لماذا تصر أمازون، خامس أكبر شركة فى العالم من حيث القيمة السوقية، على اقتحام أسواق الشرق الأوسط بالاستحواذ على سوق دوت كوم أكبر شركة عربية للتسوق عبر الإنترنت؟ الصفقة التى أعلن رسميا عنها الثلاثاء الماضى لم يكشف عن قيمتها لكن شركة إماراتية عرضت فى وقت سابق 800 مليون دولار للاستحواذ على السوق ما يعطى الانطباع بأن قيمة الصفقة تعادل إن لم تتجاوز هذا الرقم، وفى كل الأحوال فقد وصفت وكالة بلومبيرج عملية الاستحواذ بأنها الصفقة الكبرى فى مجال التجارة الإلكترونية فى الشرق الأوسط. وفى نهاية 2016 قدر رونالدو مشحور الرئيس التنفيذى للشركة ومقرها دبى أن قيمة سوق تتجاوز 1.2 مليار دولار بعد نجاحها فى الحصول على 275 مليونا لتمويل توسعات الشركة التى لم تكشف عن أرباحها السنوية منذ إنشائها. السوق تأسس عام 2005 فى دبى كجزء من مجموعة مكتوب التى تحولت الآن إلى مجموعة جبار ولكنها لم تشرع فى نشاط تجارة التجزئة الإلكترونية إلا فى عام 2011 ، وتقول الشركة إنها تحظى بزيارة 23 مليون زائر شهريا وقوائمها السلعية تضم نحو 400 ألف منتج يجرى تداولها بين العملاء عبر الإنترنت. أما أمازون فهى شركة أمريكية مقرها سياتل وقد بدأت فى التسعينيات كموقع لبيع الكتب عبر الإنترنت، ولكنها ما لبثت أن تطورت بسرعة مذهلة لتصبح شركة رائدة فى تجارة التجزئة عبر الإنترنت فضلا عن أنشطتها الأخرى فى مجال الموسيقى والأفلام وتلفزيون الكابل، والأهم على الإطلاق الآن هو نشاطها فى مجال الحوسبة السحابيةCloud Computing وهى تجارة نشطة فى مجال الأعمال وعملاؤها أساسا من الشركات بمختلف أنواعها التى تبحث عن مساحات افتراضية لتخزين المعلومات فى الفضاء الإلكترونى. أمازون التى تبلغ قيمتها السوقية نحو 400 مليار دولار تخوض منافسة شرسة مع مايكروسوفت وولمارت فى مجال تجارة التجزئة عبر الإنترنت ولكنها تظل وحدها فى المقدمة فى مجال الحوسبة السحابية. وفى عام 2015 قفز سهم الشركة، طبقا ل»إيكونوميست»، بنسبة 172% دفعة واحدة أسرع بسبعة أضعاف عن نمو السهم فى العامين السابقين، وقد بلغت إيرادات أمازون العام الماضى 136 مليار دولار، ويتوقع المحللون أن تقفز إيرادات الشركة لتصل إلى نصف تريليون دولار خلال العقد القادم. هذه المعلومات والأرقام تمثل مقدمة ضرورية لفهم تطور صناعة التجارة الإلكترونية فى مصر والشرق الأوسط ، ويذكر هنا أن أمازون وفقا لهانى قسيس عضو مجلس الأعمال المصرى الأمريكى كانت قد شرعت فى نهاية العام الماضى فى التفاوض على إنشاء مركز لوجستى للشركة فى مصر، كما أن مصر تعد أحد أهم أربع أسواق لعمليات سوق دوت كوم بالإضافة إلى السعودية والكويت ودولة الإمارات بالطبع، وقد دفعت أهمية السوق المصرى شركة سوق لافتتاح مقر إقليمى لها فى القاهرة. وفى التصنيف الدولى يعد الشرق الأوسط فى ذيل المناطق الجغرافية من حيث الاعتماد على تجارة التجزئة عبر الإنترنت، وهى فى الوقت نفسه الأسرع نموا فى هذا المجال، ولهذا تعد أسواق المنطقة مغرية للمحترفين فى هذا المجال الحديث لما يوفره هذا النمو من فرص ربح هائلة. وفى مصر فإن الشراء عبر الإنترنت يحقق نجاحا سريعا وإن كان فى أنشطة محدودة مثل الشراء الإلكترونى للوجبات الغذائية واستدعاء التاكسى من أوبر وكريم فضلا عن نمو متصاعد للشراء الإلكترونى فى أسواق السلع المنزلية والإلكترونية والسيارات ولاسيما المستعملة وحتى العقارات، ولا بد من أن دخول أمازون أسواق المنطقة سوف يؤدى بما تمتلكه من خبرات فى تعظيم التجارة الإلكترونية، صعود تجارة التجزئة عبر الإنترنت له إيجابيات كثيرة بلاشك ولكنه ينطوى أيضا على بعض المحاذير التى يجب التنبه لها والتعامل معها التى أبرزها بلاشك زيادة الضغط على موارد النقد الأجنبى المحدودة ولا ننسى تجربة أوبر وكريم التى دخلت دون تنظيم وأسفرت عن بعض السلبيات مثل المنافسة مع التاكسى التقليدى وزيادة الطلب على النقد الأجنبى لتحويل الأرباح. التوسع فى تجارة التجزئة فضلا عن كونه هو المستقبل هنا وفى العالم فإنه يوفر منصات عرض وبيع إضافية لمختلف السلع والخدمات وهذا أمر إيجابى للمصانع والشركات المصرية ولكنه يمثل منافسة لها فى الوقت نفسه لأن هذه المنصات تعرض كل شىء من كل أنحاء العالم ما يشعل المنافسة ويزيد فى الوقت نفسه الضغط على النقد الأجنبى لأغراض استهلاكية، وهذه كلها أمور يتعين الانتباه إليها عبر دراسة مستفيضة تقوم بها وزارة التجارة والصناعة لتعظيم الاستفادة من توغل الشركات العالمية فى أسواق التجزئة الإلكترونية ، ولابد من أن تسفر هذه الدراسة عن ضوابط قانونية سوف تستلزم بالضرورة تعديلات تشريعية فى قانون التجارة الإلكترونية. الكل يعرف أن الاستهلاك يمثل المحرك الأساسى للنمو فى بلادنا ريثما تنهض الصادرات لتصبح المحرك الرئيسى للنمو كما يأمل الجميع .. دخول أمازون أسواق مصر والشرق الأوسط يمثل فرصة، ولكنه يصنع تحديات يجب الانتباه إليها حتى لا نفاجأ بنشاطها على نحو ما رأينا من تجربة أوبر وكريم.