ هل ستعتذر الهيئة للمستثمر حينئذ ؟ وإذا كانت الهيئة بمقتضى هذه الإنابة القانونية سوف تقوم بالتعاقد مع كافة جهات الدولة ثم نشأ نزاع ما بين المستثمر وأى جهاز من أجهزة الدولة فما هو موقف الهيئة ؟ وهل يمتنع على المستثمر التعامل مباشرة مع أى من الجهات طالما أنه قام بالإنابة القانونية التى يقترحها قانون تطوير منظومة الاستثمار ؟ وهل هذه الإنابة القانونية هى الوسيلة التى تؤدى إلى تفعيل نظام الشباك الواحد ؟ ولا داعى لتناول ما ورد بالمواد 57 ، 58 ، 60 ، 61 التى تضع على الهيئة أعباء من المستحيل أن تقوم بها للأسباب التى سبق أن أشرت إليها فى مقالى المنشور بالمجلة بتاريخ 30 نوفمبر 2014 . ذلك أن كل هذه المواد سبق أن صدرت بمقتضى القانون رقم 13 لسنة 2004 وبنفس العنوان : «تيسير إجراءات الاستثمار» ولم تطبق، ولن تطبق أيضا بإعادة إصدارها فى قانون تطوير منظومة الاستثمار. وأخيراً، تجدر الإشارة إلى الباب الخامس من القانون المقترح بعنوان «الهيئات القائمة على منظومة الاستثمار».. فقد تضمنت المادة (70) منه تشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار برئاسة وزير الاستثمار وعضوية وزراء الإسكان، والإدارة المحلية، والتجارة والصناعة، والبيئة، والكهرباء ومحافظ البنك المركزى أو أحد نوابه وممثل عن كل من وزارة الدفاع والأمن القومى بالإضافة إلى الرئيس التنفيذى للهيئة والرئيس التنفيذى للهيئة المصرية العامة للترويج للاستثمار وأحد الخبراء فى القانون واثنين من المستثمرين واثنين من ذوى الخبرة فى مجالات الاقتصاد والاستثمار. وللمجلس دعوة الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات العامة..إلخ. ولا تعليق سوى أن هناك بروتوكولا لم يؤخذ فى الاعتبار. وبالإضافة إلى هذا المجلس الموقر فقد نصت المادة (77) على أن: «يكون للهيئة مجلس أمناء يضم ممثلين عن المستثمرين وأهل الخبرة والجهات التى تقدم خدمات للمستثمرين».. كما نصت المادة (79) على أن «تنشأ هيئة عامة تسمى «الهيئة المصرية العامة للترويج» تقوم على الترويج لجذب الاستثمار على المستوى المحلى والأجنبى وتتبع رئيس مجلس الوزراء ويكون مقرها الرئيسى مدينة القاهرة وللهيئة إنشاء مكاتب داخل مصر وخارجها بقرار من مجلس الإدارة . وتنص المادة (82) على أن : «يشرف وزير الاستثمار على عمل الهيئة العامة للترويج (رغم أنها تتبع رئيس مجلس الوزراء) ويكون للهيئة رئيس ونائبان يصدر بتعيينهم قرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على ترشيح وزير الاستثمار وذلك لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمدة واحدة فقط . ويكون للهيئة نظام أجور خاص يكفل لها استقطاب الكفاءات والخبرات المطلوبة. وتنص المادة (83) على تشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للترويح بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير الاستثمار ويشكل المجلس من رئيس ونائبين للرئيس والرئيس التنفيذى لهيئة الاستثمار أو أحد نوابه. وأخيراً فإن تطوير منظومة الاستثمار وفقاً للقانون يتضمن: اختصاصات للهيئة العامة للاستثمار يصعب تحقيقها إن لم يكن ذلك مستحيلاً. إن القانون لم يحدد مجالات وأنشطة الاستثمار التى سوف تحصل على المزايا والإعفاءات تاركاً ذلك للائحة التنفيذية بالمخالفة للدستور. إنشاء هيئة مستقلة للترويج لتضيف إلى الدولة المزيد من الهيئات والأعباء المالية. إنشاء مجلس للأمناء يتولى دراسة مشاكل الاستثمار ووسائل حلها ويقدم المشورة لرئيس مجلس إدارة الهيئة . وهناك اقتراح بإنشاء مجلس أعلى للاستثمار برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى ولم تصدر بعد أهداف هذا المجلس واختصاصاته. وأتساءل فى النهاية ما الذى سوف يستقر عليه الرأى ويتم إصداره قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى فى مارس القادم.