كان من أهم ملامح عام2014 حالة الصعود السريع والمباغت لكثير من الجماعات الإرهابية في دول الشرق الأوسط وأفريقيا, فعلي الرغم من أن كثيرا من هذه الجماعات كان موجودا منذ سنوات طويلة في هذه المناطق, إلا أن حالة الاضطراب السياسي التي شهدتها معظم دول المنطقة في السنوات الأخيرة كانت بمثابة البيئة الخصبة لتنامي مثل هذه الجماعات الإرهابية. فنجد جماعة بوكو حرام تكثف من نشاطها الإرهابي في نيجيريا وغرب إفريقيا وتقوم بخطف مئات الفتيات والأجانب ومع ذلك تقف الحكومة النيجيرية مكتوفة الأيدي, بالإضافة إلي جماعة أنصار الدين التي استطاعت الاستيلاء علي مساحات واسعة من شمال مالي, وجماعة شباب المجاهدين التي حولت القرن الإفريقي إلي ساحة دائمة للأعمال الإرهابية من خطف وقتل وتفجيرات للمباني الحكومية والسفارات. غير أن الحدث الذي زلزل العالم بأسره كان الزحف السريع لداعش الإرهابية, فقد استطاعت الجماعة في أسابيع قليلة أن تستولي علي مساحات واسعة من العراق ومن مدينة الموصل بالإضافة إلي مناطق واسعة في شمال سوريا, معلنة تأسيسها لدولة إسلامية في هذه المناطق لا تعترف فيها بالحدود الرسمية. وأثار هذا التقدم السريع لداعش العديد من التساؤلات حول مصادر تمويل هذه الجماعة وما إذا كانت هناك دول في المنطقة ضالعة في تمويل أعمالها الإرهابية. خاصة في ظل اتهام رئيس الوزراء العراقي السابق' نوري المالكي' لدول الخليج بوقوفها وراء تمويل داعش. والحقيقة انه لا يوجد ما يثبت تورط دول الخليج في تمويل هذه الجماعة, خاصة أن دول الخليج كانت في مقدمة الدول التي انضمت للتحالف الأمريكي الهادف إلي محاربة هذه الجماعة وتقليم أظافرها, وإن كان هذا لا ينفي بالضرورة بعض السيناريوهات القائمة علي افتراض قيام بعض رجال الأعمال الخليجيين من المتعاطفين مع داعش بتقديم الدعم لها في بداية صراعها ضد النظام العلوي لبشار الأسد في سوريا.حيث يري المؤيدون لهذا السيناريو أن الجماعة لاقت في بدايتها دعما شديدا من الخليجياين لاعتقادهم أنها قد تكون بمثابة قوة حاسمة في الصراع السني- الشيعي في المنطقة, إلا أن السحر انقلب علي الساحر وأصبحت داعش خطرا محدقا بالمنطقة ودولها بأسرها. والمؤكد أن داعش نجحت في الشهور القليلة الماضية أن تخلق مصادر لتمويلها الذاتي جعلت منها الجماعة الإرهابية الأكثر ثراء في العالم, فتشير بعض التقديرات إلي أن ثروة داعش الآن تفوق2 مليار دولار. ويمكن القول إن داعش استطاعت الحصول علي هذه الثروة من ثلاثة مصادر أساسية: أ) أعمال تهريب البترول والآثار: فتشير تقديرات معهد العراق للطاقة إلي نجاح داعش في السيطرة علي بعض آبار البترول في شمال سوريا وفي المناطق التي استولت عليها في العراق, ويصل ما تقوم بتهريبه من بترول هذه الآبار تقريبا إلي نحو80 ألف برميل يوميا, تقوم داعش ببيعها بنحو40 دولار في المتوسط. أي أن البترول وحده يدر دخلا يفوق100 مليون دولار شهريا لداعش. وقد استفادت داعش كثيرا من شبكة المهربين الموجودة منذ عصر' صدام حسين' والتي استخدمها للتحايل علي العقوبات الاقتصادية المفروضة علي العراق في تسعينيات القرن الماضي, ويتم تهريب البترول في الغالب عن طريق شاحنات تمر بالأراضي التركية حيث يتم بيعها هناك ويعاد تصديرها إلي أوروبا وأمريكا نفسها, كما نجحت داعش في تحقيق ثروة ضخمة عن طريق تهريب التحف والآثار السورية والعراقية استغلالا للتراث الحضاري العظيم لهذه المنطقة. ب) نهب بعض البنوك والمؤسسات العراقية: حيث نجحت داعش في نهب الكثير من المؤسسات الماليةبالعراق. ووصل ما استولت عليه من بنك الموصل وحده نحو420 مليون دولار. ت) الجزية: حيث قامت داعش في المناطق التي استولت عليها بتخيير غير المسلمين بين دفع الجزية أو الدخول في الإسلام, ونجحت في جمع كثير من الأموال بهذه الطريقة. بالإضافة إلي فرض الإتاوات علي كل مواطني هذه الأماكن سواء مسلمين أو غير مسلمين. وقد نجحت داعش من خلال هذه الثروة الضخمة في تجنيد الآلاف من المقاتلين والمرتزقة من مختلف دول العالم ليحاربوا في صفوفها, وتشير التقديرات إلي وصول مقاتلي داعش إلي نحو30 ألفا. ولذلك فإن أي جهود لمحاربة داعش لابد أن تكون مقترنة بإجراءات لتجفيف منابع تمويلها, وذلك سيتطلب بالضرورة تعاونا من دول مثل تركيا, خاصة أن معظم البترول المهرب يمر بأراضيها, ولكن في ظل رفض تركيا للانضمام للتحالف الدولي لمحاربة داعش يبدو أن ذلك سيكون صعب المنال. ---------------------- باحثة اقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية