بجانب الملف النووى الإيرانى فإن قانون الهجرة غير الشرعية سيكون إحدى المعارك القادمة بعد نكسة الرئيس أوباما وحزبه أمام أغلبية الجمهوريين فى مجلسى الشيوخ والنواب. ---------- ويمثل ملف الهجرة غير الشرعية أحد أهم الملفات التى تؤرق الولاياتالمتحدةالأمريكية فى ظل التدفق الهائل للمهاجرين غير الشرعيين على الحدود الأمريكية - المكسيكية حيث يوجد حوالى 11 مليون مهاجر غير شرعى فى الولاياتالمتحدة إضافة إلى تشكيلهم لفئة هامة فى الاقتصاد الأمريكي، حيث تميل النسبة الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين فى الولاياتالمتحدة إلى الشباب بنسبة 61٪ تتراوح أعمارهم بين 25- 44 سنة، حيث تشكل نسبة الذكور 53٪، و 57٪ من المهاجرين غير الشرعيين فوق 45 سنة من الإناث، وفى عام 2013 تم ترحيل ما يقرب من نصف مليون مهاجر غير شرعى من بينهم 45٪ لديهم إدانات جنائية سابقة. تأتى النسبة الأكبر من المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك بنسبة 59٪، تليها السلفادور بنسبة 6٪ ثم تليها جواتيمالا بنسبة 5٪ والهندوراس، والفلبين بنسبة 3٪، طبقاً لإحصاءات وزارة الأمن الداخلى فى الولاياتالمتحدة، فى الوقت نفسه يستحيل ترحيل كل ذلك العدد من المهاجرين غير الشرعيين فى ظل وعد الرئيس أوباما بنظام أكثر عدالة للهجرة. باءت كل محاولات تسوية أوضاع المهاجرين بالفشل، فمنذ محاولات الرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان بتسوية فى قانون الهجرة عام 1986، لا توجد محاولات أخرى حتى بداية عام 2013 بدأ التوصل إلى تسوية بشأن المهاجرين غير الشرعيين ممكنا بعد التوصل إلى صياغة مشروع قانون فى مجلس الشيوخ من جانب نواب يمثلون الحزبين، ولكن توقفت المناقشات داخل الكونجرس، ولم يقبل الجمهوريون بتمرير القانون. دفعت عرقلة الجمهوريين لقانون الهجرة الرئيس الأمريكى إلى إقرار خطة تسوية مؤكدا سلطته كرئيس ينفذ قوانين البلاد بما يضمن حلا وسطا بشأن الجدال فى قضية الهجرة بما تشكله من عبء على الدولة، ومحل جدال وخلاف واسع بين الجمهوريين والديمقراطيين، لذلك كان لابد من تحركات من أجل تسوية فعلية لأوضاع هؤلاء المهاجرين الذين على الرغم مما يتعرضون له من صعوبات فإنهم استطاعوا أن يندمجوا فى النسيج الأمريكى ويشكلوا فيه قوة وقطاعا اقتصاديا هاما، التخلى عنه بشكل كامل ومفاجئ يتسبب فى نقص العمالة فى الولاياتالمتحدة، فكان قرار الرئيس بقانون يعمل على تسوية أوضاع المهاجرين، بل حماية أكثر من خمسة ملايين مهاجر من خطر وتهديد الترحيل. خطة أوباما.. اختبار سلطة الرئيس لتنفيذ القوانين أقر أوباما تغييرات من شأنها أن تعييد النظر فى أنشطة 12.000 من وكلاء الهجرة الحكوميين، وقام بوضع خطة من ثلاثة محاور رئيسية يتم تنفيذها لتسوية أعداد المهاجرين غير الشرعيين، من خلال: أولاً، تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود بحيث تصبح عمليات إلقاء القبض على المهاجرين غير الشرعيين عند الحدود وترحيلهم أكثر فاعلية بعيدا عن اللجوء إلى إخراجهم من البلاد بعد ذلك، ثانيا، الاهتمام بترحيل أصحاب السجل الإجرامى من المهاجرين غير الشرعيين خارج البلاد بدلا من التركيز على العائلات، ثالثا، أن المهاجرين غير الشرعيين الذين يحمل أبناؤهم الجنسية الأمريكية أو البطاقة الخضراء سيكون بوسعهم الحصول على إقامة قانونية مؤقتة بحيث يتم فحص سجلاتهم ويقومون بدفع الضرائب المترتبة عليهم، وهو ما ينطبق على الآباء المقيمين فى الولاياتالمتحدة بطريقة غير شرعية منذ خمسة أعوام لأبناء من مواطنى الولاياتالمتحدة والمقيمين بصفة قانونية، هو ما يؤثر فى حوالى 4.5 مليون شخص. جاءت الخطة التى أقرها أوباما انعكاسا للتوصيات التى حصل عليها من وزير الأمن الداخلي، ووزير العدل بشأن ما يمكنهم فعله بموجب القانون الحالي، حتى تقتصر عمليات الترحيل على المجرمين وذوى الإدانات السابقة، وليس العائلات ولا الأطفال أو الأمهات المهاجرات لمساعدة أبنائهم، وبالتالى يمكن القول: إنه قرابة ال 5 ملايين شخص من أصل 11 مليون مهاجر غير شرعى ويعيشون بصورة غير قانونية فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بإمكانهم أن يتفادوا الترحيل بموجب تلك التغييرات الواسعة فى نظام الهجرة لمدة خمس سنوات على الأقل، فى نفس الوقت فإن البيت الأبيض يدرس توجها أكثر صرامة ليحد من الفوائد التى تعود على المهاجرين الذين عاشوا فى البلاد لمدة 10 سنوات على الأقل بما يقرب من 2.5 مليون شخص. تسمح خطة أوباما بإمكانية تمديد الحماية والبقاء للمهاجرين غير الشرعيين الذين لا يحملون أى وثائق وجاءوا إلى الولاياتالمتحدة كأطفال، والذين بلغوا سن ال 16 فى مطلع عام 2010، وهو ما يشكل قرابة 300.000 شخص، إضافة إلى أنها فتحت المجال أمام إقرار حماية العمال المزارعين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير مشروعة، ولكن تم توظيفهم لسنوات فى الصناعة والزراعة، تلك الخطوة التى يمكن أن تؤثر على مئات الآلاف من المهاجرين. على الرغم من أن خطة أوباما ستتيح للملايين العمل فى الولاياتالمتحدة، فإنها لا تعطيهم الحق فى الحصول على الجنسية الأمريكية أو تمنحهم المساعدات المختلفة مثل الأمريكيين، لذلك تبقى الخطة الجديدة ليست ضمانة للحصول على الجنسية ولا تمثل حقًا فى البقاء داخل الولاياتالمتحدة بشكل دائم. منظومة الهجرة تلقى بظلالها على الاقتصاد الأمريكي قد يساعد قرار الرئيس أوباما بخطة تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين على استقرار الدين العام من خلال تشجيع العاملين الأصغر سناً للقدوم إلى الولاياتالمتحدة طالما سيقومون بدفع الضرائب، ولكن دون الاعتماد على التأمين الصحى والاجتماعي، إضافة إلى أن تمديد فترة ترحيل اللاجئين غير المسجلين بإمكانه أن يخلق 160 ألف فرصة عمل على المدى القصير، ويضيف 2.5 مليار دولار إرادات ضريبية إضافية فى الخزينة الأمريكية، وإن كان ذلك الرقم لا يعد إنجازا فى مقابل 3 تريليونات دولار سوف تتحصل عليها الضرائب الحكومية فى عام 2014 ، وزيادة قدرها 6.8 مليار دولار فى دخل العمل، وقفزة فى الناتج المحلى الإجمالى من 90 مليار دولار إلى 210 مليارات دولار خلال ال 10 سنوات القادمة. "عرقلة" الجمهوريين و" شجاعة" الديمقراطيين أيهما سيقر الخطة ؟! أكد الجمهوريون أنهم سيتصدون لمشروع الرئيس أوباما داخل الكونجرس، وأمام القضاء معتبرين أن هذا المشروع غير دستوري، وغير ديمقراطى وأن اتخاذ مثل هذه الإجراءات دون موافقة الكونجرس يتجاوز سلطة الرئيس الأمريكي، هو ما يدفع الجمهوريين بالفعل إلى التخطيط من أجل إحباط أى إجراء تنفيذى بشأن الهجرة، بل فقد تحرك أعضاء من مجلس الشيوخ لحشد الجمهوريين من أجل معارضة تمرير الميزانية ما لم يحظر الرئيس ما أطلقوا عليه "العفو التنفيذى" للمهاجرين فى البلاد بطريقة غير مشروعة. تنذر تلك التحركات بمزيد من التوتر فى العلاقات بين الكونجرس والبيت الأبيض أكثر من تلك التى شهدتها الأشهر الماضية، وبخاصة بعد فوز الجمهوريين بأغلبية ساحقة فى مجلسى الشيوخ والنواب، هو ما ينذر بمزيد من الاستقطاب السياسى فى واشنطن خلال آخر سنتين من حكم أوباما بما سينعكس على السياسات الداخلية والخارجية فى الوقت نفسه، لكن إذا دخلت الخطة حيز التنفيذ باعتبارها مرسوما رئاسيا فلن يقدر على عرقلتها غالبية الجمهوريين فى المجلسين وتتحول مواجهة الرئيس من خلال تعطيل عمل الإدارة بوقف المصادقة على تعيين السفراء والقضاة والمسئولين فى الإدارة الذين يختارهم الرئيس. على الجانب الآخر، وصف الديمقراطيون قرار الرئيس بالشجاعة باتخاذ خطوة فعالة فى ملف بالغ الدقة من الناحية السياسية حيث فضل أوباما مواجهة نتائج التحرك فى ملف الهجرة الشائك عن التزام عدم التحرك وتجنب مواجهات الجمهوريين باعتباره ملفا لا يحتمل التأجيل، وأظهر استطلاع للرأى أجرته شبكة " إن بى سي" وصحيفة "وول ستريت جورنال" أن 48٪ من الأمريكيين لا يوافقون على مشروع الرئيس فى مقابل 38٪ يؤيدون القرار، فى الوقت نفسه حصلت خمس ولايات على موافقة بنسبة 60٪ على المشروع، وهى: كاليفورنيا، تكساس، لينوي، نيويورك، وأريزونا، حيث تأتى كاليفورنيا فى المقدمة وهى أعلى ولاية فى أعداد المهاجرين غير الشرعيين تصل وحدها إلى 2.5 مليون شخص. يبقى حتى الآن إصرار الرئيس أوباما على تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين بالاستناد إلى القواعد القانونية، ومواجهة معارك الاحتجاج من جانب الجمهوريين، وتأكيده أن تلك التسوية تأتى فى إطار النهج نفسه الذى تبناه جميع أسلافه سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، متبعا زيادة الضغط السياسى على الجمهوريين ليدعموا الإصلاح التشريعى فى نهاية المطاف، بما يمنح الفرصة لملايين المهاجرين أن يخرجوا من ذلك الإطار غير الشرعى إلى مسار قانونى فعال.